يعاني الأطفال السوريون اللاجئون من آثار الحرب وقسوة الحياة، ما قد يعرضهم لاضطرابات نفسية تتفاقم مع مرور الوقت، إذا لم تعالج.
الفنان التشكيلي حسن حسين ديفيجي يساعد هؤلاء اللاجئين الصغار من خلال مشروع للعلاج بالرسم. في حي "دويتس" على ضفة نهر الراين اليمنى في مدينة كولونيا يوجد مرسم متواضع للفنان التشكيلي حسن حسين ديفيجي.
على الجدران لوحات كثيرة تظهر فيها حكايات مختلفة تنم عن فنان ممتلئ بالحس ودؤوب في تسخير فنه للقضايا ذات البعد الإنساني.
هنا يستضيف الفنان الأطفال السوريين المشاركين في مشروع للعلاج النفسي بالفن.
حسن حسين ديفيجي، (42 عاما)، فنان كردي الأصل ومعالج بالفن. اضطر منذ حوالي 20 سنة إلى مغادرة تركيا بسبب نشاطه السياسي، ليستقر فيما بعد كلاجئ في ألمانيا.
ويقول الفنان التشكيلي: "كأي لاجئ واجهتني في البداية صعوبات كثيرة، لكني صممت على تحقيق ذاتي وأهدافي ونجحت بالفعل في ذلك".
ويضيف: "أنا أؤمن أن السعادة تكمن في مساعدة الآخرين على تحقيق أهدافهم وهذا ما أصبو إليه من خلال مشروعي".
وبطريقته الخاصة يصف الفنان التشكيلي مشواره في ألمانيا قائلا: "في الماضي كنت لاجئاً، لكني اليوم أصبحت لوناً من ألوان هذا المجتمع، وآمل أن يستطيع هؤلاء الأطفال تحقيق أحلامهم أيضا وأن يصبحوا ألواناً جميلة تزين وتغني المجتمع الألماني، الذي يعيشون فيه حاليا".
حكايتي بالألوان
علاج بالفن التشكيلي المشروع، الذي أطلق عليه ديفيجي اسم "حكايتي بالألوان"، انطلق منذ شهر سبتمبر / أيلول 2014، ضمن اتفاقية تعاون بين الصليب الأحمر الألماني والفنان ديفيجي.
ويقول "في البداية كان الفنان يزور الأطفال وعائلاتهم بنفسه في مراكز إيواء اللاجئين ويعرض عليهم خدماته، التي يقدمها بشكل تطوعي». ويأمل ديفيجي "أن يحظى مشروعه بالدعم المادي مستقبلا وأن يُأخذ بعين الاعتبار".
وهو يقول إن "هذا النوع من العلاج مفيد لأطفال اللاجئين، الذين يعانون من اضطرابات نفسية بسبب أحداث الحرب". ويؤكد الفنان الكردي على ضرورة اللجوء إلى هذا النوع من العلاج قائلا: "هذا النوع من العلاج يمكن أن يحل محل العلاج التقليدي المتعارف عليه، في حالة ما إذا كان المريض من النوع، الذي لا يتحدث كثيرا، أو لا يجيد لغة الطبيب المعالج كما في حالة الأطفال اللاجئين". وحول طريقته في العلاج بالرسم، يوضح الفنان التشكيلي: "يعتمد العلاج بالرسم على ثلاث مراحل. في المرحلة الأولى وهي مرحلة التفريغ تمنح للشخص إمكانية إخراج ما في داخله من خلال الرسم. وبعد ذلك تأتي المرحلة الثانية وهي مرحلة التحليل، والتي تعد المرحلة الأهم في العلاج، فمن خلالها يتعرف المعالج على المريض بطريقة غير مباشرة، إذ يستطيع من خلال قراءة الرسم التعرف على الضغوطات والمشاكل النفسية، التي يعاني منها الشخص. هذه المعلومات تساعد المعالج لاحقا في المرحلة الأخيرة للعلاج، والتي تتم عن طريق الرسم أيضاً".
آثار الحرب
في رسومات الأطفال في قاعة الرسم يتحلق الأطفال حول الفنان ديفيجي، ليعرضوا عليه ما خطته أناملهم من رسومات مستوحاة من مخيلاتهم البريئة عن الحرب والدمار ومعاناة اللجوء أفجين 13 سنة، قدمت مع عائلتها إلى ألمانيا، هي إحدى الأطفال المشاركين في المشروع. أفجين، التي تعيش في ألمانيا منذ سنة فقط، تتكلم اللغة الألمانية بطلاقة وحصلت على المرتبة الأولى على مستوى مدرستها. جل رسومات أفجين هي عبارة عن مشاهد حرب، فقد رسمت لوحة فيها مروحية تسقط القنابل على المنازل.
ولوحة أخرى قسمتها إلى قسمين، قسم فيه مشهد حرب بسورية والقسم الآخر مشهد للطبيعة الخضراء في ألمانيا. وعند سؤالها عن مشاركتها في برنامج الرسم أجابت مبتسمة: "آتي إلى هنا باستمرار وأنا سعيدة بما نقوم به"، ثم تضيف وهي تضع يدها على صدرها قائلة "أصبحت أشعر بتحسن داخلي".
الطفلة ياسمين لا يتعدى عمرها التسع سنوات، وقد بدت على محياها سعادة وهي تقول بأنها تحلم أن تصبح طبيبة في المستقبل لتعالج الجرحى. وبالرغم من صغر سنها، إلا أن ياسمين تتذكر رحلة أهلها الصعبة للوصول إلى ألمانيا، وهذا ما ينعكس بشكل واضح على بعض رسوماتها.
وارن، يبدو للوهلة الأولى طفلاً ممتلئاً بالنشاط والحيوية، كما أنه موفق في دراسته، إلا أنه يعاني منذ ولادته من داء تكور الكريات الحمراء الوراثي. وارن لم يكتف فقط بنقل معاناته عن طريق الرسم، بل يستخدم الكتابة أيضا للتعبيرعن ماعايشه خلال الحرب والسجن في طريقهم إلى ألمانيا.
أما عبد الحميد، 14 عاما، فجسد رحلة المعاناة من سورية باتجاه ألمانيا وبالتحديد مدينة كولونيا. عبد الحميد اختار اللون الأحمر لبلده سورية واللون الأسود لطريقه إلى ألمانيا وصولا إلى مبنى يقول عبد الحميد إنه كاتدرائية كولونيا.
فعالية المشروع
وللتعرف على مدى فعالية هذا النوع من العلاج من الناحية العلمية تقول الطبيبة النفسية والمختصة في العلاج بالفن لدويتشه فيله عربية بغيقيته مشيلس: "العلاج بالرسم هو نوع من أنواع العلاج بالفن وقد يكون له نتائج فعالة في حالات الاضطرابات النفسية والاكتئاب".
وتضيف "من خلال عملية إسقاط الصورعلى الورقة يستطيع الشخص تفريغ الطاقة السلبية بداخله والتعبيرعن ما يشعر به في اللاوعي دون الحاجة إلى استعمال اللغة".
مشيلس تؤكد أيضا أن عملية التفريغ هذه قد تؤدي إلى تغيرات في السلوك، كما أنه في حالات كثيرة قد لا يستغرق العلاج وقتا طويلا للحصول على النتائج.
من جانب آخر عبر الآباء عن انطباعاتهم حول مشاركة أبناءهم في مشروع الرسم. علي، والد أفجين ووارن، يقول إن هذا المشروع ساعد أبناءه كثيرا، فمن خلاله استطاعوا تفريغ ما بداخلهم وانشغلوا عن همومهم ومعاناتهم.
ويشاطره الرأي حسن، والد ياسمين، قائلا: "أبنائي متحمسون دائما للحضور إلى المرسم، فقد تحسنت نفسيتهم كثيراعن ذي قبل، كما أن علاماتهم جيدة ولا يعانون من مشاكل في مدارسهم" ويردف حسن القول: "أعتقد أن معاملة الفنان حسن للأطفال كان لها أيضا أثر كبيرعلى نفسيتهم، فهو يعاملهم كأبنائه".
ولدى سؤاله عن مدى تطورواستجابة الأطفال للعلاج من خلال رسوماتهم، يقول الفنان ديفيجي إنه "منذ بداية المشروع حتى الآن لا تزال مشاهد الحرب والدمار تتكرر في رسومات الأطفال، حتى لو كانوا لا يشعرون ظاهريا بأي مشاكل نفسية". وهو يرى أن هذا التحول والتطور يحتاج لوقت أطول كي يظهر في الرسومات.