في هذا العالم، قليلٌ من اليقين، وكثيرٌ من الشك. ولأن «أعمق موضوع في تاريخ الإنسان هو صراع الشك واليقين»، كما كان يقول يوهان غوته، فإن الأمر لا يعدو كونه طريقاً باتجاه الصراع والاحتراب، لا طريقاً نحو العلم والمعرفة. أما إذا بحثنا عن السبيل إلى المعرفة الحقيقية، فإن بوابتها هي الشّك، فالشَّك هو مفتاح كل معرفة، كما يقول الحكماء.
أطرح هذا لأتثبَّت من أشياء كثيرة في مجتمعنا وفضائنا: في الدِّين والأفكار والسياسة وفي الأحداث الجارية من حولنا. من تلك الأشياء التي يتشكَّك فيها المرء بغية أن يصل إلى معرفتها هي حرب الأغبياء في الصراع الطائفي، وحملهم للواء الشتيمة المذهبية عبر خطاب كريه، لتحقيق انتصارات وهمية وأخذ ثارات لشخصيات عاشت في التاريخ الغابر في بدايات الإسلام وما تلاه.
فالغبي كما عُرِّف هو «الغافِلُ القليلُ الفِطْنة». وإذا كان هذا هو توصيفه تُصبح حركته في الدِّين أو السياسة أو الفكر بلا جدوى، بل تتحوَّل إلى مضرَّة له وحَرْق لغيره كونه يعيش الغفلة وعدم الدراية بالأمور فيضرب كيفما اتفق. وهناك أمر آخر أشد خطورة مما ذكرناه، وهو احتمالية وجود مَنْ يستغل حركته ونشاطه، عبر استثمار غياب الفطنة عنده.
دعونا ندقق في هذا جيداً. فعندما نعاين كل الدلائل الشرعية والعقلية، الدينية والدنيوية، وميزان المصلحة والمفسدة، مضافاً إليها القيم الإنسانية، لا نجِد مبرراً واحداً يجيز إلهاب الأعين والآذان والمشاعر بتلك الشعارات الطائفية، وبالتالي فإن الإصرار عليها يعني أنَّ هناك مَنْ يريد للمفسدة أن تسود! وعندما يحصل ذلك فهذا يعني أن خصماً لنا يفعل ذلك قاصداً متعمداً، عبر جوقة من الأغبياء الذين يدّعون الانتساب إلى الأمة، فيدعمهم بالمال الوفير، ويؤويهم في أقاصي الأرض، كي يُحققوا ما يريده. هذه ليست لغة خشبية، بل هي لحظة الشّك المفضي للمعرفة المفتَرَضَة.
لنوسِّع الدائرة قليلاً. قبل فترة ذكرت صحيفة «ذي إندبندنت» البريطانية نقلاً عن مؤشر إكسباتيستان لأبحاث السوق حول قائمة المدن الأكثر غلاءً في العالم، أن العاصمة البريطانية لندن «هي ثالث أكثر المدن غلاءً في العالم من حيث تكاليف المعيشة». وأن «كلفة الإيجارات أكثر من ضعفَي المعدّل الوطني». وستصل كلفة المنزل فيها إلى مليون جنيه العام 2030»!
هذا الأمر ينطبق حتى على مناطق بعيدة عن الوسط مثل كامدن ونوريتش وباترسي وارلينغتون والفنت اند كاسل وشيبردز وهامرسميث بوش وباتشي وغرينتش جنوب شرق لندن. بل ليس تلك الأحياء فقط مَنْ تعيش الغلاء وإنما كامل المدن البريطانية. وإذا كانت المعيشة هناك بهذه الطريقة، فمن باب أولى أن ينعكس ذلك على الأنشطة الأخرى غير المسكن والمشرب والمأكل، إن كان ذلك على مستوى النشاط الاقتصادي أو أنشطة إعلامية كإصدار الصحف وبث القنوات.
فعلى سبيل المثال أنفق روبرت مردوخ 100 مليون جنيه استرليني على مدى سنوات عندما أراد تكريس حضوره الإعلامي هناك. وعندما أرادت حركة فتح الفلسطينية إصدار the palestinian chronicle قبل ثلاثة أعوام بغية إيجاد صوت فلسطيني في المهجر، يطرح القضية الفلسطينية هناك وقف الرئيس أبو مازن خلف ذلك المشروع بكامل ثقله نظراً إلى التكاليف الباهظة.
أما بالنسبة إلى القنوات الفضائية فإن القضية تبدو أكثر تعقيداً وكلفة. فإطلاق قناة فضائية إخبارية متكاملة في لندن يحتاج إلى 160 مليون دولار، لتغطية إيجار الأستوديو والكاميرات وغرفة الكنترول، والديكور ومصروفات التشغيل الكهربائي واللوجستيات الأخرى، وأجور المهندسين والعاملين في الصيانة ومُقدِّمِي ومُعدِّي البرامج ومحرري الأخبار وأجور الضيوف وغير ذلك.
وإذا ما افترضنا أن القناة متواضعة وليس فيها بث إخباري بل برامج مسجّلة فإن تكاليفها لن تقل عن ربع مليون دولار في غضون ستة أشهر، دون احتساب إيجار القمر الاصطناعي. وقد طرحت الإسكوا التابعة إلى الأمم المتحدة دراسة معمَّقة في هذا الشأن قبل عدة سنوات، وبصورة عامة دون تحديد مكان تحرير المواد بيَّنت حجم التكاليف الكبيرة لأية جهة تريد إطلاق قناة فضائية.
نحن الآن نتساءل: هل أولئك الأغبياء، الذين يتخذون من أية مدينة غربية سواء لندن أو غيرها قادرون بأنفسهم على دفع كل تلك التكاليف التي تُنفَق على شتيمة السُّنّة والشيعة كي يتقاتلوا؟ مَنْ القادر على دفع 160 مليون دولار، أو ربع مليون دولار (أو بينهما) لشخص كي يقول ما يقول بحق أزيد من مليار مسلم في العالم. هذا سؤال جدير بأن نتوقف عنده، وأن يتأمله جميع المسلمين.
مَنْ هو هذا الرجل، أو تلك الجهة، التي من مصلحتها أن تُنفق 160 مليون دولار، أو ربع مليون دولار، وتُسكِن الشَّتّامين في أرقى أحياء بريطانيا كي يسبُّوا هذا ويطعنوا في ذاك وفي مقدسات الأديان والمذاهب، دون رقيب أو حسيب لا من هيئة تنظيم الاتصالات البريطانية (أفكوم) ولا من غيرها. نريد جواباً وحلاًّ لذلك! أوَليسَ الغرب، هو الذي يقوم بمناهضة الكراهية حتى ضد الحيوانات، إذاً لماذا لا يفعل ذلك وأرضه تحتضن أشد أنواع الكراهية ضد 1600 مليون مسلم في العالم، من أشخاص يدّعون الإسلام والإسلام منهم براء؟
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4741 - الأحد 30 أغسطس 2015م الموافق 16 ذي القعدة 1436هـ
زائر 2
صاحب القناه الله يحفظه ويطول ابعمره ليس ساكن في افخم مناطق لندن ، لم الكذب؟ مثل ما قال أحد المعممين بان الشيخ .... صاحب القناه الله يحرسه ان شاء الله ان ملكة بريطانيا تساعده ، لماذا هذا الغباء الفاحش فيكم؟ وعلى فكره هو ذهب الى لندن ليس للتنزه بل مطارد من دكتاتورياتك .
توثيق البي بي سي
شبكة بي بي سي الإخبارية العالمية هي التي ذهبت إلى مقره ومكان سكنه وقناته وهي التي وثقت انه يسكن في افخم الاحياء
صباح الخير
موضوع رائع جدا يا أخي الفاضل ولكن كما تفضلت وتتفضل علينا دائما بشفافية قلمك الحر والكلمه الصادقه هناك دائما من يشكك في نفسه كما جاء في قوله تعالى يحسبون كل صيحه عليهم هم العدو قاتلهم الله اني يؤفكون وهم بالطبع المنافقون في الدرك الأسفل من النار مساكنهم الكلمه الحره الصادقه يخافون بل يرتعدون منها اللون قزح مقلوبة في عيونهم وشكرا
و الله يا خوي لا تعتب على أحد 2
أما المتسبب الأكبر في ذلك؛ و حاملي الذنب الأكبر فهم العلماء المنتفعون من حالة الفرقة هذه ، و العلماء الطيبون الكسالى؛ فهؤلاء جميعا هم أخطر اسلحة الغرب.
و الله يا خوي لا تعتب على أحد 1
أفكوم و الغرب عموما يشتغلون صح، فهم منطقيون مع انفسهم لأنهم يخدمون مصالحهم. العتب علينا نحن!
و أغبى الأغبياء من صرف عمره و ثرواته في حروب و أحقاد و كراهية و فرقة من أجل فروق عقدية ، في وهابي وناصبي و صفوي و رافضي، بينما الحل أهون و أيسر من ذلك بكثير عبر اللقاء و الحوار و التفاهم و النقاش، بحيث لا يكلفه ذلك شيئ. إن الشيطان الأكبر الحقيقي هو نحن، لا أمريكا و لا روسيا و لا أوروبا. نحن الذين لا نريد حلا سلميا ؛ بل بطريقة داحس و الغبراء.
احسنت
صدقت والله
تعليق رقم 1 قال تعالى (لا يحبّ الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم)
أمر الله المظلوم او بالأحرى اباح للمظلوم رفع عقيرته بمظلوميته للعالم وذلك لكي يرتدع بعض من يخاف الناس على سمعته اكثر من خوفه لله وذلك ضعفا في ايمانه فالناس اصناف بعضهم لا يظلم خوفا من الله وبعضهم لا يظلم خوفا من الناس وبعضهم لا يهتم لله ولا يهتمّ للناس.
نعم نحن نعي ان الدول الغربية تستغلّ المعارضة للضغط على الانظمة وتستغل الانظمة للضغط على الشعوب وكل ذلك من اجل مصالحها
سؤال بسييييييط
صاحب قناة فضائية دينية طائفية تبث من لندن يسكن في أفخم احياء لندن التي حتى الميسورين صاروا يخرجون منها!!!!!
أنت كشفت نصف الحقيقة و لكنك لم تكشفها كاملة
أنت تستغرب لماذا تتغاظى بريطانيا عن القنوات التحريضية على أراضيها و لا توقفها بل تدعهما في بعض الأحيان!
و أنا أسألك لماذا تستضيف بريطانيا قادة معارضة خليجية مثلا؟ لماذا ترى بعض اللوردات في مجلس العموم البريطاني حريصين كل الحرص على أن يرفعوا شعارات مظلومية طائفة من الناس ... هل لهذه الدرجة بريطانيا يتقطع قلبها على التمييز و الإضطهاد الذي تتعرض له طائفة من الناس.
هل ستتستنكر على بعض من تعرفهم تهافتهم للكونغرس الأمريكي و مجلس اللوردات البريطاني لبث شكواهم و مظلوميتهم لهم؟
المختار الثقفي
احسنت اخي العزيز على هذا الرد الجميل، ولكن اقلب الصفحة من فضلك لترى لماذا تتهافت بعض الدول العربية لاستجلاب كل سلاح مناهض لحرية التفكير والتعبير لضرب شعوبها وتخويفها من المطالبة بالعدالة الاجتماعية، ولو قلبت الصفحة التالية لرأيت الخبراء في فنون التعذيب والتنكيل بالشعوب العربية تستجلب من تلك البلدان الغربية ايضا، ما لكم كيف تحكمون.
لو طبق القانون بالعدل لما احتجنا لكل هذا الوعد بالويل والثبور وعضائم الامور، فعندما يعامل الانسان في بلده كانسان فإن لن يحتاج الى ان تستضيفه اي بريطانيا او غيرها.
..
المظلوم يحاول ان يستفيد من اي موقع او هيئه تعينه على تخطي محنته واظهار مظلوميته... والذكي منهم من يأخذ منهم بدون مقابل مهين للكرامه والشرف ..ونتنمنى من ابناء البحرين في الخارج ان لا تهان كرامتهم .. و لا اعتقد الا انهم اهل للشرف ولم يعطوا الدنيه مم دبنهم وعزتهم.. بالرغم من تساقط الكثيرون عبر التاريخ