القراءة مهارة أساسية وأولوية من أولويات إثراء العقل، وفتح الأبواب أمام الإنسان؛ للترقي في سلم الصعود إلى تحقيق المعالي...
فقراءة الكتاب (الثقافي، الاجتماعي والديني)، تنير الطريق أمام القارئ للتعرف على الواقع الشخصي (الأخلاقي، المعيشي والنفسي)، وصولاً إلى فهم الواقع المحيط (الأسرة، العائلة والمجتمع)، وبالتالي فهم الحياة...
القراءة تساعد الإنسان على ما يدور حوله، وما يطبخ ويحاك له ولمجتمعه، والتعامل مع ذلك التعامل الصحيح الذي يقيه الشرور، ويصحح الأخطاء.
ولتسليط الضوء على أهمية القراءة، وكيفية التشجيع عليها، والدفع نحوها، كان لنا هذا الحوار مع الكاتب والمؤلف السعودي حسن آل حمادة.
بداية حدثنا عن تجربتك مع القراءة، وكيف كانت البداية؟
- تجربتي مع القراءة بدأت بطريقة بسيطة جدًّا، فقد نشأت في بيئة غير قارئة، واستعرت أول كتاب خارج المقرر الدراسي وأنا أدرس في السنة الثانية من المرحلة المتوسطة، ثم ابتعت كتابين تربويين، وتكاثرت الكتب لديّ في المرحلة الثانوية، ووجدت نفسي شغوفًا بالقراءة، وربما ساعدت الأجواء الدينية وقتها على تشكيل علاقة طيبة بيننا وبين الكتب، إضافة إلى علاقتي بعدد من أصدقاء الدراسة الذين لديهم علاقة طيبة مع الكتاب والقراءة.
في أحد مشاريعك وهو المشروع الذي بدأت العمل فيه باسم «القارئ الصغير»، كيف كانت بداية المشروع، وكيف تفاعل الناس معه، وما هي الصعوبات التي واجهتها في هذا المشروع؟
- قبل أن تتبلور فكرة القارئ الصغير التي تم تنفيذها في فرع جمعية الثقافة والفنون بالدمام كنت في صدد تنفيذ برنامج مماثل في الأحساء مع مجموعة (مبادرات)، واتفقنا على تأسيس «نادي القراءة للأطفال». وكان البرنامج يتطلب مني أن أذهب من القطيف إلى الأحساء بمعدل فعاليتين في ثلاثة أشهر، والحمد لله نجح البرنامج واختتمناه قبل أيام، بعد أن وضعنا خطة لتنمية القراءة عند الأطفال تصحبها متابعة من قبل الأسرة، ولتحقيق هذا الغرض، عقدنا ندوة حوارية جمعتني مع الأمهات بعنوان: «اقرأ؛ ليقرأ أطفالك»، وكانت مفيدة ونافعة؛ لأنها احتوت نقاطاً مهمة تجعل من الوالدين قدوة للطفل الذي يُراد منه أن يكون قارئًا.
وبالتزامن نفذنا برنامج «القارئ الصغير» في جمعية الفنون بالدمام، وسيستمر لمدة عام بحيث نلتقي الأطفال صباح كل سبت من الساعة العاشرة حتى الحادية عشرة والنصف، والحمد لله حظي البرنامج بتفاعل جيد، ونحن بصدد تطويره.
ولعلّ أهم عقبة في المشروع هي تكاسل بعض الأسر في تشجيع أطفالها على الحضور؛ لأن بعضهم يفضل النوم في الصباح بدلًا من أن يصطحب أطفاله لبرنامج يستفيدون منه.
فكرة القراءة
تحدثت في أحد كتبك عن فكرة القراءة كالسلحفاة ثم الركض كالأرنب، حدثنا عن هذه الفكرة؟
- هي باختصار عملية مزج بين القراءة البطيئة والقراءة السريعة، فمن واقع تجربة، وجدت الكثير يسأل عن الطريقة التي تجعله سريعًا في القراءة، وكأننا نريد أن نجعل من القراءة كبسولة نتناولها وينتهي كل شيء في لحظة، وهذه الكيفية لا تؤسس لمثقف حقيقي! وأتصور أن المطلوب في البدء أن نقرأ بطريقة السلحفاة التي تمشي في الغابة ببطء لتلتقط كل ما تجده حولها، وإذا وجدنا أننا ارتوينا في موضوع معين يمكننا فيما بعد أن نركض بين السطور كالأرنب؛ لأننا سنتجاوز المعلومات المكررة التي لن تضيف لنا الجديد. فالقراءة السريعة تتأتى للإنسان مع كثرة القراءة بعد الممارسة والجلوس المتأني بين عالم الأفكار والكتب.
الكثير من الناس يتعذرون بمشاغل الحياة من أولاد وعائلة وعمل وغير ذلك من المشاغل المختلفة، ويقولون ان ذلك يقف عائقاً دون فتحهم الكتاب، ماذا تقول لهؤلاء؟
- أقول لهؤلاء أنتم بحاجة إلى تنظيم أوقاتكم، وستتمكنون من إيجاد أوقات للقراءة المثمرة، فلا أتصور أن تجد من لا يعيش لحظات ينتظر فيها سواء في المستشفى أو في السيارة أو في أي مكان آخر، فمثل هذه الأجواء فرصة ينبغي أن نستثمرها في القراءة، بدلًا من الجلوس والتأفف إلى حين ياتي علينا الدور! ومن البداهة أن من يعي قيمة القراءة والكتاب سيعتني بتدبير الوقت لها. ولو فكّر الإنسان قليلاً لاستثمر القراءة في مجال عمله - كأضعف الإيمان - ليضاعف من معدل دخله.
من أين يبدأ القارئ الجديد القراءة؟
ـ جميل أن تكون البداية بالبحث عن الكتب التي تُجيب عن الأسئلة التي تؤرقه، ومن البداهة أن كل إنسان يبحث عن إجابة لسؤال ما. ومن المهم أن يبدأ بالكتب التي تتميز بالعمق، والسلاسة في الأسلوب؛ لأن بعض الكتب المتعمقة لا تصلح للمبتدئين، فقد تنفرهم عن القراءة؛ لأنهم قد يجدونها أقرب إلى العُقد والطلاسم!
كيف نسطيع بناء جيل قارئ، انطلاقًا من الأسرة بشكل خاص، ووصولاً للمجتمع؟
- إذا كانت الأسرة قارئة فمن المتوقع أن تنشئ جيلًا يقرأ، وخاصة إذا توفرت في البيت مكتبة منزلية، وإن كانت قليلة، لكنها مرئية لدى أفراد الأسرة، فليس من الضروري أن نخصص غرفة للمكتبة، إن كان الوضع المادي لا يسمح. لكن، يمكننا أن نوزّع الكتب في البيت كما نهتم بتوزيع التحف، فالإنسان الذي يجد الكتاب حاضراً أمام عينيه ستتولد لديه الرغبة في مداعبة أوراقه. وآمل أن تقوم الأسرة بدورها في هذا الجانب، فهي المرتكز الأول، وبعدها يأتي دور المدرسة التي يفترض أن تحتوي مكتبة يستفيد منها الطلاب، مع وجود معلم قارئ يمثّل دور القدوة لطلابه، إضافة إلى وسائل إعلام مشجعة على القراءة، ومجتمع يساهم ببرامج وفعاليات مختلفة لخلق جيل قارئ يهتم بالقراءة والكتاب. باختصار إن تضافرت الجهود سننتقل بمجتمعاتنا من حالة العزوف عن القراءة إلى حالة الولع بها.
أمة اقرأ
ما هي الأسباب التي جعلت الأمة العربية (أمة اقرأ) تهجر الكتاب؟
- للهجران أسبابه العديدة وقد أشرنا في إجابة السؤال السابق لحواضن مشجعة على القراءة، وهي: «الأسرة، المدرسة، المجتمع، الإعلام»، وأضيف لها الدولة، فهذه الحواضن مقصرة في دورها، لهذا هجر الكتاب! وربما يقول لنا البعض: ألا تجد الإقبال الكبير على معارض الكتب؟ ونقول لمن يطرح هذا الإشكال، ليست العبرة في كمية مشترياتنا من الكتب، بل العبرة في قراءتنا للكتب مع وجود الأثر العملي للقراءة في سلوكنا وواقع مجتمعاتنا.
كيف نولد حاجة لدى الشباب للقراءة؟
- نحن بحاجة إلى أن نعرض لهم نموذجين: نموذج لشاب يقرأ، وآخر لشاب لا يقرأ، ولنطلب منهم المقارنة بأنفسهم بين النموذجين، وسيصلان إلى قناعة بأن القراءة من شأنها أن ترتقي بتفكير الإنسان وواقعه. ولعلّ من المناسب أن نربط بين القراءة والعمل والإنتاج؛ ليرى الشاب الأثر المباشر للقراءة في حياته وحياة من حوله.
هل نسير في الطريق الصحيح للوصول إلى «أمة اقرأ»؟
- آمل ذلك، والحمد لله، فهناك الكثير من الجهود التي تبذل في هذا الطريق و«من سار على الدرب وصل».
العدد 4731 - الخميس 20 أغسطس 2015م الموافق 06 ذي القعدة 1436هـ
ماذا لو وجد مقر لها