يذكر التراث الصيني أن أحد المقربين للدوق «آي في لو» غضب من ضآلة منزلته لدى الدوق، فقال لسيده سأرحل بعيداً مثل أوزة الثلج، وحين سأله الدوق عن قصده أجاب: الديك رمز للكياسة واللطف، ومخالبه توحي بالقوة، وجرأته على عدوه تدل على الشجاعة وغريزته في دعوة الآخرين على الطعام تظهر نزعته لفعل الخير، ودقته في الحفاظ مواعيد الزمن تدل على الصدق، وعلى رغم كل ذلك إلا أن الديوك تذبح كل يوم لتملأ أطباق مائدتك. أما الإوزة الثلجية التي تقطع 350 ميلاً في رحلة طيران واحدة تستريح في حديقتك وتقتات على أسماكك وسلاحفك، وتنقر حبات الدخن من محاصيلك، وعلى رغم أنها لا تمتلك أياً من فضائل الديك القيمة إلا أنك تقدّرها تقديراً كبيراً بسبب ندرتها، وربما الأمر كذلك بالنسبة لي إن رحلت.
لم يذكر التراث الصيني نهاية للقصة أعلاه، ولا نعلم إن بقي الرجل مع الدوق أم أنه نفذ ما قال ورحل، ولكن في حياتنا اليومية نجد نهايات واضحة لقصص متشابهة يبقى بعض أبطالها مع أحبتهم لحبهم الشديد لهم حتى ولو لم يقدروا هذا القرب، وذلك لرغبتهم في البقاء معهم مهما كلفهم هذا الأمر، وهنالك من يضيق ذرعاً بالإهمال ويقرّر الرحيل مهما كان القرار قاسياً عليه، ومهما خلّف ذلك البعد جراحاً وآلاماً قد لا تندمل بسهولة، وما أقسى آلام الفراق.
قيل قديماً ومازال هذا القول جديداً، إنك لا تعرف قيمة الشيء/ المرء، إلا إذا فقدته، هذا هو الوضع السائد، كثيرون من حولنا نحبهم ونحب وجودهم بقربنا، ولكننا لا ننتبه لجمال وجودهم في عالمنا ولا نلتفت لحاجتنا النفسية والمعنوية إليهم، إلا بعد أن يبعدهم الله عنا لأي سبب كان، بعداً مؤقتاً أو أبدياً.
بعض البشر يكونون في العمق من الغياب وهم بيننا، لا لعدم أهميتهم في حياتنا، وليس لأنهم لا يتركون أثراً في حضورهم؛ ولكن لأننا اعتدنا وجودهم واعتدنا كل ما يقدّمونه لنا حتى كاد الأمر أن يكون بديهياً بالنسبة إلينا، ولكن حضوراً كهذا لن يكون إلا إذا كان هؤلاء يعتبروننا في مقام الروح وأكثر، يقدمون لنا كل ما يقدمون من غير أن ينتظروا مقابلاً، يحبوننا لأنهم يحبوننا لا لأنهم ينتظرون منا حباً مقابلاً، وما أصعب أن ننتبه إلى غفلة كهذه حين يكون الأحبة قد غادروا عالمنا المليء بالخيبات والمليء بغصص الرحيل، أو حين يسلمنا أحدهم إلى عذاب الندم بعد عتاب شديد كما حدث للدوق حين لفت انتباهه لإهمال وخذلان لم يكن منتبهاً إليه.
لأننا لن نرضى أن نكون في هامش قلب أي حبيب، ولأننا لا نرغب في أن نكون نسياً منسياً في ذاكرة أي قريب، ولأننا نحب أن نكون دائماً في دائرة الاهتمام والمحبة، لابد وأن نلتفت إلى من حولنا، ونبادلهم مشاعرهم واهتمامهم ونعطي أكثر مما نأخذ لأن للعطاء جمالاً ما بعده جمال، خصوصاً حين يكون عطاءً في المكان الصحيح.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4741 - الأحد 30 أغسطس 2015م الموافق 16 ذي القعدة 1436هـ
يحبوننا لأنهم يحبوننا !
جملة تختصر القول جميعَه ، حين يفدو الحبّ المبتدأ و الخبر َ، و يمسيّ الوسيلةَ و الغاية ، حين يتتزّه الحبّ عمّا يمكن أن يدنّسة من رغائب و أهواء ، عندما يتمحّض ودّا خالصا يروم العطاء و ينكّس أعلام الأخذ حتى تُرى يد صاحبه في العطاء مبسوطة تلامس قلب المحبوب ، و تُرى في الأخذ منتحيةً ركنا قصيّا هي فيه مغلولة إلى قلب صاحبها ، ترتجف رعدةً عند سماع " خذ" ، و تفترّ عن نواجذها حين يصلها قول " هات " . لكن أنّى لنا هذا في زمن كهذا ؟!!!
.
أحسنت
حكاية معبرة وتعكس واقعنا تماما .. نكون دائما في غفلة عن الجمال المحيط بنا.. ويتجلى هذا الجمال بصورة أكثر دقة وتفصيلا في مخيلتنا بعد أن يرحل ويأخذ معه أرواحنا وحياتنا أحيانا .. لنعيش بعدها جسدا بلا روح
قيمة الاخرين
كل شخص له حقوق القريب والبعيد الضيف والزائر والجيران والله لا يفرق المحبين ويجبر قلب المنكسره قلوبهم من اهلهم قبل الغريب