ظهر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في استعراض تقليدي وهو يصعد على متن غواصة صغيرة تغطس إلى أعماق البحر الأسود.
وبدأت الأمواج تندفع حول الغواصة الزجاجية الصغيرة، قبل أن تبتلعها، في حضور الكاميرات التي كانت تلتقط مشهد الغوص ببطء.
وأُعلن رسميا أن رحلة الغوص هذه كانت بهدف مشاهدة حطام قديم لسفينة غارقة في قاع البحر. لكنها كانت بهدف استعراض السطوة أيضا.
ويقضي بوتين ثلاثة أيام في شبه جزيرة القرم، برفقة وفد من كبار الساسة الروس ورجال الأعمال.
وانتقدت الحكومة الأوكرانية في كييف الزيارة، وقالت إنها محاولة لزيادة حدة التوترات، وأكدت على أن المستقبل الوحيد للقرم هو أن تعود إلى أوكرانيا.
وعندما ظهر الرئيس بوتين في مدينة سيفاستوبول، تحدثتُ إليه بهذا الشأن، فقال: "مستقبل القرم حدده من يعيشون فيها. وقد صوتوا لصالح انضمامها لروسيا. وهذه هي نهاية الأمر".
وأظهرت نتائج الاستفتاء الذي دُعي إليه أهالي القرم دعما شديدا لانضمامها لروسيا.
لكن الاستفتاء، الذي عقد في مارس/ آذار 2014، وأشادت به موسكو باعتباره إرادة شعبية، تم في وجود مسلحين في الشوارع، وفي خرق واضح للدستور الأوكراني.
لذا، فرضت الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات اقتصادية على روسيا، ولم يعترف أحد تقريبا بضم القرم.
وثمة شك في دعم الغالبية في القرم لموسكو. أما في روسيا، فقد حظيت "عودة" القرم بعد "خسارتها" في عهد الاتحاد السوفيتي، بشعبية كبيرة.
لذا، بدأت روسيا في ضخ التمويلات إلى القرم لدعم خططها السياسية في شبه الجزيرة، ولإظهار الاهتمام بها.
ومن بين أوجه الاستفادة في هذا الأمر، هو معسكر أرتيك للأطفال، حيث يقضون أوقاتهم في السباحة ومسابقات تمارين الضغط.
والمعسكر محفور في التلال، وكان أكبر وأرقى المعسكرات في حقبة الاتحاد السوفيتي، ووجهة يحلم كل الصغار ببلوغها. وتوافد عليه الكثير من الروس ممن اعتادوا الذهاب إليه في حالة من الحنين.
وأُجريت أعمال تجديد في القاعات الرياضية، وحمام السباحة، والمقصف، بتكلفة بلغت الملايين. لكن روسيا على ثقة أن أموالها لن تذهب هباء.
وقال مدير المعسكر، أليكسي كاسبرزاك: "لقد تحددت هوية المستثمرين في القرم في الوقت الحالي".
ومن المتوقع أن يضخ قطاع السياحة المزيد من الأموال، إذ أنه قوام الاقتصاد المحلي.
"خيار وطني"
وكانت شواطئ القرم محل جذب للكثير من الأوكرانيين. لكنهم توقفوا عن الذهاب إليها، وأصبحت روسيا تروج للقرم على أنها "الخيار الوطني" لقضاء الإجازات.
وقالت سائحة روسية تدعى أولغا: "قررنا القدوم إلى هنا (القرم) بمجرد علمنا بأنها أصبحت لنا مجددا. وأردنا أن نكون من أوائل الوافدين".
لكنها صُدمت، كغيرها الكثيرين، من ارتفاع الأسعار، وقالت إنهم في الغالب لن يأتوا مجددا. وتابعت ضاحكة: "لم يعد بإمكاننا تحمل نفقات المنتجعات السوفيتية".
ومحليا، شكا كثيرون من ارتفاع الأسعار تحت الحكم الروسي، رغم زيادة الرواتب أيضا.
لكنهم يقولون إن ثمة الكثير من مشاكل الحياة تحت العقوبات بدأت تظهر الآن.
وقالت ناتاليا كريشينكو، مالكة أحد الفنادق في القرم: "توجب على الناس القيام بهذا التغيير. وكانت فوضى شديدة"، وذلك في حديثها عن صعوبات الحياة في القرم، التي لا يدركها الكثيرون حول العالم. "لكن الأمور بدأت تعود إلى مسارها تدريجيا".
واستعادت كريشينكو الكثير من مدخراتها من أحد البنوك الأوكرانية. وأصبح لديها الآن خط هاتف وبطاقة بنكية من شركة روسية، وتستطيع معاودة الشراء عبر الإنترنت.
وتابعت: "أنا على ثقة من الاعتراف بالقرم قريبا، فهذا الوضع لن يستمر طويلا".
لكن الواقع الجديد أثر على أعمال أخرى بشكل أكثر قسوة.
ومن بين المتأثرين، دميتري سيميونوف الذي اعتاد بيع صناديق هدايا خشبية وقدور عسل النحل لعملاء من الاتحاد الأوروبي.
وتوقف الإنتاج في مصنع سيميونوف بعدما أصبح السوق الأوروبي بعيد المنال. ويقول سيميونوف إن ضم القرم "كارثة. لقد اقتُطعنا من أوكرانيا، لكننا لم ننضم تماما إلى روسيا. نحن معلقون. وعند الانفصال قالوا لنا ألا نخاف، وأن السوق الروسي سيكون مفتوحا لنا. لكن الالتزام بعلامة "صنع في القرم" لا يعطينا أية أفضلية".
ويحاول سيميونوف وزوجته اتخاذ القرار الأصعب، وهو الرحيل. ورغم جذوره الروسية، إلا أنه يخطط لنقل أعماله إلى أوكرانيا. لكن هذا ليس مصدر قلقه الوحيد.
وتابع: "لا استطيع حتى تخيل مآل الأمور هنا. ولا أريد أن أكون جزءا منها. لقد اشتعل فتيل الأزمة، ولا ندري كم ستستغرق من الوقت حتى تتفاقم".
ورغم محاولات بوتين لوضع حد لمسألة القرم، إلا أنها ما زالت بعيدة عن أي حل ممكن. وقد فجرت تصرفات الرئيس الروسي عاصفة لا تهدأ.