في تطور ملفت دعا تنظيم "داعش" الأتراك لإسقاط الرئيس رجب طيب أردوغان في "إعلان حرب" سيزيد من تعقيدات الوضع بتركيا. فهل يعني هذا التطور نهاية ما يمكن تسميته بـ "التحالف غير المعلن" القائم على التجاهل المتبادل بين أنقرة والتنظيم؟ دعا شريط فيديو منسوب لتنظيم "داعش" الأتراك إلى الثورة على أردوغان، متهما إياه بأنه "خائن" لاصطفافه مع الولايات المتحدة.
ويتضمن التسجيل تهديداً اعتبره المراقبون الأوضح من نوعه، الذي يطلقه التنظيم المتطرف ضد تركيا منذ سيطرته على مناطق واسعة من العراق وسورية. ويرى مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتجية في القاهرة، الدكتور مصطفى اللباد في حوار مع وكالة " دويتشه فيله " أن "التفسير الصحيح لرسالة داعش هو أنها إعلان الطلاق بين تركيا والتنظيم الإرهابي، وليس أكثر من ذلك. فتنظيم داعش لا يملك قدرات كبيرة في تركيا". ويضيف اللباد قائلاً إن "تنظيم داعش ليست له شعبية بين الأتراك بمختلف أصولهم ومشاربهم العرقية والطائفية".
"تواطؤ" لطخ سمعة تركيا وتجد تركيا نفسها بين نارين. فهي من جهة تواجه اتهامات بعدم التصدي بشكل كاف للتنظيم المتطرف، بل إنّ هناك من يتهمها بالتواطؤ معه، وهو ما تنفيه بشدة. ومن جهة أخرى ما تعتبره مصالح أمنها القومي وما تراه أن الأكراد من الجانب السوري يهددون وحدتها الترابية.
وبالفعل شنت تركيا الشهر الماضي أولى غاراتها الجوية ضد مواقع "داعش"، كما فتحت إحدى قواعدها الجوية أمام القوات الأميركية لشن هجمات على أهداف للتنظيم. بيد أن النائبة الكردية في البرلمان التركي والقيادية في حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد، فيغن يوكسيكداك أن "الحرب التي تشنها تركيا لا تستهدف تنظيم الدولة الإسلامية، وإنما القوى الكردية. فمنذ ثلاثة أعوام وأنقرة تدعم تنظيم داعش بمراكز تدريب داخل تركيا، وإرسال المقاتلين خارج الحدود".
وعلى رغم نفي الحكومة التركية بشدة لدعمها للتنظيم المتطرف، فإن القيادية الكردية تقول إن لديها "أدلة وشهود ووثائق بشأن إرسال أسلحة". فتركيا برأيها "لا تريد أن يصبح أكراد سوريا جيرانها". وترى النائبة الكردية أن "هناك تقارباً استراتجياً وأيديولوجيا بين تركيا والتنظيم، وبالتالي فإن الهجمات الجوية التركية موجهة بالأساس ضد الحركة الكردية وليس ضد داعش"، حسب تعبيرها.
ويؤكد اللباد بشكل غير مباشر وجود تحالف غير معلن بين أنقرة و "داعش" إذ يقول: "حين غضت تركيا الطرف عن داعش، فإنها كانت تسعى من وراء ذلك إظهار امتعاضها من رفض أميركا التدخل ضد النظام السوري"، معتبراً أن "تركيا وداعش كان لهما موضوعياً خصم مشترك هو النظام السوري".
وكان ضربُ الطيران التركي لمواقع "داعش" داخل التراب السوري يشكل تحولاً مفاجئاً في موقف أنقرة ومنعطفاً لا يخلو من مجازفة لأنه قد يجعلها هدفاً لأعمال انتقامية من قبل التنظيم المتطرف، ويفاقم بالتالي أجواء عدم الاستقرار التي تعصف بالبلاد حالياً. وهذا معناه عملياً أن تركيا ستتخلى عن "لعبة غض النظر عن تزويد المتشددين بالإمدادات اللوجستية وكذلك الأموال والسلاح". وجاءت دعوة "داعش" للأتراك بالثورة على أردوغان لتكرس القطيعة بين الجانبين، خصوصاً وأن الوضع تغير بعد الاتفاق الأميركي التركي وسعي أنقرة لإنشاء منطقة عازلة في سورية.
قرار أنقرة السماح للطيران الأميركي باستخدام قاعدة انجرليك سيوفر لواشنطن منطلقاً مثالياً لضرب قواعد التنظيم المتطرف في سورية وسيزيل نقطة خلافية بين أنقرة وواشنطن التي دأبت على طلب ذلك بإلحاح. من جهتها ستتمكن تركيا من إنشاء منطقة عازلة في سورية تقسمها إلى مناطق عسكرية وربما تعتمد على الأقلية التركمانية التي تعيش هناك. وبالتالي فإن "الانخراط التركي في سورية يقتضي منها الآن الابتعاد عن داعش لتثبيت التحالف الأمريكي التركي الذي تعمل أنقرة تحت مظلته"، كما يوضح الباحث المصري الدكتور مصطفى اللباد.
ويرى اللباد أن "هناك ارتباطا غير معلن بين داعش والأكراد والانتخابات". فقد "تحول داعش إلى رقم في المعادلة الداخلية التركية على رغم أنه لا يحظى بشعبية... لأن أردوغان لا يريد حكومة ائتلاف وطني وظهر ذلك واضحاً في المفاوضات التي أجراها حزب العدالة والتنمية مع الأحزاب التركية" الممثلة في البرلمان.
ويتهم خصوم أردوغان بأنه يسعى لشخصنة النظام السياسي التركي وجعله على مقاسه. وبالتالي فإن الانتخابات المبكرة أفضل سبيل يتيح لحزب العدالة والتنمية استعادة غالبيته وقد يسمح لأردوغان بإجراء تعديلات دستورية تمنحه رئاسة تنفيذية. بيد أن النائبة الكردية فيغن يوكسيكداك ترى أن "هدف الحرب التي تشنها الحكومة هو جعلنا (حزب الشعوب الديمقراطي) نحصل في الانتخابات المقبلة على أقل من حاجز 10 في المئة"، ما قد يسمح أردوغان وحزبه باستعادة الغالبية.