تحت شعار "أين الرصيف؟" أطلق ناشطون حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن استيائهم من الاستغلال العشوائي للأرصفة والشوارع العمومية، في حين تصمت البلديات إزاء التجاوزات العديدة.
يعج شارع الحبيب بورقيبة، شارع الثورة كما يحلو للتونسيين تسميته بالمارة الذين يحاولون شق طريقهم بين صفوف الكراسي وطاولات المطاعم.
وقد حرص أصحاب المقاهي على الاعتناء بالمساحات المخصصة لهم عبر وضع أشجار الزينة والمظلات لجلب مزيد من الزبائن.
للوهلة الأولى كل شيء يوحي بأن الأمر عادي، ولكن الناشطين في المجتمع المدني يرون أن المحال التجارية قد تمددت على أرصفة الشارع بعد وتجاوزت المساحات المخصصة لها من قبل البلدية، حيث يشكل ذلك خرقا لحق المواطن في السير بأمان داخل مدينته.
واحتل الباعة المتجولون شارع شارل ديغول ونهج اسبانيا والانهج الفرعية ونشروا سلعهم على الرصيف، بل وعلى الطريق أيضا في تحد لشرطة البلدية وللقانون.
المكان يعج بالتجار الذين يستغلون مركز المدينة النابض لعرض سلعهم، حيث يتوافد المواطنون البسطاء على المكان بكثرة.
وعي السلطة بضرورة التحرك وتحرص البلديات والمحافظات على تطبيق القانون من خلال شن حملات متتالية لمواجهة أوضاع الفوضى والحد من مظاهر البناء العشوائي، إلا أن الاستغلال غير المشروع للرصيف من قبل أصحاب المحلات التجارية والمقاهي والمطاعم تجاوز كل الحدود وبات يهدد المارة.
وقد دفع الواقع الجديد عددا من الناشطين في المجتمع المدني لإطلاق حملة لمحاولة استعادة الرصيف.
وقد انطلقت الحملة في شهر يوليو / تموز على مواقع التواصل الاجتماعي لتلاقي اليوم اهتماما كبير من قبل المواطنين والسلطات المحلية والمركزية وتفاعلا كبيرا من قبل الشباب الذين يشاركون بنشر صور وتعليقات على مظاهر استغلال الأرصفة والطرق بصفة غير قانونية.
وقد عمل الناشطون في الحملة على استخدام كل وسائل التواصل الإذاعية والتلفزيونية والصحفية للتعريف بمبادرتهم التي انطلقت بداية من الفضاء الافتراضي لأن تصل إلى مكاتب البلديات والوزراء فتدفعهم للتحرك وتطبيق القانون وحماية حق المواطن في رصيف لائق وآمن.
واعترف وزير التجهيز التونسي محمد صالح العرفاوي خلال لقائه مع جمعية للسلامة المرورية "بأّنّه أصبح من الضروري وضع خطة محكمة لمواجهة ظاهرة استغلال الأرصفة بمستوى 50 بالمائة".
الصيغة التشاركية
ويعتبر حكيم البحري، ناشط في حملة "أين الرصيف": أن "عددا من جمعيات المجتمع المدني تقدمت في شهر يونيو / حزيران الماضي خلال جلسة مفتوحة لمجلس بلدية المرسى بملف حول التجاوزات المسجلة بالبلدية، تنوعت بين قضايا بناءات فوضوية واستغلال للرصيف بدون رخصة وتم إثبات ذلك بالصور والوثائق. ولقيي ذلك تجاوبا من قبل السلطة المحلية. ومن هناك جاءت فكرة أو حملة (أين الرصيف)"".
انطلقت الحملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبدأت في جمع أكبر عدد من المتعاطفين معها إذ بلغ عدد المشاركين في إحدى صفحات حملة "أين الرصيف" حوالي 35 ألف مشارك.
كما أطلقت حملة أخرى في أوائل شهر أغسطس / آب بصفاقس ثاني أكبر مدن تونس تحت شعار "سيب الرصيف" من قبل أحد الناشطين الشباب وبدون أي تنسيق مع الحملة الأولى.
وبعدما تطورت المبادرة في تونس العاصمة وفي صفاقس أيضا وانتشارها في العديد من المدن الأخرى أعلن الناشطون عن إحداث جمعية خاصة بالمبادرة وإقامة فروع لها في مختلف الجهات.
ويؤكد الناشط حكيم "نحن نعمل على أن تكون مؤسسات الدولة أكثر التزاما بمسئوليتها القانونية والأخلاقية والمجتمعية ونسعى لتوعية المواطن ليكون أكثر التزاما بالقوانين والقرارات البلدية وأكثر تفاعلا مع السلطة المحلية".
ويضيف "نحن نطمح إلى تعاون بين المواطن والبلدية والسلطة المحلية، فالمواطن لا يجب أن يغيّب عن برامج التهيئة الترابية لمدينته وعلى البلدية أن تسعى لمنحه فرصة المشاركة في القرارات التي تهمه".
تغيير القوانين
وفي مناخ الاتهامات الموجهة للبلدية بالتقصير في عملها والأصوات المدافعة عنها، يبدو أنه أصبح الآن من الضروري الرجوع إلى مقاربة جديدة في التخطيط العمراني بهدف إعادة صياغة القوانين بشكل يتلاءم مع تطور المدينة وبالتالي تصحيح سلوكيات الباعة ومخالفاتهم.
ويقول مدير صيانة واستغلال الطرقات بوزارة التجهيز مراد الحمروني في تصريح للتلفزيون الرسمي " إذا شرعنا في تطبيق القانون بدون أي اجتهاد، فإن جزءا كبيرا من هذا الإشكال سيقع فضه".
ويرى "بأن الموضوع محل نقاش وكل الاحتمالات واردة إما عبر ردع المخالفين أو من خلال تغيير الصيغ والترتيبات القانونية". كما أكد أن وزارته تتعامل مع هذا الموضوع.
والسؤال القائم هو: هل يمكن للوزارة أن تنجح وحدها في ذلك دون مشاركة الأطراف المتداخلة ، مثل وزارة الداخلية ووزارة البيئة ووزارة النقل والبلديات وقوى المجتمع المدني؟ ويبدو أن التصرف المشترك في الفضاء العام هو السبيل لتجاوز الإشكاليات.
ويعتقد الخبراء في تخطيط المدن أن تقصير البلديات في تطبيق القانون يساهم في يومنا هذا في الاعتداء على حق المواطن في الرصيف.
وهم يأملون في أن تساهم الانتخابات البلدية المرتقبة خلال أواخر سنة 2016 أو سنة 2017 في دفع الفاعلين السياسيين للأخذ بزمام المبادرة والاهتمام بموضوع الأرصفة وبالتالي لردع المخالفين.