العدد 4732 - الجمعة 21 أغسطس 2015م الموافق 07 ذي القعدة 1436هـ

ألمانيا في مواجهة تحديات استقبال اللاجئين

من المنتظر أن يصل ألمانيا عدد كبير من اللاجئين، أربعة أضعاف العدد المسجل العام الماضي. رقم قياسي لم يسجل في ألمانيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. لذا حان الوقت للتذكير بخمس حقائق بسيطة، على ما يرى فيليكس شتاينر.

في الواقع يعد إيواء اللاجئين بالنسبة لأوروبا ذات الأغلبية المسيحية أمرا بديهيا. المسيحيون يؤمنون بابن الرب، الذي تمكن من إنقاذ نفسه من الموت المحدق، الذي كان يتهدده من حاكم وحشي، من خلال الفرار. وعليه، فليس من محض الصدف أن يكون المساعدون الذين يمكن الاعتماد عليهم في إغاثة الوافدين الجدد من دوائر الكنائس. ولكن إجمالا أوروبا تجد صعوبات فيما يتعلق بهذا الموضوع – وذلك حتى قبل الكشف عن التوقعات الجديدة بشأن تدفق أعداد مهولة من الناس.

أولا: ليس كل ما يأتي إلى ألمانيا هو لاجئ

اللاجئ مصطلح واضح التعريف وفق القانون الدولي. والأمر ينطبق أيضا على الحق الأساسي المتمثل في تقديم طلب اللجوء إلى ألمانيا. والمعيار الحاسم في ذلك هو الملاحقة وليس التمييز أو الحاجة الاقتصادية. والأسباب التي تدفع الناس إلى القدوم إلى أوروبا أو ألمانيا كلها شريفة. ولكن أغلبية القادمين إلى هنا لا تنطبق عليهم معايير طلب اللجوء. هم يختارون هذا الطريق لأنهم لم يجدوا سبيلا آخر لالتماس إيوائهم.

وها هي ألمانيا تقف الآن، كما هو حال طبيب، أمام كارثة: حتى وإن كانت هناك رغبة في تقديم يد المساعدة للجميع، إلا أن ذلك غير ممكن. وبالتالي لا يؤخذ أصحاب الجراح الطفيفة بعين الاعتبار، على الرغم من أنهم يشكون الآلام. وعلى الرغم من ذلك، فإن الطبيب لا ينتهك قسم أبقراط الطبي الذي قطعه على نفسه. كما أن تصرفاته لا تتعارض مع مبادئ الإنسانية، وإنما هي عقلانية. ولهذا السبب يتعين إعطاء الأولوية للاجئين القادمين من مناطق الحروب وللملاحقين على حساب أولئك الذين تركوا أوطانهم لانعدام الآفاق الاقتصادية فيها وأتوا إلى هنا.

ثانيا: اللاجئون سيبقون هنا دائما

والأمر بديهي في العهد الجديد (الجزء الثاني من الكتاب المقدس لدى المسيحيين): فبعد وفاة الملك هيرودس عاد يسوع ومريم ويوسف إلى وطنهم من جديد. ولكن من يتوقع جديا أن يعود السلام إلى سوريا أو أن يغادر الإرهاب العراق في المستقبل القريب؟ أو من يؤمن بعودة الاستقرار إلى أفغانستان؟ أو بالحرية في أريتيريا والصومال؟ ومن يؤمن بانتشار الرخاء والازدهار في غانا أوالسينغال أو ألبانيا أو كوسوفو؟ كل ذلك أمر مستبعد للغاية.

السياسة الاستباقية عليها أن تتوقع أن لاجئي اليوم سيبقون لدينا دائما، وبالتالي عليها أن تكرس جهودها على إدماج المواطنين الجدد بأسرع وأفضل ما يمكن. وإذا ما كانت السياسة صريحة، فإمكانها القيام بأكثر من ذلك: وبما أن الأزمات حول أوروبا تتكاثر وليس تقل، فعليها أن تحسب الحساب لما لا يقل عن العدد الحالي لللاجئين في المستقبل. وأن تعد المواطنين لذلك.

ثالثا: العمل والدارسة تساعد على الاندماج

وفي الواقع، فإن الأمر بديهي والجميع يعرف ذلك. وفي حال كان الهدف من وراء الحظر المفروض على اللاجئين لمزاولة أي عمل هو الترهيب، فإن هذا التخطيط قد مني بالفشل. كما أنه من مصلحة الدولة أن يقف المواطنون الجدد اقتصاديا على أقدامهم. وهذا ما يريدونه أيضا – فهم يأملون إلى جانب الأمن والحرية - في مستوى معيشي معتاد هنا. والكثيرون يريدون أيضا مساعدة أهاليهم الذين بقوا في أوطانهم بالمال.

وماهي تبعات ذلك؟ يتعين توطين اللاجئين في المناطق التي تتوفر بها فرص عمل. حتى وإن كان من الحلول التطبيقية إيواء اللاجئين في الدور الفارغة في المناطق النائية في شرق ألمانيا، إلا أن السؤال هنا: ما الذي بإمكان الناس فعله هناك؟ إذن من الأفضل إيواءهم في البنايات المدعومة حكوميا في المدن الكبرى المزدهرة. وكذلك الأمر على الصعيد الأوروبي. ألمانيا على وجه الخصوص تدفع بتوزيع الأعباء ما بين دول الاتحاد الأوروبي. ولكن هل يعقل إرسال لاجئين شبان إلى دول تصل فيها نسبة البطالة في فئة الشباب إلى 30 بالمائة؟ هذا الأمر لا يولد الاندماج وإنما الكراهية واضطرابات اجتماعية.

رابعا: على الدولة أن تحترم قوانيها

ومن لا يريد أن يحدث ذلك، فعليه أن يقوم بشيء آخر. قانون هجرة جديد على سبيل المثال. وإذا لم تستطع الدولة ذلك، فهي دولة فاشلة. وفي كل الأحول ستفقد احترام مواطنيها الذين بدورهم سيفقدون كل واعز للالتزام بالقوانين الحكومية. وبالنسبة لدولة ديمقراطية في حاجة لدعم مواطنيها، فإن الأمر خطير جدا.

إجراءات تقديم طلبات اللجوء التي تسمح لآلاف الناس الذين رفضت طلباتهم بالبقاء في ألمانيا هي في كل الأحوال لا تصلح. والأمر ينطبق أيضا على ما يسمى بقواعد دبلن الخاصة بتوحيد إجراءات طلبات اللجوء على صعيد الاتحاد الأوروبي والتي تبين منذ ربع قرن أنها لا تعمل. وعليه يتعين إما إلغاء مثل هذ القواعد أو تنفيذها، حتى وإن كان ذلك أمرا مزعجا. وكل ما يخالف ذلك، فهو غش للمواطنين. والدولة مخولة وبإمكانها بل عليها إذا اقتضى الأمر ذلك أن تتبع مواطنيها الذين يعتدون على الأجانب أو الذين يضرمون النار في مآوي اللاجئين أوالذين ينشرون الكراهية ضد الأجانب في الإنترنت.

خامسا: الاندماج لا ينجح سوى إشراك المجتمع كله

وما قد يبدو للوهلة الأولى وكأنه مجرد كلام فارغ مستلهم من كتاب للعبارات للناشئين في السياسة لديه مرجعية واقعية: ليس بإمكان السلطات لوحدها إيجاد حلول للمهام التي تنتظرها. الدولة بحاجة ماسة للمواطنين الذين تبرعوا بشكل كبير بالملابس والأثاث وألعاب الأطفال والذين تطوعوا لتدريس اللغة الألمانية أو لمساعدة اللاجئين في تعاملاتهم مع مختلف المصالح الإدارية والذين استقبلوهم كجيران جدد. ومن شأن الأمور أن تنجح بسهولة أكثر، إذا ما تم التسريع أكثر في الإجراءات الإدارية وإذا ما غادر الناس المعسكرات الجماعية وتمكنوا من العيش في شقق عادية. وقد يساعد في ذلك كثيرا إذا ما قالت المستشارة: "نحن نواجه تحديا كبيرا – وأنا بحاجة إلى مساعدتكم!"

ولكن الواقع الاجتماعي يُظهر أيضا أن لدى الكثير من الناس في ألمانيا مخاوف من اللاجئين الجدد. وخاصة في شرق ألمانيا وفي صفوف الفقراء وغير المتعلمين، فإن القلق كبير من أن يؤخذ منهم شيء ما: أماكن السكن، العمل والاستحقاقات الاجتماعية. والسياسة ذات الصدقية عليها أن تأخذ هذه المخاوف على محمل الجد وأن تطمئن الناس بأن ألمانيا قادرة على حل هذه المشاكل! ومن من الدول يمكنه ذلك إن لم تكن ألمانيا!





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 6:47 ص

      خلهم يجون البحرين

      عذاري تسقي البعيد وتخلي القريب
      عندنا امكانيات وعندنا بيوت شاغرة ووظائف حق اللاجئين وفي خدم من المواطنين الى اللاجئين

اقرأ ايضاً