العدد 4739 - الجمعة 28 أغسطس 2015م الموافق 14 ذي القعدة 1436هـ

بورتمان في فيلم «قصة عن الحب والظلام»... الذي لم يكن بريئاً

جائزة الأوسكار في «البجعة السوداء»...

ناتالي بورتمان وراء الكاميرا
ناتالي بورتمان وراء الكاميرا

تظل يهودية الجذور والثقافة الأولى، الممثلة الأميركية ناتالي بورتمان. لن يكون مُستهجناً اشتغالها على رواية/ السيرة الذاتية للكاتب الإسرائيلي عموس عوز، الذي يُنظر إليه باعتباره أحد دعاة السلام، ومن المؤيِّدين لقيام الدولتين: الفلسطينية والإسرائيلية. لا غرابة في تصدِّيها، إخراجاً وتمثيلاً، لفيلم «قصة عن الحب والسلام»، بكل التسطيح الذي يحاول اللعب على تجسير العلاقات، ونبذ الكراهية وعدم الاتكاء عليها. ليس مُسْتغرَباً أيضاً أن تكون لها آراء فيما يخص هذه التجربة، لا تخلو من المناورة، ولا تخلو من الصراحة أحياناً؛ أو هكذا يبدو الأمر. هنالك من رأى «أن الفيلم ضمن سياقه لم يكن بريئاً».

بورتمان، خريجة جامعة هارفرد، والتي تلقَّت دروساً لتعلّم العبرية في جامعة إسرائيلية، وجاء فيلمها المذكور باللغة نفسها، تحاول عبر فضاء السيرة أن تصوِّر حال الاغتراب في درجاته المستعصية. يحتاج ذلك إلى فضاء مفتوح من الخيال، اتكأت عليه السيرة طبعاً، ولابد من مقاربة في تحوُّلها إلى فيلم، ضمن ملاحظات قدَّمها عاموس لبورتمان، ألاَّ تتعامل بسطحية أو عاطفة موغلة مع الشخصية الرئيسية (فانيا كلاوزنر). المراجعات والإضاءات لم تخلُ من تلك الملاحظة، من بينها، أن بورتمان لم تنْجُ من الغرق في رواية عموس، ولم تفلت من شراك شاعرية تضمَّنتها، وليس تقريراً القول، إن صعوبة ما تكتنف نقلها إلى السينما. ذلك ما ورد على لسان عدد من النقَّاد، من بينهم الكاتب اللبناني بيار أبي صعب.

تغييب الذاكرة الفلسطينية

نحتاج إلى الوقوف على مراجعة قدَّمها اللبناني أبي صعب، من خلال مقال حمل عنوان «كيف نقرأ أدب قاتلنا»؟ تناول فيه «قصّة عن الحبّ والظلام»، يقول في جانب منه: «تقدِّم (السيرة) الأسطورة الصهيونيّة لنشوء (إسرائيل)، في قالب مثالي حميمي مُنزَّه، وسط تغييب كامل للذاكرة الفلسطينيّة».

هنالك مقاربات احتواها الفيلم بحسب بعض وجهات النظر في جانب من حواره والمشاهد، من بينها أن «الأوروبيين أذلُّوا العرب باستعمارهم، وأن الأوروبيين أيضاً قتلوا اليهود، ولذلك نصُّه: «أخوان يكرهان والدهما المضطهد، لا يتحالفان بالضرورة».

محاولة اختزال ما عليه واقع الأرض في القدس على لسان بورتمان، بحسب نص الكاتب عوز «الأرملة السوداء... تلتهم عشَّاقها وَهُمْ بداخلها»، لا يُقدِّم الواقع كما هو، ثمة تلاعب به في الثنايا. وللمرة الثانية، تأكيد ومن خلال سياقات كثيرة في الفيلم، عدم براءته.

أكثر من إحالة وهامش، يحويه هذا التقرير، من دون نسيان الاتكاء الأول على ما كتبه كليم أفتاب، في صحيفة «الإندبندنت» يوم الجمعة (21 أغسطس/ آب 2015)، أوردنا الضروري منه، وبتصرُّف.

هذه المرة تتصدَّى ناتالي بورتمان، ومن وراء الكاميرا، لإخراج «قصة عن الحب والظلام»، التي تم استيحاؤها وتكييفها من خلال السيرة الذاتية للكاتب الإسرائيلي عموس عوز، تلك التي تتناول ولادة ونشوء «إسرائيل» وتأثير ذلك على أسرته. الكتاب الذي يعد الأكثر مبيعاً بشكل هائل في «إسرائيل»، يحوي تفاصيل انتحار أم عوز، والأثر الذي تركه على الكاتب نفسه، وهو الذي نشأ وعاش خلال السنوات الأخيرة من الانتداب البريطاني، في كيبوتز (مستوطنة زراعية)، حين كان في سن الخامسة عشرة من عمره. يظل التركيز في القصة على الأم التي وصلت الأرض المحتلة من أوكرانيا، هرباً من ممارسة غارقة في الدم والإبادة. الرعب الذي لا يغادرها وتظل مسكونة به، بحكم التجربة التي عاشتها.

القتل الرمزي للأب

لم يتردَّد عاموس في القول، إنه عمد إلى قتل والده (بشكل رمزي)، بعد أن وضعت أمه حدَّاً لحياتها، حين قام بتغيير اسمه من «كلاوزنر» إلى «عوز».

كانت المهمَّة الأولى والأكثر إلحاحاً وأهمية، التي واجهت الممثلة الحائزة على جائزة الأوسكار عن فيلم «البجعة السوداء»، هي في إقناع المؤلف منحها الحق في تحويل السيرة الذاتية إلى عمل سينمائي على الشاشة. وأوردت شهادة عنه بالقول: «عموس ذو الشخصية الرقيقة جداً والدافئة في إنسانيته، لم يجعلني أشعر وكأنني في محاكمة»، مضيفة «كان يجب عليَّ أن أظهر له شغفي والالتزام بمادة السيرة الذاتية، وكل ما طلبه منّي هو ألاَّ أعمد إلى إيجاد أي نوع من التفسيرات المُبسَّطة تتعلق بـ : لماذا قَتَلَتْ أمه نفسها. موجِّهاً كلامه إليها «من فضلك لا تفعلي ذلك».

تلعب ناتالي دور والدة عموس عوز (فانيا كلاوزنر)، التي أقدمت على الانتحار حين كانت في الثامنة والثلاثين من عمرها. ويأتي قرار لعبها الدور، بسبب التقلُّبات التي تنتاب الأعمال السينمائية في الوقت الراهن. وللمرة الأولى التي تقوم فيها بورتمان بإخراج فيلم، كان مُقرَّراً أن تقوم بدور البطولة ممثلة إسرائيلية، وأصرَّت بورتمان على أن تكون لغة الفيلم هي العبرية، تلك التي حرصت على تعلُّمها. ولدت بورتمان وعاشت طفولتها (سنواتها الثلاث الأولى) في مدينة القدس، وغادرتها مع والديها بعد ذلك استقراراً في الولايات المتحدة؛ وليس سراً القول، إنها ظلت متعلقة بـ «إسرائيل»، ولغتها الأم (العبرية)، وفوق ذلك، جذورها اليهودية.

كان من بين التحدِّيات الكبرى، بالنسبة إلى بورتمان كممثلة، التمكُّن من اللكْنة واللغة الصحيحة. وعلى رغم أنها درست العبرية، إلا أنها أوضحت «كانت أكثر صعوبة مما كنت أتوقع. أنا جيدة جداً من حيث معرفتي بها؛ ولكنني مازلت ارتكب الكثير من الأخطاء النحوية، وكان عليَّ أن أبذل جهداً أكبر كي أتمكَّن من اللكْنة. كان من الجيد أن تكون لي لكْنتي، بسبب شخصيتي في الفيلم كمهاجرة، ولكن الأمر ليس كذلك بالنسبة لها (الأم فانيا كلاوزنر) في كوْن لكْنتها أميركية».

الكراهية في كل زمان

عندما بدأت بورتمان في مشروع الفيلم، لم تَرَ نفسها في الدور، من حيث القدرة على أدائه كما يجب، ولكن تلك القناعة تغيّرت مع مرور السنوات. الآن هي في الرابعة والثلاثين، وكما قالت في كلام مفاده، بأنها بدأت التفكير في لعب الدور عندما كانت في السابعة والعشرين من عمرها، وفجأة شعرت أنها امرأة في الحادية والثلاثين؛ ما مكّنها من بلوغ سن تتيح لها النضج والحكمة، وذلك ما دفعها إلى أن تقرر خوض التجربة.

لقد طرأت تغيُّرات كثيرة على بورتمان في السنوات السبع، وكانت تناضل من أجل الحصول على فرصة صنْع الفيلم. يرجع جزء كبير من تلك التغيُّرات، إلى دور البطولة الذي لعبته في فيلم «البجعة السوداء» في العام 2010، والذي مكّنها من الحصول على جائزة أوسكار أفضل ممثلة، ولعبت فيه دور راقصة باليه، حيث كانت ستفعل أي شيء للحصول على الدور المطلوب في «بحيرة البجع». الفيلم المذكور كان من إخراج دارين أرنوفسكي، وبطولة ناتالي بورتمان، فينسنت كاسل، وميلا كينيس.

تدور أحداث الفيلم حول نينا (ناتالي) وهي راقصة باليه في إحدى الفرق في نيويورك، تحلم بأداء دور البجعة السوداء في بحيرة البجع، وتنتظر الفرصة لتحقيق ذلك الحلم؛ إلا أن حساسيتها ورقتها (في الدور)، ومن أجل أداء ذلك الدور، عليها القيام بأداء دورين متناقضين، الأول هو: البجعة البيضاء، وهو الدور الذي يتلاءم معها، ويمكنها التعامل معه بشكل طبيعي، والثاني هو الذي تكمن فيه الصعوبة، ويتمثل في دور البجعة السوداء الشريرة.

في ما يتعلق بفيلم «قصة عن الحب والظلام»، لبورتمان رؤية تتحدَّد في قولها: «أعتقد أن المسألة المهمة حقاً هي أن المجتمع اليهودي يحتاج إلى أن يسأل نفسه: إلى أي حدٍّ يُمكننا أن نضع المعرفة بالمحرقة في الطليعة من الاهتمام؟ وهو، بالطبع، سؤال مهم كي نتذكَّره ونحترمه، ولكن ليس على حساب أمور أخرى (...) نحن بحاجة إلى التذكير بأن الكراهية موجودة في كل زمان، وتذكِّرنا بأنه يجب أن نكون متعاطفين مع الآخرين الذين شهدوا الكراهية أيضاً. وألاَّ يتم استخدامها كوسيلة يلجأ إليها المُشكِّك والمذعور باستدامة التفكير بأننا ضحايا».

ملصق الفلم
ملصق الفلم

العدد 4739 - الجمعة 28 أغسطس 2015م الموافق 14 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً