العدد 4739 - الجمعة 28 أغسطس 2015م الموافق 14 ذي القعدة 1436هـ

... ويبقى حنظلة!

تتجلى مع شمس اليوم بوتر ذي شجون، شخصية كاركاتيرية بأقدام حافية وملابس مرقعة... تعلن جوعها إلى الحرية بصوت جسور، تحضرنا الآن بتشكيلها الجوّاني وما اعترى راسمها الذي رحل وبقي معنا رغم أنف الموت...

لم تمت إيماءات حنظلة، بل كانت رغيف الفلسطينيين المغموس بالثورة وبقت ندية نضرة حتى اليوم! تتحيّن لحظات شوقهم الممتدة للوطن تارة بتمرد جامح وتارة بسخرية مرّة.. كيف لا وهي «الحنظلة» شديدة المرارة، المزدانة بالأسلاك والخيام والزيتون؟

ومع أن «حنظلة» كان يحني رأسه قليلاً ويدير ظهره إلا أنه بدا واثقاً بالريشة أكثر حتى من ثقته بنفسه، يبارز في حرب ضارية من المبالاة فوق القناعات الجاهزة، و يواجه ببراءة وإيمان تستمد قوتها من راسمها الذي لم يبحث لهنيهة واحدة عن تبرير واحد للضعف والانهيار ولم يخضع لتجاذبات التيارات الحزبية، بل صور المواطن البسيط بصراحة لا تطلب رسوماً جمركية على أفكارها ورؤاها أو بوليصة تأمين على أصابعها التي ترسم هموم و وجدان موطنها.

إن الحرية إذا كانت هاجساً نابضاً لفنان عميق الأثر، تكون مدينته أعمق من أن تبقى رهينتها أو مطيتها أو الأرض البور التي يمارس عليها كبارها إقطاعهم التاريخي، لأنه يعرف جيداً أن علاقة المرء بوطنه أكبر من كونها علاقة عقارية تنطبق عليها شروط المعاينة ودفع الرسوم والاستملاك! أوسع من كونها كثيب رمل أو ظل نخلة أو عيون ماء، و أكبر من أن تقاس بالمقاييس الهندسية والطول والعرض، أكبر من كونها تشكيلاً جغرافياً؛ لأن هذا التشكيل الجغرافي يحتوي على الكثير من الماديات والكثير من المعنويات...

في يوم ذكرى اغتيال الفنان الفلسطيني ناجي العلي، تستوقفني فقرة من مقال قديم نشر للفنان الراحل/ نور الشريف إثر الهجوم الشنيع الذي ناله كونه قام بتجسيد شخصية ناجي في فيلم سينمائي: «دفعني نحو ناجي العلي.. اعتقاد أنه النموذج الرائع لغياب الحرية، لأنه لا يمسك مدفعاً ولا يؤلف حزباً، بل قلماً وريشة وحبراً وأوراقاً فقط لا غير، إنه فرد يقف في الساحة وحده، بل إنه ضعيف البنية. ولو كانت هناك ساحة من الحرية لأصبح (ناجي) هو المرشد في رحلة الصواب، لأنه يعكس نبض المواطن الفقير، مواطن الخيمات، لكن ماحدث هو العكس، فغياب الحرية والديمقراطية قتله»...

العدد 4739 - الجمعة 28 أغسطس 2015م الموافق 14 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً