في الكلام على العقل العربي، نحن أمام إشكاليتين: الأولى، أنه حاضر في ما يعزّز الجنون والغياب، والثانية أن حضوره الطارئ يفتح عليه جبهات وتحشيداً ومحاربة ومقاطعة، ويتم التعامل معه وكأنه أحد أسباب «التراجع» و «التخلف»!
حين يصبح العقل سبباً من أسباب التخلف في أمة، فيجب التعامل مع تلك الأمة على أنها خارج حدود الحياة، وخارج حدود القيمة، بل وأكثر من ذلك: التعامل معها باعتبارها تهديداً للأرض والجنس البشري الذي من المفترض أن يكون سيدها، وأكثر من ذلك بكثير: اعتبارها تهديداً لكل متحرك وجامد على هذا الكوكب.
كل عقل لا يحرك واقع أمة، ولا ينقلها من درجة ومستوى إلى درجات ومستويات أعلى وأرفع، فلديها مشكلة، بل تعاني أزمة على مستوى الوجود. كل عقل يراكم التخلف والأزمات، والكوارث والصراعات، والاعتماد على ما ينتجه الآخر، والاكتفاء بالاستهلاك والتفرج على حركة وما ينتجه عقل العالم، فهي خطر على حقيقة العقل وقدرته والمعجزات التي يمكن أن تنتج عنه.
والعقل الذي لا يعرف غير الوحشية، وتخريب استقرار العالم من حوله، والعمل على جعله مشغولاً باستقراره وأمانه، هو خارج تصنيفه عقلاً. يمكن تصنيفه تحت أي خانة إلا تلك الأداة التي تميّز الإنسان عن بقية الكائنات بما فيها البهائم.
عقل لا تتحدد إمكانياته وطاقته إلا في البحث عمّا يستهلكه، وعمّا يعدّد طرق وخيارات ذلك الاستهلاك، لذلك فقط هو عاجز عن اختراع ما يستهلكه، فليست تلك وظيفته الراهنة، ولم تكن كذلك منذ عشرات العقود.
عقل مغلق على فضائه/ السجن، بما يمثله من ثقافة مراوحة مكانها، ونظر إما مبتور وإما مهيأ لإلغاء الآخر، لكنه منفتح بشهية مقززة أيضاً على ما يبذل ويسهر عليه ذلك «الآخر» من أجل رفاهية الحياة، والتخفيف من عنائها وشقائها.
من أجل هذا وغيره، لا يمكن أن يكون مثل ذلك العقل، إذا صح أن نسميه عقلاً، متصالحاً مع العالم ومع من حوله، ممن يحاول أن يسخّر تلك الأداة للخروج من ظلام تم الانسجام معه إلى أقصى درجات الانسجام، إلى فضاء مفتوح على نور المعرفة والنظر والتفكير.
حتى على مستوى الدِّين الذي ينتمي له -نظرياً- ذلك العقل، لا حضور له في تفعيل تلك القيمة التي أكّد عليها وذكّر بها في أكثر من موضع في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية. حتى ضمن تلك الحدود، تظل في حدود العاطفة، ولا تتجاوز أداءات شكلية لا تغيّر من الواقع شيئاً، ولا تدفعه لأن يكون مبادراً ومحرّكاً وفاعلاً متفاعلاً مع ما ومن حوله.
يخرج العقل العربي الراهن من الوصف العلمي الدقيق له، والوظائف العليا التي يؤديها وهو في حالة وعي وحضور في شخصية صاحبه وتفكيره وقدرته على الجدل بمعنى من وراء ذلك الجدل، إضافةً إلى الذاكرة، الذكاء، التحليل، وصولاً إلى الانفعال العاطفي، ويظل منغلقاً على الانفعال، والعاطفة المؤذية في كثير من الأحيان.
نحن أمام عقلٍ خرج منذ عصر التنوير الإسلامي والعربي والنهضوي الأول، ذلك الذي انتهى قبيل عصر الطوائف، واضمحل تماماً مع بدايات العقد الثاني من القرن العشرين، وهو في طريقه إلى الزوال بالأداء الذي يراكمه في التدمير والوحشية والإلغاء وابتداع صراعات جديدة.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4734 - الأحد 23 أغسطس 2015م الموافق 09 ذي القعدة 1436هـ
العقل العربي تحول إلى عواطف مذهبية تديره الأحزاب
الدينية والمذهبية وذهب استقلاله من غير رجعة
الاخت العزيزة سوسن دهنيم
لقد تطرقت في مقالة سابقة ممتازة بخصوص العلاقة بين الجمعيات الخيرية ووزارة التنمية حبذا لو عملت ندوة في جريدتكم الموقرة حول تجاوزات الصنادييق الخيرية والعلاقة بين الجمعيات الخيسرية وطالبي المساعدات
الجاهلية الأولى
وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ( 144 )
ما يجري من غزوات و قتل و قتال تجاوز الجاهلية الأولي.