أخفقت الدول العربية في تأمين حاضرها والتخطيط لمستقبلها، لذا لا يجدر بها أن تبكي على تاريخها وآثارها المنهوبة، بل يليق بها أن تتمثل مقولة عائشة الحرة أم عبدالله الصغير آخر ملوك الأندلس، وذلك غداة تسليمه غرناطة للأسبان وزوال الحكم الإسلامي فيها الذي امتد على مدى 800 عام، حين قالت له: إبكِ مثل النساء ملكاً مضاعاً... لم تحافظ عليه مثل الرجال.
وربما لو أعطي الحكم العربي للنساء لما فرطن فيه كما فعل الرجال ماضياً وحاضراً.
حمل الأسبوع الماضي عدة وقائع حول سرقة التاريخ العربي، الأول في بريطانيا التي أقدمت على بيع تمثال فرعوني قديم عمره أربعة آلاف سنة في مزاد علني بهدف استغلال أموال بيعه في توسعة المتحف البريطاني. وكان هذا التمثال خرج من مصر العام 1849 أثناء أعمال التنقيب، ووصف وزير الآثار المصري ممدوح الدماطي بيع المتحف للتمثال بأنه جريمة أخلاقية ضد الإنسان والتراث المصري، وناشد المصريين جمع ما يقارب الـ15 مليون جنيه استرليني لاستعادته.
قبلها بأيام ارتكب تنظيم «داعش» جريمة نكراء بحق عالم الآثار السوري والمدير العام السابق لآثار مدينة تدمر، الخبير باللغة التدمرية والآرامية خالد الأسعد، ولم يكتف بذلك بل قام بتعليق جثته على عمود كهرباء وتحتها رأسه المقطوعة، ويافطة كتب فيها «مدير الأصنام»! وقيل إن «داعش» التي اعتاشت على سرقة الآثار وبيعها، كانت تبحث عن مخابئ وكنوز ذهبية في المدينة التاريخية، ورفض الأسعد تسليمها للتنظيم طوال فترة اعتقاله.
أما الحدث الثالث فهو قيام تنظيم «داعش» نفسه بتفجير معبد بعل شمين الروماني الذي يبلغ عمره ألفي عام في مدينة تدمر التاريخية أيضاً.
الوقائع الثلاث السابقة جرى استنكارها والتنديد بها عالمياً بسبب تسليط الإعلام عليها، لكن الآثار التاريخية في الأرض العربية تعرضت للاستنزاف والسرقة والإهمال لعقود طويلة في الداخل والخارج. الآثار العربية سرقها المنقبون الأوائل وهرّبوها بعيداً عن علم السلطات وعدم استشعارها بأهميتها. وإلا كيف وصل التمثال الفرعوني إلى بريطانيا وغيرها؟ وكيف استطاع الغرب الحصول على كل هذه الآثار من المنطقة العربية؟ ثم ماذا يكون المتحف البريطاني من دون القسم الفرعوني؟
وخلال فترة احتلال العراق العام 2003 سُرق المتحف العراقي وضاعت مخطوطاته وقطعه الأثرية الثمينة، ونقل التلفزيون وقتها مناظر موجعة للمتحف ومقتنياته وهي ملقاة على الأرض محطّمة وتداس بالأقدام. وقد ساهم أميركيون ومواطنون محليون في سرقتها وبيعها، وأهابت منظمة «اليونسكو» وقتها بأعمال السرقة والتهريب التي طالت الكثير من المواقع في بغداد وبابل وسامراء ونينوى، ونشر كاتب أميركي كتاباً يروي قصة سرقة الآثار المأساوية.
كذلك تعرضت الآثار الليبية لأكبر عملية سرقة في تاريخها بعد سقوط نظام معمر القذافي، بل إنها بيعت بشكل علني في الأسواق. وحدث الأمر ذاته مع تونس التي استطاعت السلطات فيها بعد ثورة الياسمين استعادة 300 قطعة أثرية نفيسة من منازل أصهار الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وفي اليمن تعرض المتحف الوطني في صنعاء لعمليات نهب مماثلة، وذكر مدير عام المتحف اليمني إبراهيم الهادي في لقاء قبل عامين أن مافيا نهب الآثار ترتبط ببعض السفارات الأجنبية وحتى العربية، وتعمل على شراء آثار ومخطوطات يملكها مواطنون. وأضاف إن متاحف العالم تمتلئ بآثار اليمن المسروقة.
في عزّ ثورة 25 يناير المصرية، تحدّثت الأخبار عن سرقة المتحف القومي، وتبين لاحقاً أن سفيراً عربياً استغل حالة الفوضى فقام بتهريب بعض الآثار في حقيبته الدبلوماسية.
لم تسلم الآثار والمقتنيات التاريخية العربية من السرقة والمتاجرة بها، لا في وقت الحرب ولا في وقت السلم، لا من الأعداء ولا من الأصدقاء. واعتاد مسئولو المتاحف العرب في غياب المساءلة والمحاسبة، وقبل زمن «داعش» بكثير، الاستيلاء على الكثير من المقتنيات وتزيين بيوتهم بها (شاهر ظاهر)! ربما انتظاراً للفرص السانحة والمتاجرة والتربح بها لاحقاً، وربما حفظت المتاحف الغربية تراثنا وتاريخنا أكثر مما فعلنا.
إقرأ أيضا لـ "عصمت الموسوي"العدد 4739 - الجمعة 28 أغسطس 2015م الموافق 14 ذي القعدة 1436هـ
مع الاسف
واقع الدول العربية واقع مر ومؤلم والمواطن العادي لايستطيع ان يدفع او يمنع
الرحمة يارب
اذا وقع الفأس يباكون على نفسهم و هم السبب .
شنو ناطرة يعني منهم ماعندهم غير القلق و الأهانة وهم مهينين نفسهم و في ألأخير يباكون على ضايعهم .
احسن
الذي اشتري المومياء سيحتفظ بها افضل من أصحابها. من يضمن عدم خرق و تدمير الاثار المصرية بواسطة داعش في مصر في المستقبل؟