يرى بعض المحللين أن الحراك الذي يشهده الشارع اللبناني احتجاجا على تراكم النفايات يعبر عن وجود توافق نادر داخل الشعب اللبناني بمختلف طوائفه، فيما يراه آخرون مماحكة سياسية بين الاحزاب من أجل تغيير الواقع السياسي.
باتت حملة الاحتجاجات الشعبية في لبنان والتي بدأت في 22 أب / أغسطس وأطلق القائمون عليها أسم "طلعت ريحتكم" لوصف السياسين اللبنانيين الذين عجزوا عن ايجاد حل لازمة النفايات التي انتشرت في شوارع بيروت وسائر المناطق اللبنانية، تمثل بالنسبة للمراقبين حراكا وحدويا للشارع اللبناني. ففي مشهد نادر يخرج ناشطون لبنانيون من مختلف الطوائف والمناطق، من أجل ايصال رسالة للسياسيين تتمثل بتخييرهم بين حل أزمة النفايات و تغيير الأوضاع المتدهورة التي يعيشها المواطن اللبناني أو تقديم استقالتهم والرحيل، من أجل فتح المجال لحكومة جديدة قادرة على حل المشاكل التي تواجه اللبنانيين من غلاء وبطالة وازدياد الدين الحكومي وتراجع الخدمات العامة المقدمة من البلديات.
أطراف خارجية تؤجج الصراع
المحلل السياسي جورج علم والذي يدير مكتب الخدمات الاعلامية اللبنانية أكد في حوار مع DW /عربية أن المظاهرات التي تشهدها الشوارع اللبنانية تمثل مشهدا عفويا للحراك الشعبي الذي خرج مطالبا بحقوقه "بعد الاهمال الكبير والغبن الذي أصابه"، مشيرا إلى أن له أطرافا خارجية تحركه. وأوضح المحلل السياسي أن ألاحزاب السياسية اللبنانية تحاول "استغلال" الأحداث الجارية من أجل فرض معادلة جديدة لمصلحتها تكون على حساب باقي الاحزاب. وقد يؤدي ذلك الى "حالة من الاحتقان السياسي داخل لبنان، بغية حدوث تغيير سياسي مفروض على أرض الواقع". وألمح الخبير الى وجود "دور واضح لحزب الله في تأجيج الاوضاع وانطلاق المظاهرات، وذلك من أجل الخروج عن اتفاقية الطائف" المبرمة منذ عام 1989 والتي وزعت الحصص الطائفية في كيفية حكم لبنان. وكان لها دور في انهاء الحرب الاهلية. واستشهد المحلل السياسي بمحاولة بعض المتظاهرين من رفع صور تدعو الى محاسبة الامين العام لحزب الله حسن نصر الله وذلك إسوة بباقي زعماء الاحزاب الأخرى الذين رفعت صورهم للمطالبة بمحاسبتهم على ما تسببوا فيه من مشاكل للبنانيين. وقد تم قمعهم وتم انزال الصور بشكل سريع، حسب المحلل العلم.
وكان مراقبون اعلاميون قد رأوا أن التظاهرات وان كانت تعبر عن هواجس وآلام اللبنانيين وبالاخص فئة الشباب، وعلى الرغم من كونها مغلفة بغلاف براق يجتذب مختلف أطياف الشعب اللبناني، فإنها في واقع الامر عبارة عن مماحكات سياسية بين حزب الله والحكومة اللبنانية. ولفتت وسائل اعلامية لبنانية عدة الى تحاشي المتظاهرين من إضافة صورة للامين العام حسن نصرالله الى جانب صور سائر الزعماء اللبنانيين الذين يطالبون بمحاسبتهم. كما تحدثت صحيفة الحياة اللندنية في عددها الصادر الاثنين 31/8/2015 متظاهرين هتفوا تأييدا لحسن نصر الله.
حراك غير طائفي
الأستاذ الجامعي والناشط السياسي حسين عيتياني يرى في حوار مع DW /عربية أن الحراك الشعبي الناتج هو مستقل وغير تابع لاية جهة. ويؤكد عيتياني أن القائمين على المظاهرات والدعوة لها معروفون لدى لشارع اللبناني بأنهم مستقلين وغير تابعين لاي من الاحزاب ، وسبق لهم بحسب الاستاذ الجامعي أن خاضوا مظاهرات واحتجاجات عدة منذ عام 2011 وحتى الان، كما وقفوا في وجه تمديد الرئيس السابق ميشيل سليمان وطالبوا بانتخابات نزيهة. ويضيف الناشط السياسي "دعوتهم لنا الان للتظاهر جاءت بعد تراكم النفايات في الشوارع، وبسبب الحالة المزرية التي يعيشها المواطن داخل لبنان.
ويؤكد عيتياني انه من الطبيعي أن تلجأ الاحزاب المختلفة لاستغلال الفرصة والتسلق على أكتاف المتظاهرين. ويضيف "أطلقو علينا العديد من المسميات وحاولوا تشويه صورتنا وذلك بسبب نجاحنا الكبير في استقطاب الناس وتكاتفهم حولنا. حزب المستقبل اتهمنا باننا نوالي حزب الله بعد ان تظاهرنا بالقرب من مقره في ساحة النجمة بالعاصمة بيروت. كما ان حزب الله اتهمنا باننا نوالي تيار المستقبل وذلك بعد أن تجمهرنا أمام البرلمان.
النداءات والبحث عن حلول
وفي محاولة لتخطي الازمة التي يمر بها الشارع اللبناني وجه رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري نداءً الى الفرقاء السياسيين من أجل احتواء الازمة وايجاد مخرج سياسي لها. وتنص مبادرة بري على الدعوة لطاولة حوار وطني وذلك للتشاور بين رؤساء الاحزاب المختلفة من اجل الوصول الى حلول توافقية، تنهي الازمة القائمة في لبنان، ومن ضمنها التوافق على رئيس للجمهورية اللبنانية الشاغر منصبه منذ أكثر من سنة.
وفي ما يرى محللون أن بري "الداهية السياسي" كما وصفه الاعلام اللبناني قادر على احتواء الازمة التي يعيشها الشارع يرى المحلل السياسي جورج علم أن كل حل منوط بضغوطات خارجية للدول الاقليمية الكبرى مثل السعودية وايران وحتى الولايات المتحدة. وقال علم :" التجربة علمتنا اننا كلبنانيين غير قادرين على التوافق الا من خلال ضغط خارجي قوي يفرض سيطرته على الاطراف الاخرى، ويضيف علم:"الرهان على الحراك الداخلي لن يقود الى شيء، والدليل على ذلك هو عدم قدرة اللبنانين على التوافق حول شخص رئيس الجمهورية لمنذ أكثر من عام".
الناشط السياسي عتياني أكد من جهته ان الحراك الشعبي كيفما كان قويا لن ينجح في تغيير الواقع السياسي الذي يعاني منه لبنان نتيجة للطائفية، الا انه قال أن التغيير الجزئي ممكن وقال: " نلاحظ ارتباك الحكومة في اساليب الرد. هناك محاولات لنهج الشفافية كما نراها من الحكومة لاول مرة . الارقام الجديدة التي تطرحها الحكومة من اجل التغلب على مشكلة النفايات وعرض الاسعار المقدمة من الشركات هي امور نراها لاول مرة ولم تحصل سابقا، وهو دليل على نجاحنا المستمر. كما ان التفاف الناس حولنا هو مؤشر اخر للنجاح". ويضيف الناشط السياسي "التغيير صعب وما نطلبه الان هو تحسين الامور الحياتية، الا أن مطالبنا المستقبلية ستتناول موضوع التغيير السياسي بدون شك. نريد وجوها سياسية جديدة تستطيع فهمنا، إنها خطوتنا المقبلة".