العدد 4727 - الأحد 16 أغسطس 2015م الموافق 02 ذي القعدة 1436هـ

حرفان بين إيران وباكستان

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ترى إيران نفسها أقلّ قيوداً بعد الاتفاق النووي مع الغرب. الأمر ذاته بات موجوداً لدى دول أخرى بعد أن كانت حركتها مُلجَمة بالتزامات دولية/ قانونية. هذا الشيء يمكن أن يُرَى جليّاً في العلاقة بين إيران وباكستان، والحركة الدبلوماسية بينهما وخصوصاً خلال الشهرين الماضيين. فقبل أقل من أسبوع زار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف باكستان وأجرى مشاورات مع رئيس وزرائها ومستشار الأمن القومي والشئون الخارجية لرئيس الوزراء ورئيسي مجلسي الشيوخ والنواب الباكستانيين، ضمن جولة شملت لبنان وسورية والعراق.

وقد أعلن ظريف من هناك أنه تحدث مع الباكستانيين «عن العلاقات الثنائية والتعاون الاقتصادي، ولا سيما في مجال التعاون الذي تسبب الحظر في إيجاد مشاكل له». وربما لم يُصرِّح ظريف عن طبيعة تلك المشاكل إلاَّ أن الأكيد أنه قَصَد تلك المتعلقة بأنبوب السلام للغاز، الذي من المفترض أن يشمل ثلاث دول: إيران وباكستان والهند، ثم أضِيفَت لهم الصين مؤخراً كما أعلِن.

الحقيقة، أن العلاقة ما بين إيران وباكستان لا يُمكن أن تُقرأ من زاوية واحدة كالاقتصاد مثلاً، بل يجب أن تُقرأ باعتبارها «علاقة تداخل عضوي» بامتياز، تجمعها الملفات السياسية والأمنية والإثنية/ المذهبية وتالياً الاقتصادية، بالإضافة إلى تاريخ مشترك من التعاون الثنائي.

خلال حروب باكستان مع الهند في العام 1947، ثم في العامين 1965 و1971، كان الإيرانيون من أكبر الداعمين لإسلام أباد ضد نيودلهي، ما شكَّل ذاكرة ثقة وتعاون استراتيجي بين الجانبين، تمثَّل لاحقاً في وقوف باكستان مع إيران ضد العراق خلال الحرب العراقية الإيرانية 1980 – 1988، سواء فيما خصّ السلاح أو الغطاء الدبلوماسي.

اليوم تعتمد باكستان على إيران في عملية اشتراك أمني غاية في الحساسية، وتحديداً في قضايا الجيوبوليتيك مع الهند وأفغانستان وبحر العرب. فمن المعلوم أن باكستان تنشر نصف قواتها على الحدود مع الهند (750 ألف جندي)، بالإضافة إلى 75 ألف جندي آخرين على الحدود مع أفغانستان، وهو ما يجعل ميزانها العسكري وشئون الأمن القومي لديها حساسة جداً.

في مسألة الأمن البحري، ترى إسلام أباد أن تواجد الأساطيل الإيرانية العسكرية في المياه الحرة والإقليمية سواء في الهند أو سيرلانكا وخط الاستواء أو في مضيق ملقا بين شبه جزيرة ماليزيا وجزيرة سومطرة الإندونيسية، بالإضافة إلى بحر الصين والمحيط الهادي والمحيط الهندي الشمالي والجنوبي أمراً مفيداً لها لتأمين خطوطها الملاحية الجنوبية التي تبدو حساسة؛ كونها على تماس مع حدود الهند البحرية ومياهها الإقليمية.

هناك جانب آخر من العلاقة الإستراتيجية بين إيران وباكستان وإن بدت مكتومة، وهي المتعلقة بالمسائل الإثنية والعرقية والمذهبية. فتعداد الشيعة الباكستانيين يصل إلى 36 مليون نسمة، ما يعني أنها ثاني أكبر دولة للشيعة في العالم بعد إيران، ويمتلكون حضوراً في كل مؤسسات الدولة وحكومات الأقاليم وعصب التجارة هناك، سواء في المعادن أو في تجارة الحبوب.

وتاريخيّاً، كان للإيرانيين تأثير قوي على المجاميع الشيعية الباكستانية، سواء في الأحزاب السياسية، أو في المؤسسات الاجتماعية والثقافية. وباكستان تستفيد من ذلك النفوذ لإبرام تحالفات الداخل، سواء في العاصمة إسلام أباد حيث حكومة المركز أو في بقية الأقاليم الباكستانية، وضبط إيقاع الحالة المذهبية في أهم مركز تجاري باكستاني وهو مدينة كراتشي.

أما مسائل التداخل العرقي فهي غير خافية على أحد، وتحديداً في مسألة المكوِّن البلوشي الذي يعيش في البلدين، ويُشكل أحد أهم وأقوى المكونات في الأرضين، فضلاً عن السكان الرحل الذين يعبرون الحدود ضمن سَمْت ديموغرافي وثقافي يحكم المناطق المشتركة منذ مئات السنين.

أما اقتصاديّاً، فباكستان تعاني من أزمة طاقة شديدة يُحتِّم عليها الحصول على أزيد من 60 مليون متر مكعب من الغاز يوميّاً بشكل عاجل، لتوليد الكهرباء، وتحديداً لمدن ذات كثافة سكانية عالية ككراتشي أو في ناوباشاه وجاودار. لذلك، كان مشروع أنبوب السلام بين البلدين أحد أهم الحلول الجذرية لتلك المشكلة، حيث يبلغ طوله 2500 كم، وسينقل إلى باكستان حاجتها من الغاز، مروراً بالهند الذي ستستقبل 90 مليون متر مكعب من الغاز يوميّاً.

وفضلاً عن ذلك تمثل إيران لباكستان طريقاً مثاليّاً لربطها بالأسواق الأوروبية وآسيا الصغرى. وقد كانت تضغط على الأميركيين في هذا الملف خلال فترة العقوبات، وكذلك شكَّل احتضانها لأطول مسافة لأنابيب الغاز في المشروع المذكور إلى أن تضغط على الهند أيضاً. وهو ما جعل إيران تكون وسيطاً في المحادثات، كان آخرها زيارة ظريف لنيودلهي ولقائه رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي، ووزير الخارجية سوشما سواراج، ووزير الطرق نيتين غادكاري، ونائب الرئيس الهندي حامد أنصاري، والأمين العام للمجلس القومي الهندي لمناقشة ذلك الأمر نيابة عن إسلام أباد.

وقد تحدث رئيس الوزراء الباكستاني قبل أشهر وأثناء تفقده منجماً لخامات الحديد والنحاس في البنجاب، عن أن «باكستان ستكمل مشروع واردات الغاز من إيران». وتعتمد باكستان في إنجاز مسألة الطاقة لديها على الصين أيضاً، كونها الغريم التقليدي للهند، وهو ما يجعل طهران في فسحة من المباحثات؛ كونها بيضة القبان في كل ذلك بسبب علاقاتها المتميزة مع بكين ونيودلهي.

في كل الأحوال، تسير الأمور بين البلدين بوتيرة أسرع من السابق بسبب استقرار أوضاع علاقات إيران بالغرب. وربما نرى تطورات أخرى قد تنعكس على مسائل مهمة كمسألة الطاقة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4727 - الأحد 16 أغسطس 2015م الموافق 02 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 7:39 ص

      تشابه اللغه ايضا

      انشاءالله تتحسن العلاقات مع دول الخيج ايضا وكلما تحسنت تتحسن ظروف المعيشه للشعوب

    • زائر 2 | 1:53 ص

      انت لا تعلم

      انت لاتعلم ان اقليم بلوشستان تم استعماره من ايران وباكستان وتم قتل اكبر الروؤس فيها

    • زائر 3 زائر 2 | 3:28 ص

      اي استعمار

      هذا الاقليم وغيرها

    • زائر 1 | 10:52 م

      متابع

      اقتباس ((( فتعداد الشيعة الباكستانيين يصل إلى 36 مليون نسمة.. ويمتلكون حضوراً في كل مؤسسات الدولة )))
      مثال جيد : آصف علي زرداري ، رئيس جمهورية باكستان السابق ، والذي حكمها من سنة 2008 إلى 2013 ، كان شيعيا ، وهذا مثال قوي على حضور الشيعة القوي في باكستان الدولة ، بل حتى في التجارة فآصف علي زرداري يعتبر من بين أغنى خمسة رجال في باكستان حيث فدرت القيمة الصافية لثروته في فترة سابقة بــ 1.8 مليار دولار .

اقرأ ايضاً