تناولنا في الحلقات السابقة عدداً من أنواع القواقع، وبالخصوص الكبيرة الحجم منها. وقد أوضحنا مدى أهمية تلك الأنواع التي وظفت في العديد من الجوانب من الحياة اليومية في البحرين منذ عهود قديمة، كاستخدامها كغذاء أو تحضير مواد مختلفة، كالنورة، وأظفار الطيب، والصبغة الأرجوانية، كما كانت تُوظف في الألعاب الشعبية. وقد قدمنا دلائل آثارية، كما استعرضنا مراجع تاريخية، تعزز ما ذهبنا إليه من حقائق ونظريات. كما سبق أن ذكرنا، أن هناك أسماء عامة للقواقع تطلق على مجموعة من الأنواع، كالكوز، وهو عادة يطلق على القواقع الكبيرة. وبالمثل، هناك أسماء عامة تطلق على الأنواع الصغيرة مثل الزبابيط، والصبان، والحصم، والشلگلگ.

وتعتبر الأسماء «صبان» و «حصم» من أشهر أسماء القواقع الحلزونية، وقد ارتبطت هذه المسميات بأسماء مواقع في البحرين، وهي «أم الحصم» و»أم الصبان» وذلك لكثرة القواقع البحرية على سواحل هذه المناطق.

هذا، ويعتبر اسم الصبان أكثر الأسماء عمومية فأحياناً يطلق على جميع أنواع القواقع الحلزونية، وذلك في قبال تسمية المحار التي تطلق على جميع الأصداف البحرية ذات الصدفتين. وأحياناً، عند بعض العامة، يخصص الاسم صبان ليقصد به الحواليس، أي القواقع التي تستخدم في لعبة الحالوسة، وقد سبق ذكر ذلك بالتفصيل في حلقة سابقة. هذا، وتعمم نسبة كبيرة من العامة في الخليج اسم الصبان على أفراد تنتمي لعائلة الأصداف القرنية Cerithide، وهذه الأنواع هي المشهورة عند العديد من العامة باسم الصُبَّان والصبمبوه، وتسمى في الإمارات صبان وصبصوب (حنظل 1977). إلا أن هناك من يعمم على هذه الأنواع اسم حصم. وأحياناً، يخصص الاسم صبان ليقصد به القواقع الحلزونية الصغيرة الحجم والتي تضم الزبابيط، والودع، والحصم، والشلگلگ. وفي هذه الحلقة، سوف نتناول هذه الأنواع الصغيرة بالتفصيل.

الحصم وزبابيط النگعة

الحصم هي أنواع صغيرة من القواقع المخروطية الشكل والتي لها فتحة صغيرة في الأعلى، وهي مدببة من الأسفل، وهي تنتشر بصورة كثيرة في الرمال البحرية، وكانت في السابق يفرش بها فناء المنازل أو المساجد. والحصم، كذلك، عند العامة الحصى الصغيرة؛ وربما سميت هذه الأنواع من القواقع بالحصم لأنها كالحصى الصغيرة. وهناك أنواع من الحصم تنتشر فوق المسطحات الطينية، أي منطقة المد والجزر الطينية، ومنها ما ينتشر على السواحل الرملية، وبكميات كبيرة منها الصغير ومنها الكبير، وتعرف هذه الأنواع باسم حلزونات الطين وتنتمي لعائلة Potamididae. والنوع السائد على سواحل الخليج العربي هو Cerithidea cingulata. ويعرف هذا النوع في الكويت باسم زبوط النگعة. كذلك، يقال في الكويت «زبوط النگعة» للشخص القصير القامة. أما النوع المعروف في البحرين والكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة باسم «الزبوط»، دون إضافات، فهو غير هذا النوع، وسيأتي ذكره لاحقاً.

كذلك، يطلق مسمى الحصم على أنواع من القواقع، متوسطة الحجم، تنتمي لعائلة الأبواق الكلبية (Thaididae) من مثل النوع Cronia konkanensis والذي يسمى حصم هامور. لا أعلم سبب هذه التسمية، فربما سمي بذلك لأنه كبير الحجم أو لأنه يستخدم كطعم لصيد الهوامير؛ حيث أن الحصم كان يستخدم كطعم لصيد الأسماك، وقد عرفت بعض الأنواع من الحصم باسم «الجيم» وهو المسمى المحلي لطعم الأسماك، وقد ذكر الناصري في كتابه «من تراث شعب البحرين» اسم «الجيم» كمرادف لاسم الحصم. ولا يمكن الجزم حول تسمية هذا النوع من الحصم بالجيم هل لأنه يستخدم كطعم للأسماك أو أن اسمه «جيم»؛ حيث توجد أنواع من القواقع تعرف في بعض مناطق الخليج باسم الجم والجمجوم.

هذا، وهناك أنواع من الحصم تنتمي لعائلة تيوريتليدي turritellidae مثل النوع Turritella cochlea يخصها ذوي الإختصاص من العامة بالاسم شيج. وربما اشتق الاسم من الشج أي الشَق؛ فهذه الأنواع طويلة ومدببة من الأمام وربما سببت جروحاً لمن وطأها. والعامة ربما عممت الأسماء حصم وشيج على أنواع مشابهة من عائلات أخرى.

الحصم وحب الشلگلگ

يطلق الاسم الشلگلگ، على الصغار من الحصى، أو الأنواع الصغيرة منها، وهذه حجمها صغير جداً، وقريب من حجم حبات الرز؛ ولذلك يقال حب الشلگلگ ككناية عن الرز. ومن الألغاز الشعبية القديمة، وهي عند البعض بمثابة أهزوجة شعبية، والتي يكنى بها عن عملية الطبخ هذا اللغز: «ثلاث مناصب، والشيخ راكب وموسى يحارب حب الشلگلگ». لهذا اللغز أكثر من صيغة، ومن تلك الصيغ «ثلاث بحابح حمره تنابح حب الشلقلق موسى يرامح»، إلا أن الصغية الأولى هي الأكثر شهرة في البحرين. ومضمون اللغز هو كناية عن طبخ الرز في قدر موضوع على فرن بدائي يتكون من الأحجار، حيث يتكون من ثلاث مناصب، وهي ثلاثة أحجار متوسطة الحجم يوضع فوقها القدر، وهي لفظة فصيحة، جاء في معجم «تاج العروس» مادة (نصب):

«المِنْصَبُ كمِنْبَر: شَيْءٌ من حدِيد يُنْصَبُ علَيْه القِدْرُ نَصْباً إِذا كان من حديد. وتقولُ للطَّاهِي: انْتَصِبْ أَي: انْصِبُ قِدْرَكَ للطَّبْخ».

والعامة تشترط أن تكون المناصب عبارة عن ثلاثة أحجار، فقد رسمت الصورة في مثل شعبي قديم آخر يصور وضع القدر على المناصب، فيقال «لگدر ما يركب إلا على ثلاث»، أي ثلاث مناصب، بمعنى وجود حاجة ملحة لثلاث مناصب لكي يجلس عليها القدر.

الزبوط والزبوت

الزبوط هو اسم خليجي شائع لنوع من القواقع المتوسطة الحجم التي يصل طولها لقرابة خمسة سنتيمترات، والبعض، وخصوصاً في دولة الإمارات العربية المتحدة، يسميها زبوت، أي بالتاء. ومن أسماء الزبوط الخليجية، أيضاً، رعبوب وأم أعوينه أو المعوينة (في عُمان)، أما في البحرين فتعرف باسم الزبوط ويسمى أحياناً حمام. وهذه القواقع من الأنواع التي تؤكل، وهي مشهورة في عمان، حيث تصاد بكميات كبيرة وتؤكل، أما قواقعها فيلعب بها لعبة الحالوسة. وهذه الزبابيط لها شكل مخروطي، وهي شبيهة باللعبة الشعبية المعروفة باسم الدوامة؛ ولذلك، عرفت لعبة الدوامة في بعض المناطق باسم الزبوت. ويبدو أن اسم زبوت عمم ليقصد به الحنبوص، الذي يلعب به في لعبة شعبية أخرى سبق أن ذكرناها بالتفصيل، جاء عن الزبوت في كتاب (معجم الألفاظ العامية في دولة الإمارات):

«زَبُوت: الودع المبروم على شكل مخروطي، وهو كذلك لعبة أولاد تصنع من خشبة طولها إنشين، مبرومة مخروطية الشكل، تدور على نفسها بواسطة ضربها بعصا، شبكت في رأسها قطعة قما» (حنظل 1977، ص 107).

وفي دولة الكويت، تعرف هذه القواقع باسم الزبوط، ويطلق مسمى زبوط النگعة، على نوع من الحصم، سبق أن ذكرناه في قسم الحصم.

مما سبق يتضح أن الأسماء صبان وحصم تعتبر أكثر الأسماء عمومية والتي تعمم على العديد من أنواع القواقع الحلزونية، بالإضافة لوجود العديد من الأسماء الخاصة التي ما عادت معروفة إلا للقلة من الأجيال السابقة. هذا، وقد حفظت العديد من الأسماء؛ وذلك لشياعها في الموروثات الشعبية، كالألعاب الشعبية، والألغاز الشعبية، والأهازيج الشعبية. ومازالت الذاكرة الشعبية تزخر بالعديد من أسماء الأصداف البحرية والتي سوف نتطرق لها في الحلقات القادمة.