على مدى يومين في أواخر شهر مايو/ أيار من العام 2010 شاركت مجموعة من الشخصيات النسائية في المملكة العربية السعودية في لقاءات جمعتهن للتفكير المشترك حول قضية مشاركة المرأة في الشأن العام، وتحديداً حول مشاركتها في المجالس البلدية ناخبة ومرشحة.
المشاركات سيدات بارزات من مختلف مناطق السعودية، ممن ساهمن في أدوار متعددة في خدمة الوطن على الصعيد الأكاديمي والثقافي والاجتماعي. وعلى الرغم من تباعدهن المكاني، إلا أن حب الوطن والرغبة في أن تكون المرأة شريكة لصنوها الرجل في مختلف مجالات التنمية والتطوير كان هاجسهن جميعاً.
التحدي كان واضحاً وكبيراً، فالقرار الرسمي لإشراك المرأة لم يتم حسمه، وتحفظات المجتمع أيضاً تشكل عقبة أمام المرأة، لكن الحماس كان كبيراً لمعرفة التجارب الشبيهة في الغرف التجارية، ووضع الخطط العملية المناسبة، ومعرفة الفرص والتحديات، وصياغة رؤية ورسالة المشروع.
الأمل كان كبيراً في أن تشكل هذه التجربة مشروعاً وطنياً ناجزاً تجتمع حوله القيادات النسائية للعمل على تحقيق مطلب اعتبروه مستحقاً منذ بداية انطلاق الانتخابات البلدية في العام 2004م. وعلى الرغم من كون تجارب المجالس البلدية في دورتها الأولى غير محفزة لكثيرين، إلا أن الشعور بالمسئولية الوطنية وأهمية المشاركة كان هو المحرك الأساس لانطلاقة المشروع.
تواصلت اللقاءات والزيارات دون كلل أو ملل بين المشاركات في المشروع من مختلف المناطق، وتعزز ذلك بوجود توجّه لدى الدولة بزيادة فرص مشاركة المرأة في الشأن العام، وكثرة الكفاءات النسائية البارزة على مستوى الوطن، ونجاح بعضهن في انتخابات الغرف التجارية، وكذلك بروز تجارب ناجحة لمشاركة المرأة في دول الجوار.
مشروع «بلدي» انطلق محلياً، وتواصل مع مختلف الجهات الرسمية وحصل على تأييد منها، ودعم من بعضها، ووُضعت له أهداف واضحة، ولم يستثِر أياً من الجهات المعترضة، بل كان الطرح المتزن والعقلاني هو السائد طوال فترة عمله.
ولعله بسبب هذه العوامل إضافة إلى تأكيد القائمات عليه على تفعيل روح العمل الجماعي المشترك، فقد تمكن من الوصول إلى هدفهم بإقرار مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية ناخبة ومرشحة، وهو مكسب يحسب للوطن ككل.
إن هذه التجربة الوطنية الرائدة بحاجة إلى مزيد من الكتابة حولها حتى تتضح مدى أهمية وفاعلية المناشط الجماعية المشتركة التي تضع لها أهدافاً محددة، وتكون عابرة للمناطق والمذاهب والتشكلات الضيقة، لتنطلق بفاعلية في فضاء الوطن.
أمامنا كثير من القضايا والمواضيع التي تتطلب جهوداً شبيهة، خاصة تلك المتعلقة بتفعيل دور الشباب، أو مواجهة العنف، أو معالجة الفقر. وهذا هو الدور الذي يمكن أن تقوم به المؤسسات الأهلية –غير الحكومية– في قدرتها على التواصل بفاعلية وتحقيق إنجازات وطنية ملموسة.
لعل في التجربة الانتخابية المقبلة التي ستشارك فيها المرأة، يتم دراسة التجربة بتفاصيلها ومعرفة مدى استعداد مشاركة المرأة من عدمه، وما هي أوجه القصور التي تعترضها، والسبل الكفيلة بمعالجة ذلك، كي تكون المرأة شريكة كاملة في مختلف قضايا الشأن العام.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الشايب"العدد 4743 - الثلثاء 01 سبتمبر 2015م الموافق 18 ذي القعدة 1436هـ