يُجرّم قانون الإرهاب نشر أو ترويج أخبار تتعلق بالإرهاب مناقضة لبيانات وزارة الدفاع الرسمية، ويسمح للمحاكم بتعليق نشاط الصحافيين الذين يقومون بذلك لمدة سنة إذا تعمد الصحافي نشر خبر يناقض الرواية الرسمية. كما يفرض القانون على كل من يثبت أنه سهّل أو حرّض أو وافق على وقوع جريمة إرهابية غامضة التعريف ـ في فضاء عام أو خاص على حدّ سواء ـ نفس العقوبة التي تفرض على مرتكبها، حتى وإن لم تحدث الجريمة. كما جعل القانون الإرهاب جريمة لا تسقط بالتقادم، فضلا عن اعتباره نشر الصحفي خبرا كاذبا بمثابة ارتكابه عقوبة مخلة بالشرف.
وبموجب المادة 35 من القانون، يُعاقب الصحافيون وغيرهم بغرامة تتراوح من 200 ألف إلى 500 ألف جنيه مصري إذا قاموا بنشر "أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أعمال إرهابية... بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع". ويرى البعض أنها غرامة كبيرة قد يعجز الصحافي عن دفعها وهو ما قد يؤدي إلى حبسه وقد يضطر الصحافي في النهاية إلى أن يقوم بالخدمة في أقسام الشرطة.
فيما تدافع الحكومة عن القانون وترى فيه ضرورة لمواجهة هجمات المتشددين، التي أسفرت عن مقتل المئات من رجال الشرطة والجيش منذ إعلان القوات المسلحة عزل الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين عام 2013 إثر احتجاجات حاشدة على حكمه.
تأثير مبكر للقانون
يشير خالد البلشي - صاحب موقع البداية الإخباري وعضو مجلس نقابة الصحفيين- إلى أن مخاوف تأثير قانون الإرهاب على الصحفيين بدأت مبكرا، فبعد 4 أيام من صدوره تم تفجير مبنى الأمن الوطني في شبرا الخيمة وأصيب 29 شخصا، لكن الصحفيين ظلوا حائرين وتوقف الجميع عن النشر لأكثر من ساعة خوفا من نشر بيانات مخالفة للبيانات الرسمية. مشيرا إلى أن هذا الموقف فتح الباب للناس على مواقع التواصل الاجتماعي للنشر عن الموضوع، فضلا عن نشره على مواقع الإخوان من خارج مصر.
ويشير البلشي - في حديثه لـDW- إلى أن "القانون تواكَب مع تعطيل صحف عن الصدور كما حدث مع إحدى الصحف منذ عدة أيام، وهي مخالفة صريحة للدستور، في نفس الوقت هناك ممارسة صحفية تنادي بغلق باب نقد الرئيس بل ووصل الأمر إلى أن يطالب بعض الصحفيين بتغيير مواد خاصة بالرئيس وتوسيع سلطاته".
ويضيف "أزمتنا كصحفيين أننا أمام سلطة فتحت الباب أمام تأويلات كثيرة للتحريض على العنف والإرهاب، فتعاقِب من تفسر كلامه على أنه تحريض وتترك القريبين منها الذين يقومون بالتحريض المباشر، كما رأينا في مانشيت إحدى الجرائد محرضة على من يخرج للتظاهر في ذكرى 25 يناير الماضي بعنوان: اقتلوهم".
الصحافيون الأجانب يغادرون
"التضييقات لم تبدأ منذ صدور قانون الإرهاب، ولكن منذ انتهاء المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في مارس (أذار) الماضي حين بدأت السلطات تتابع بدقة ما تكتبه الوكالات الأجنبية وخاصة حول قضايا الإرهاب" يقول الصحفي "إ. ل" والذي يعمل في إحدى الوكالات الأجنبية ويحمل الجنسية البريطانية.
"إ.ل" هو أحد الصحافيين الذين استدعتهم وزارة الخارجية بعد اغتيال النائب العام وطلبت منهم تغيير عدد من المصطلحات فيما يخص التعامل مع القضايا الإرهابية وأعمال العنف والمظاهرات، قائلا "طلبوا منا تغيير نحو 20 مصطلحا. الحكومة لا تحب إطلاق لفظ إسلاميين على القائمين على أعمال عنف أو مظاهرات ويريدون أن نستبدلها بمصطلحات مثل إرهابيين أو متطرفين".
ويضيف - في حديثه لـDW- أن "المتحدث باسم وزارة الخارجية دائما يتواصل معنا، لكن في المقابل هناك مشكلة فعلية تواجهنا في الحصول على رد رسمي من وزارتي الدفاع أو الداخلية".
يعبر الصحافي عن حيرته قائلا "القانون يعاقب من يذكر أرقاما مخالفة للأرقام التي تذكرها بيانات وزارة الدفاع حول العمليات الإرهابية، فماذا لو لم تصدر أرقام ولا بيانات رسمية؟"
ويستشهد بحدث قريب قائلا "حدثت اشتباكات في الأول من يوليو الماضي في شمال سيناء وكنا متأكدين من صحتها وانتظرنا حتى يصدر أي بيان رسمي، ثم نشرنا لأن أول بيان أصدره المتحدث العسكري كان في المساء رغم أن الأحداث كانت قد بدأت في السابعة صباحا تقريبا"، مشيرا إلى أن أرقامهم مخالفة لما ذكره البيان الرسمي.
ويشير إلى أن هناك اثنين من الصحافيين الأجانب تركوا مصر عندما علموا أن السلطات تتعقبهم، موضحا "هذا يحدث مع أغلبنا.. لا أعرف إن كانت هذه وسيلة للتخويف أو رسالة لنا بأننا غير مرغوب في بقائنا.. قد يطردونا، لكن المشكلة الكبرى هي ما يواجهه الصحفيون المصريون من مخاطر فعلية".
قيود على نشطاء تويتر وفيسبوك
القانون الجديد يطال النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي أيضا، حيث أعلنت مصادر أمنية السبت الماضي عن إلقاء القبض على ثلاثة من مستخدمي فيسبوك لقيامهم ببث أفكار جهادية على الموقع، بعد نحو أسبوع من صدور قانون مكافحة الإرهاب تضمن نصاً عن استخدام مؤذ للإنترنت.
وتنص المادة 29 من القانون على عقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن خمس سنوات لكل من أنشأ أو استخدم موقعا إلكترونيا "بغرض الترويج للأفكار والمعتقدات الداعية إلى ارتكاب أعمال إرهابية".
ويقول المحامي الحقوقي جمال عيد أحد النشطاء المغردين على تويتر لـDW"هناك 8 مواد متعلقة بحرية التعبير تحاصر أي عمل له علاقة بالكتابة والنشر والإنترنت"، معتبرا أن القانون يطيح بحرية الصحافة ولا يعاديها فقط.
ويرى عيد أن "الشيء الإيجابي هو أن وجود قوانين قمعية لا يجعل المدافعين عن حرية التدوين يخافون أو يتراجعون وإنما يجعلهم يطورون من أساليبهم.. فإذا تم إلقاء القبض على شخص لأنه ذكر معلومات مخالفة للرواية الرسمية فهناك المئات غيره سينشرون نفس الرواية التي ذكرها.. فمن يعادي الشباب هو الخاسر لأن عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء، خاصة مع وجود 50 مليون مستخدم للإنترنت في مصر أغلبهم من الشباب.
وحول ما إذا كانت هناك منظمات تدعم الصحافيين وحرياتهم قال خالد البلشي عضو مجلس نقابة الصحافيين "في الحقيقة الأساس أن يكون الجمهور هو من يدعم، لكن للأسف الجمهور العام لم يعد يدعم الصحفيين نتيجة تشويههم من السلطة".
ويؤكد البلشي أنه "لا يزال هناك أمل، لأن لدينا جماعة صحفية تتحد مع بعضها وتتصدى للسلطة إذا شعرت بأن هناك خطر اعتداء فج على الحريات".