العدد 4732 - الجمعة 21 أغسطس 2015م الموافق 07 ذي القعدة 1436هـ

رواية «عدّاء الطائرة الورقية» لخالد حسيني: لأجلك... ألف مرة أخرى

أعود للروائي العالمي خالد حسيني بعد أن قرأت له عمله الثاني «ألف شمس مشرقة» وعمله الثالث «ورددت الجبال الصدى» أعود لعمله الأول والذي كان وسيظل علامة فارقة في كتابة الرواية.

رواية «عدّاء الطائرة الورقية» لا يختلف من حيث الأرض والزمان الذي يتناوله حسيني في كل رواياته، المكان أفغانستان، ويبدأ الزمن منذ مطلع السبعينيات حتى الوقت الراهن، لحد هذه الأعمال أنت لا تنفك مأخوذاً بسحر السرد وعجائبية الأحداث، لا تنفك تتقبل الوجع تلو الآخر، تظل منبهراً وساهماً لفترة طويلة وتحتاج وقتا مكثفا لتتخلص من تأثير هذه الروايات عليك.

لذا حين نبحث بشكل موضوعي بعيداً عن سحر خالد حسيني الذي يصعب على قارئ أن يفلت منه، نجد قيمة الصداقة هي السمة الأكثر بروزا في هذا العمل، الصداقة كعلاقة إنسانية لا تهتم بالجنس والعرق والمذهب، نجد السيد «أمير آغا» و»حسّان» الخادم ابن الخادم، ولنقل أن «حسّان» هو الصديق الحقيقي لحين أن يموت تظهر بعد ذلك قوة العلاقة التي تكلف «أمير» المخاطرة بحياته.

لن أدخل في أحداث هذه الرواية لسبب بسيط جداً، وهو أنه يصعب أحياناً أن تصف قتيلاً تعرض لأبشع أنواع التنكيل، لتصل للصورة الحقيقية يجب أن تكون أنت القتيل نفسه.

في معالجته للعلاقة الإنسانية – الصداقة- منذ البدء كان حسيني يرسم النشء الطائفي في مجتمعه، لا تكون الصورة واضحة بالنسبة لشخص ثري ويصعب عليه التفريق بين المرضين «الطائفية والطبقية».

لكنه يبدأ ككل أطفال العالم الذين يعيشون في بيئة متعصبة مذهبيا وعرقياً، يبدأ يفرّق بين البشتون»السنة» والهازارا «الشيعة» وتمثل شخصية «آصف» الذي اعتدى جنسيا على حسان في طفولته ثم أصبح عضوا بارزا في طالبان ليشتري ابن حسان من الميتم ليشبع نهمه الجنسي هي مثال حيّ على النظر للأعراق الأخرى على أنها موجودة لتلبي رغبات أعراق أكثر رفعة وشأنا.

والحديث دائما عن تهميش الشيعة وطمسهم وإخفائهم بل وقتلهم واستباحة شرفهم. يكادون يكونون غير مرئيين، لا كتب تتحدث عنهم ويتناقلون الأمّية من جيل لآخر دون أن يدركوا لماذا يُفعل بهم هذا؟

«واحد من الأسباب التي ذكرها الكتاب عن سبب قمع الباشتون للهازارا أن الباشتون كانوا من السنة المسلمين بينما الهازارا كانوا من الشيعة، قال الكتاب الكثير من الحقائق التي لم أكن أعرفها، أساتذتي لم يذكروها، وحتى بابا، قال بعض الأشياء التي أعرفها، مثل أن الناس كانوا يلقبون الهازارا بأكلة الفئران وذوي الأنوف المسطحة وحمير التحميل، كنت قد سمعت بعض الأطفال ينادون حسان بهذه الأسماء.

في الأسبوع التالي، بعد الدرس، أريت الكتاب لأستاذي وأشرت إلى المقطع الذي تحدث عن الهازارا.

قلب الأستاذ بين الصفحات، تمتم بعض الكلمات، أعاد الكتاب إلى «هذا هو الشيء الوحيد الذي يجيد الشيعة القيام به» قال الأستاذ ذلك وهو يرتب أوراقه «إظهار أنفسهم كشهداء» عبس وهو يلفظ الكلمة «شيعة» كأنها وباء من نوع ما».ص20.

«في النهاية أنا كنت من الباشتون وهو من هازارا، أنا كنت سنيا وهو شيعي» ص36.

أغلب القضايا متشابهة لكن أعتقد أن ما تمر به الدول العربية الآن من قتل طائفي، كل هذه الوحشية كان لأفغانستان السبق في معايشته في مراحله الأولى والتعايش معه رغم بشاعته، نفس التبريرات تساق للطوائف، انتماءات وولاءات للخارج، طائفة ملعونة يحل قتلهم والاستمتاع بنسائهم وأطفالهم أيضاً.

«تنهدت: هؤلاء الإيرانيون. بالنسبة للكثير من الهازارا، تمثل إيران مكاناً مقدسا نوعا ما.

أعتقد لأنهم كالهازارا، الإيرانيون كانو شيعة مسلمين بأغلبهم، ولكنني تذكرت شيئا قاله أستاذي هذا الصيف عن الإيرانيين، أنهم متحدثون رائعون يربتون على ظهرك بيد، وينشلون جيبك باليد الأخرى...» ص66.

«بضعة أسابيع لاحقة، منعت طالبان مسابقات الطائرات، وبعدها بسنتين في 1998، ذبحوا الهازارا في مزار شريف» ص214.

ليس بعيداً عن الشأن الطائفي أذكر حين كنت أتحدث لصديق عن أحداث وجرأة التناول في رواية السنعوسي «فئران أمي حصة» عن الطائفية سألني ببراءة شديدة:

«انزين.. هذا السنعوسي سنّي لو شيعي؟».

هذا المشهد تكرر أمامي في هذه الرواية حين يعود أمير لأفغانستان لأخذ «سوهراب» ابن أخيه غير الشقيق في العام 2001 بعد أجيال، لكنه يفاجأ بأن شيئاً لم يتغير أبداً..

«أمير آغا ؟ قال فريد، موقظاً إياي من النوم.

نعم؟.

لم أنت هنا؟ أقصد، لم أنت حقاً هنا؟

أخبرتك.

لأجل الطفل؟

لأجل الطفل.

تقلب على الأرض. يصعب التصديق .

أحياناً أنا نفسي لا أصدق أني هنا.

لا.. ما أقصده هو لم هذا الطفل؟ تأتي إلى هنا من أميركا لأجل..

شيعي؟

قتل هذا كل الضحك والنعاس داخلي. أنا متعب. قلت، دعنا نأخذ قسطا من النوم.

تردد شخير فريد فوراً في الغرفة الفارغة، بقيت مستيقظاً. يداي معقودتان على صدري، أحدق في الليل من خلال النافذة المكسورة. أفكر أنه ربما ما قاله الناس عن أفغانستان صحيح. مكان ميؤوس منه.»ص265.

الآن ونحن نمر بمراحل صعبة في الأوطان العربية ودول باسم الإسلام تبتكر الأساليب في القتل والتنكيل وشق الصفوف وتعميق التناحر الطائفي يبدو أننا في ذات المكان «مكان ميؤوس منه» الشيء الوحيد الذي يشعل تلك الشمعة داخل النفق المظلم أن العلاقة الإنسانية في هذه الرواية تنتصر على كل البشاعات، حتى لو هرب «أمير» للعيش في أرض غير أرضه، إن الأرض التي تفرق بين الناس بسبب عرقهم وانتمائهم أرض لا تستحق العيش عليها أبداً، نفذ بجلده وبإنسانيته في رسالة واضحة جداً «كرامتك هي وطنك».

خالد حسيني..

«لأجلك.. ألف مرة أخرى»

نُدهش ونتألم ونصفق في الختام.

العدد 4732 - الجمعة 21 أغسطس 2015م الموافق 07 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً