تمكنت مونِّي أو «الطفلة الصغيرة» من قلب الشاب الهندوسي البسيط باوان، قبل أن يعرف أي شيء عن هويتها أو دينها أو بلدها. طيبته الفطرية حسمت قراره بالمسئولية عن حمايتها وإعادتها إلى أهلها، وكل ما يعرفه عنها أنها طفلة جميلة تائهة عن ذويها ولديها إعاقة في القدرة على الكلام.
سرت طيبة باوان ومحبته للطفلة شاهيده «مونّي» التي لم تُعرف أنها باكستانية مسلمة، إلى قلب خطيبته وأهلها وكل من حوله من المتعصبين تعصباً شديداً للهندوسية وللهند فوق أي شيء آخر.
كانت إعاقة الكلام لدى مونّي هي الجزء الأهم في الفيلم الهندي «باجرانجي بهايجان» الذي اختصر ما تمر به في هذا الوقت، الأمم المنكوبة بالتعصب الديني من فوضى وضياع لطاقات الخير والسلام فيها، في النزاع ومحاولة التفوق على الآخر، ونكران حقه في الوجود، ونفيه إن أمكن، إلى أبعد نقطة من الوجود.
عدم قدرة مونّي على النطق لتعرّف نفسها أجّل تصادم العقيدتين المؤدي بدون شك للنفور الأولي، وجعلت باوان يتعرف على هوية الطفلة تدريجياً ليكتشف شيئاً فشيئاً أنها تنتمي لـ «الفرقة العدو»، بحسب معايير انتمائه وما تربّى عليه، وفي كل مرة كانت تصدمه الحقائق التي تتكشف عن هوية مونّي، لكن ذلك كان يتم في خطٍ موازٍ مع تدرّج محبته التصاعدي للطفلة، وشعوره المتعاظم بالمسئولية تجاهها، وهو يرى المخاطر التي قد تتعرض لها لو عهد بمسئولية إعادتها لأهلها إلى طرف آخر، فكانت محبته وإنسانيته، تغلبان عقيدته في كل مرة، وتجعلانه يتغاضى عن اختلافه مع الطفلة، ويتمسّك بمسئوليته تجاهها، يسنده في ذلك إخلاصه لقيمه التي لا يكف يذكّر نفسه بها، بأن يكون إنساناً طيباً وصادقاً، يرفض الكذب حتى في أشد المواقف خطورةً على حياته عندما اتُّهم في باكستان بالجاسوسية لصالح الهند، وللسجن وللضرب المبرح.
عرف باوان، تدريجياً، أن مونّي مسلمة عندما هربت منه إلى المسجد ذات مرة، وارتدت غطاء الرأس واصطفت للصلاة، وفسّر له ذلك وجودها في بيت الجيران تشاركهم وجبة اللحم، وعرف أنها باكستانية عندما أسعدها فوز باكستان على الهند وتقبيلها شاشة التلفاز في الوقت الذي كان المجتمعون يصرخون امتعاضاً من نتيجة مباراة كريكت اجتمعوا لمشاهدتها.
المحبة الأوليّة التي سمحت بتكوّنها، في نفس باوان، فطرته الإنسانية، هي التي حوّلت اشمئزازه، وهو النباتي، من منظر مونّي وهي تأكل قطعة الدجاج بتلذذ، إلى تقبُّل، وجعلته يتنازل وخطيبته لمنظر دموعها بعد أن تركاها تأكل اللحم «المحرَّم في عقيدتهما» على طاولة منعزلة. والمحبة نفسها جعلته يعيد النظر في تجنب دخول المسجد مرتين للبحث عنها، ولحمايتها على الرغم من أن دخوله أول مرة كان «شديد الوطأة» على نفسه.
ولاستكمال رسالة الفيلم، المتوقع أن يحصد أعلى مبيعات للتذاكر في تاريخ السينما الهندية، وتجسيده الواقع الحالي؛ اختار صانعو الفيلم أن تكون نهايته في كشمير، التي لم تعرف الاستقرار منذ أكثر من ستة عقود، عندما أصدر البرلمان البريطاني في 1947 قانون الاستقلال الذي قسّم شبه القارة الهندية، وظلت منذ ذلك الحين منطقة نزاع لعدم حسم أمرها بين باكستان والهند.
في مشهد درامي رمزي فُتحت البوابة الضخمة التي تفصل جزأي كشمير الهندي والباكستاني، ليمر من خلالها باوان بعد أن أدى مهمته بنجاح، ولم تحتج الطفلة شاهيده (مونّي) التي استعادت قدرتها على الكلام، هذه المرة فقط، لتأشيرة لتلحق بمنقذها وتعانقه طويلاً في وداع أخير.
أحداث الفيلم التي جسّدت واقعاً تتشابه في المعاناة منه أمم كثيرة على امتداد الأديان والطوائف فيها، وعلى قدر تعصب معتنقيها؛ تقترح، في تدرّجها، أننا نعطّل قسراً الفطرة الإنسانية الخيّرة التي نأتي بها إلى العالم، ونطلق العنان للهويات المكتسبة من قيم وأفكار وأديان لتتراكم على أصل الإنسان فينا، وتتجاوزه في التعريف بنا، وتشكّل فيما بعد سلوكنا. فهل إعادة أحداث الفيلم ستجعل باوان يرفض مساعدة الطفلة لو تعرّف على هويتها أولاً! هل ستتغلب العقيدة المكتسبة على إنسانيته الفطرية!
إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "العدد 4729 - الثلثاء 18 أغسطس 2015م الموافق 04 ذي القعدة 1436هـ
قولنا لهم
اتركوا الناس يعيشون على فطرتهم فى اديانهم ونحن الشيعة قولنا لهم نحن نزور اهل البيت عليهم السلام لا لاجل عبادتهم انما التوسل اليهم ونحن نعبد الله وزيارة اهل البيت عندهم شرك فقامو بتقتيل الشيعة فى العراق واتهموهم انهم مشركون وروافض قاتل الله الجهل والمشتكى لله وشكرا اختى على هاده المقال
تحليل رائع
صباح الخير. إسقاطاتنا الرائعة والقدرة الشمولية في تحليل الفيلم
و بالمستوى الذي تجعلين القاريء يذوب في المعنى ويرتقي. مَرَحا لك. ام عطاء