«من هو قاتل النحل؟».. هذا ليس عنوان مسلسل تلفزيوني أو فيلم بوليسي مثير، بل سؤال تصدر عدة صحف ألمانية أثار الرعب في نفس الوقت في نفوس الناس، إذ إن زيغفريد فايس جاء الأسبوع الماضي مع زوجته كرستل، وهما من مربي النحل في بلدة كوزل الواقعة جنوب غربي ولاية راينلاد بفالس الألمانية لتفقد حالة المناحل، فوجدا ملايين النحل التي يربيانها من أجل إنتاج العسل قد قضي عليها عمدا، فكان المنظر بالفعل مخيفا. بساط داكن اللون من النحل لا حراك له يغطي الحديقة، فأسرع لإبلاغ الشرطة لقناعته بأن الحادثة ليست طبيعية، بل محاولة قتل متعمدة، وهذا ما ورد أيضًا في التحقيق.
إلا أن مربي النحل وزوجته لم يكتفيا بتحقيقات الشرطة، بل قررا أيضًا تخصيص جائزة قيمتها ألف يورو لكل من يعطي معلومات تساعد على تحديد هوية الفاعل أو الفاعلين، مع ذلك يعتقدان أن دوافع هذه الجريمة النكراء هي تدمير البيئة والطبيعة لما للنحل من دور من نقل الرحيق من زهرة إلى أخرى وهذا عنصر مهم لمواصلة الحياة في الطبيعة.
ووفقا لتقرير الشرطة في الولاية فإنه سبق وتعرضت عدة مناحل قبل أسابيع قليلة بالقرب من مدينة ليفركوزن للتدمير الكامل بقضاء مجهول على ملايين النحل التي كان يربيها أحد المتقاعدين في غابة قريبة. وتقول التحقيقات إن الجاني دمر بشكل متعمد 60 مستوطنة نحل وقضى على أكثر من مليونين من نحل العسل. وطريقة القضاء على النحل كانت غير عادية، إذ إن الفاعل الذي يبدو حاقدا على الطبيعة سد كل منافذ خلايا النحل ما منعها من الخروج أو الهروب، ورفع مستوى الحرارة في داخل المناحل إلى درجة احترق فيها جزء من النحل والجزء الآخر التصق بشمع أقراص العسل والعسل المسكوب. ومعظم النحل الذي قضي عليه هو النحل الذي يأتي بالغذاء للملكة وبقية النحل، ما يعني الموت جوعا. ويعتقد صاحب المناحل أن الحادث وقع ليلا، لذا لم يشعر بخطوات الفاعل لأن مسكنه في المدينة، كما أثبتت التحقيقات أن الفاعل رش داخل المناحل أيضًا مبيدات الحشرات ما ساهم في القضاء عليها بسرعة.
وفي هذا الصدد يقول رئيس شرطة المنطقة: «لقد حققت بقضايا إجرامية كثيرة وغريبة لكن يمكنني القول إنها الأغرب حتى الآن، فمن يقتل الطبيعة يقتل الإنسان، والمناحل والنحل جزء من الطبيعة، فالنحل هو الذي ينقل الرحيق من زهرة إلى أخرى، عدا عن ذلك فإن إنتاج العسل بالنسبة إلى كثير من مربي النحل أساس دخلهم».
خلافات بين مربي النحل والمزارعين
ولقد أخذت مشكلة القضاء على نحل العسل أبعادا خطيرة في الآونة الأخيرة، فبعض مربي النحل يتهمون المزارعين بأنهم وراء عمليات الإبادة المباشرة عبر الاعتداء على المناحل، لكن أيضًا عبر ما يستخدمونه كلفلاحين من مبيدات لها تأثير سلبي جدا على النحل، وهذا ما حدث في كثير من المناطق الألمانية منها منطقة غريسهايم الجنوبية، إذ عجز لسان السكان عن الكلام عندما رأوا ملايين النحل ملقاة على الأرض كحبات الرمل في كل مكان وذلك نتيجة رش صاحب حقل مجاور أشجارا مثمرة بمبيدات، وحسب قول الشرطة فإن الكارثة لحقت بكل المناحل في المنطقة وأخذت عينات من النحل لفحصها وتحديد سبب موتها المفاجئ.
وبعد هذه الحوادث يعتقد مستشار حماية المحاصيل الطبيعية في ولاية راينلاد بفالس أنه من الصعب تحديد الوقت الذي يحتاج فيها النحالون لتجميع النحل وإنتاج العسل، ما يعني خسارة تجارية لهم لفترة زمنية قد تطول، إذ لا يمكن بسرعة التعويض عن الملايين التي فتك بها.
وما جري في ألمانيا حدث في عدد من البلدان في العالم ما دفع حماة البيئة والطبيعة إلى توجيه نداء ملح لرعاية النحل لما له من دور مهم في دورة حياة الطبيعة. وبناء على دراسة مولها الاتحاد الأوروبي من أجل تقييم أوضاع مستوطنات النحل في القارة الأوروبية اتضح أن استخدام مبيدات الحشرات لحماية المزروعات كان له جوانب سلبية جدا على النحل ويهدد أنواعا منها بالانقراض التام. ونوهت الدراسة بأن النحل من العناصر الحيوية في قطاع الإنتاج الزراعي في أوروبا ونسبة نحو ستة في المائة تواجه خطر الاندثار، والسبب في ذلك ليس فقط المبيدات، بل أيضًا اختفاء زهور البرسيم التي يفضلها النحل والزراعات الكثيفة والتغيير المناخي الذي نتح عنه موجات من الجفاف وهطول الأمطار الغزيرة، فهذا يمنع النحل من الوصول إلى غذائه.
جانب من المشهد الذي أحزن المزارعين حيث عجز لسانهم عن الكلام عندما رأوا ملايين النحل ملقاة على الأرض كحبات الرمل في كل مكان