أكثرنا ممن له معرفة ولو كانت عابرة بتراجيديا هاملت، إحدى مسرحيات شاعر الإنجليزية الأول من دون منازع وليام شكسبير، تلك التي كتبها في العام 1600، يتذكَّر السؤال الذي ظل في حدود مناجاة هاملت لنفسه، في العبارة الشهيرة التي اكتسبت منها المسرحية شهرتها العالمية حين قال: أكون أو لا أكون. وللذين لهم اطلاع أوسع، سيدركون أن شكسبير نفسه استقاها من المؤرخ والشاعر الدنماركي (1150 - 1220)، ساكسو غراماتيكوس، صاحب «الأعمال الدنماركية»، الذي يُعدُّ أول عمل عن تاريخ الدنمارك، إضافة إلى كونه أول عمل أدبي تتقدَّم به الدنمارك باعتبارها المفتتح لتاريخها في هذا المجال بين آداب العالم.
يظهر لأمير الدنمارك (هاملت) شبح أبيه الملك ذات ليلة ويطلب منه الانتقام بعد مقتله. ينجح هاملت في تصفية العائلة في سلسلة مأسوية من الأحداث.
جانب من عقدة العمل، هو في التيقن من أن الشبح حقيقي. هل يوجد شبح حقيقي أصلاً؟! نحن أمام ما يبدو أنه وهمان، طلب أبيه فعلاً، أم شيطان (شبح) في صورة أبيه.
يقودنا ذلك إلى مضمون العنوان أعلاه: حين يتم استغلال هاملت/ شكسبير. مفارقة أن يتصرف بعض البشر أحياناً ولا يترددون في نهاية المطاف، بعد اتضاح النتائج، من إيعاز الأسباب التي جعلتهم يتخذون مواقف منافية للذوق والأخلاق والقيم والشرف، إلى خروجها عن إرادتهم، وقد يكون من تلك الأسباب ضمن خانة الأشباح، ولن يتم الاعتماد على الشبح (الشيطان) بشكل مباشر، إذ قد تكون الأشباح: الظروف، الضعف، الطمع، الاستعداد للاستيلاء على حق الآخرين في الفرص، الوظيفة، الترقية، أو الحق في الحياة أساساً. الحياة بعيداً عن المنغصات والمؤامرات وما يتبع ذلك من سلسلة طويلة عريضة، تذهب فيها بعض مصائر البشر في مهب الريح والمهالك، بفعل أشباح/ شياطين، توحي إلى أتباعها ومريديها الإصرار على أن: أكون أو لا أكون!
هنا يكمن الاستغلال الدارج والمتكرر في حياة كثير من البشر: أن أكون أو لا أكون، تحت أي ظرف، دون مراعاة أيضا لقائمة طويلة من: الذوق والأخلاق والقيم والشرف، فلا مكان لكل تلك القائمة بحضور الشيطان/ الشبح بعد أن تتعرّى المواقف، وتعود الأمور إلى نصابها، وتلوح الهزائم من بعيد.
«أكون أو لا أكون» ليست سيئة، وليست عيبا وليست عارا وليست جريمة مادامت في سياق إثبات الذات، والتنافس الشريف، ضمن مؤهلات وقدرات يملكها أحدنا. ليست خروجا على الذوق والأخلاق والقيم والشرف، مادامت تراعي قدرا ولو بسيطا من المسئولية والضمير، في ما الذي تريد أن تكونه، ومن الجهة التي تضعك أمام ذلك التحدي. هل هي شبح/ شيطان أيضا؟ أم أن كثيرين منا يرون في الذين يختلفون معهم ولأتفه الأسباب أنهم شياطين وأشباح، بجرّة قلم وتقرير ينفلت من مزاج، وفي كثير من الأحيان من منطلق حسد وانتقام، مهما كانت الأسباب الكامنة وراءه.
العودة إلى «هاملت» في زمننا هذا، وبالتحولات التي طرأت على أخلاق البشرية وسوء استغلال من توافرت لهم الفرص، تضعنا أمام تراجيديا أخرى، ولكن هذه المرة دون أن نحتاج إلى ندّعي أن شياطين وأشباحا هي التي تقودنا إلى الأعمال الشريرة دون تمييز؛ لأن الذين يمارسون كل ذلك ليسوا أشباحاً، ولكنهم بالتأكيد من الشياطين، وما أكثرهم في عالمنا!
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4732 - الجمعة 21 أغسطس 2015م الموافق 07 ذي القعدة 1436هـ