طائفة الموحِّدين الدّروز. كُتِبَ عنها الكثير من الغَثِّ والقليل من السمين. وربما كان الحديث عن أوضاعها السياسية أكثر من تلك الأحاديث التي تناولت معتقداتها وأفكارها. وعلى رغم أن مَواطِنَ وجودها متعددة تبدأ من سورية ثم لبنان ثم فلسطين ثم الأردن فالمهجر، إلاَّ أن دروز لبنان كانوا الأكثر بروزاً كونهم متمثلين في مجتمع وفي نظام سياسي طائفي بامتياز يُبرزهم كأحد المكوّنات الوازنة فيهما بخلاف المَواطِن الأخرى التي أصبح فيها مفهوم الدولة الوطنية (أو المتماسكة) ناجزاً أو شبه ناجز إلى حد ما.
في هذا الملف، تفتح «الوسط» ملف الدّروز، نشأتهم وجذورهم ومعتقداتهم وواقعهم. وتوخياً للحقيقة كما في الملفات التاريخية الأخرى التي طرقناها، فقد استبعدنا كل المصادر التي تناولت الدّروز بشكل غير دقيق، ولجأنا إلى مصادرهم أو تلك التي تحدثت عنهم بحيادية وموضوعية خالية من أيّ موقف ديني أو سياسي مُسبق تجاههم.
كل المذاهب والأديان كانت لها صورة دينية واضحة، إن كان على مستوى الإرث الديني أو الطقوس أو الخطاب. ينطبق هذا على اليهود والمسيحيون والمسلمون بكل طوائفهم، بل وحتى في الديانات الأرضية كالبوذية والهندوسية. وقد أتاحت صورة الطقس الديني الجَلِي لتلك الأديان والمذاهب فرصة الاندماج في الوجدان العام لدى الشعوب غير المتجانسة. فأصبح مئات المسلمين في الهند معتادين على رؤية طقوس وعادات الهندوس والعكس. وكذلك الحال بالنسبة للشيعة والسُّنة والإسماعيلية وغيرهم، حيث باتوا يعرفون بعضهم من خلال الممارسة الدينية. في الحالة الدّرزيّة فإن الواقع مختلف تماماً. فلم يُرَ يوماً أي من أنواع الطقوس والمدوّنات الدينية الدّرزيّة بحقيقتها، ما خلا بعض الشروح للعبادات أو تطبيق عابر لها، وكذلك رؤية الأسمال وهيئة اللبس والمظهر الخارجي لمعتنقي المذهب من رجال الدِّين.
نشأ الدروز كمكوِّن ديني من رحم العقيدة الإسماعيليّة قبل أزيد من 1000 عام لكنهم انشقوا عنها لاحقاً. فعندما قُيِّض للحركة الإسماعيليّة أن تُشيّد دولة لها في تونس وظهور دعوة عبيد الله المهدي في العام 909م وبروز الدولة الفاطميّة وافتتاح مصر في عهد المعز لدين الله الذي كان رابع الخلفاء الفاطميين، بدأت الحركة الدّرزيّة تتبلور مع حكم الخليفة الفاطمي السادس وهو الحاكم بأمر الله وذلك ما بين 996 و1021م كما جاء في تدوينات الحلبي. فقد نادت جماعة إسماعيليّة يتزعمها محمد بن إسماعيل نشتكين الدَّرَزي إلى الاعتقاد أن الخليفة الفاطمي يمتلك إمكانيات إضافية غير التي يملكها الحُكّام العاديون، بل ونادت «بطبيعة إلهية للحاكم» لكن هذه الدعوة جرى رفضها دينياً واجتماعياً، تحوّل لاحقاً هذا الرفض بعد موت الخليفة الفاطمي السادس إلى التنكيل بأصحابها، الأمر الذي اضطرها إلى الهجرة إلى غير مكان.
الغريب أن هذه الجماعة الجديدة التي ظهرت على يمين المذهب الإسماعيلي أتقنت فن إدارة عقائدها بشكل صارم إلى الحد الذي قامت بقتل مُؤسسها نشتكين الدَّرزي وخمسين رجلاً من أتباعه لانحرافهم على عقيدة التوحيد الدّرزيّة كما قيل وتطرفهم في التأليه. على رغم أن دراسات أخرى كانت تشير إلى أن المؤسس الأول هو حمزة بن علي بن أحمد الفارسي الحاكمي الدّرزي كما أورد اسمه عمر كحالة في معجم المؤلفين، وكان نشتكين تلميذاً لحمزة، وأن الأستاذ تصدى لانحرافات تلميذه. ومن الغريب كذلك، أن الدعوة انتسبت لاسمه «الدّروز» من دون أن يُعلَم حقيقة هذا الانتساب بدل أن يكون لحمزة أو الحسن بن حيدرة الفرغاني المعروف بالأخرم الذي كان هو أيضاً من مؤسسيها الثلاثة الأوائل. قد وجدتُ قولاً حول ذلك الجدل، يقوم على افتراض: هل المعنِي بالانتساب هو محمد بن إسماعيل نشتكين الدَّرَزي (بفتح الدال المشددة وفتح الراء) الذي ذكرناه، أم إلى أبي منصور أنوشتكين الدُّرْزي (بضم الدال المشددة وسكون الراء) الذي كان قائداً من قيادات الحاكم بأمر الله الفاطمي، لكن لم يُوجد سَنَدٌ يؤكد انتساب الدّرزيّة لأبي منصور أنوشتكين الدُّرْزي، لأن ظهور الأخير كان بعد حقبة الحاكم بأمر الله كما ذكر الخطيب في عقيدة الدّروز، لذلك رُجِّحَت النّسبَةُ إلى محمد بن إسماعيل نشتكين الدَّرَزي من دون أن يُعرف سبب ذلك على رغم محورية حمزة بن علي في الوجدان والعقيدة الدّرزيّة، لكننا وفي الوقت نفسه نجد أن الدّروز أنفسهم يُحبّون أن يُسمَّوا بالموحّدين كعنوان لمذهبهم أكثر من أيّ اسم آخر، بما فيهم عنوان: الدّرزيّة نفسه!
تعرضت العقيدة الدّرزيّة للكثير من التشويه وذلك بسبب سرّيتها وكتمانها الشديد على ما لديها من تراث ديني وفكري، والذي يقتصر الاطلاع عليه في داخل الطائفة الدّرزيّة على النخب المصطفاة. لذلك، مُلِأت عديدٌ من الكتب بما لا يوجد أصلاً في العقائد الدّرزيّة، وهو ما جعل الباحث في أمرهم يلاقي صعوبة في تفكيك الغث من السمين والحقيقي من الوهمي.
وفي حقيقة العقيدة الدّرزيّة يمكن القول إنها «حصيلة نهائية لمبادئ دينية وأفكار قديمة كان الإسلام قد حملها أو استعادها» نتيجة الفتوحات كما تقول هي عن نفسها. وهي في سياق تحديثها الديني ترى أن العقيدة المُوحِّدة قد التأم فيها ما كان من عقائد سبقت الإسلام من مِلَلٍ فارسية وأساطير قديمة وفلسفة يونانية وهندية استطاع الدين الإسلامي استيعابها وتبيئتها دينياً. وبالتالي فهي جميعها تشريبات رفدت (إلى جانب الإسلام) العقيدة الدّرزيّة، التي تأسست بصورة وثيقة على الطابع العرفاني. وبشكل دقيق فإن الموحِّدين الدّروز «لم يبنوا سعيهم إلى الحقيقة الإلهية وبحثهم عنها على المعنى الباطني للقرآن فقط، بل استندوا أيضاً إلى كتب خاصة بهم من مثل كتب الحكمة. وهي مجموعة من الرسائل كتبها الدعاة الدّروز إلى الأتباع، وهي بمثابة تفسير للتراث الإبراهيمي وتأويل له، مع الاعتماد على التصوف من جهة وعلى الفلسفة الإغريقية من جهة أخرى»، كما جاء في كتاب «الموحِّدون الدّروز».
فالدّروز يرون أن جميع الأديان الإبراهيمية المُوحّدة هي مُوصلة إلى الله، وبالتالي فإن تبديل الدين من الإسلام إلى المسيحية أو العكس، أو من الدرزية إلى دين إبراهيمي آخر هو لغرض دنيوي وتكسّباً للمال بحسب رأيهم. وقد تُحيلنا هذه الفكرة إلى القول إن العقيدة الدّرزيّة ترى أن كل شيخ درزي عاقل سالك يمتلك التفويض اللازم في تفسير النصوص الدينية الموروثة عن الحاكم وهو الإمام الفاطمي السادس الذي خُتِمَت به الإمامة التأويلية، وحدوده الخمسة (كما تُسمّى) تفسيراً غائراً ومُركّباً. والحدود الخمسة لديهم تعني أن للإمام الفاطمي خمسة وكلاء يفهمون عقيدته وهم: حمزة بن علي (الذي أشرنا إليه سابقاً)، وإسماعيل بن محمد التميمي، وأبوعبدالله محمد القريشي، وأبوالخير عبدالوهاب السابق، وبهاء الدين المقتني، ويتجاوزون فيعطون اللقب ذاته لجمال الدين عبدالله التّنوخي.
أغلب الدراسات التاريخية أشارت إلى أن الدّروز ينتسبون إلى قبائل عربية أصيلة. فمن بين طبقات التاريخ المكتوب يظهر المُوحّدون الدّروز على أن بناءهم الإثني قد تشكّل من خليط القبائل العربية في بلاد الشام. فمن قبائل اللخميّين جاء التّنّوخيون الذين استوطنوا حلب وحماة مع بداية انتشار الدعوة الإسلامية، ومن هؤلاء جاء الأرسلانيون والبحتريون كأهم بطنين درزيين تاريخين. كما يُشار إلى أن قبيلة ربيعة قد انتسبت إليها بعض العائلات الدرزية التاريخية كآل معن.
وبسبب ذهاب ريح البحتريين التّنّوخيين بُعيد هجمات الجيوش العثمانية آلت الرئاسة الدّرزيّة إلى آل معن المنحدرين من قبيلة ربيعة كما أشرنا. وبعد مقتل زعامتهم من آل معن انقسم الدّروز إلى قيسيّة ويمنيّة؛ ليدخلوا في صراع مرير زاد عن الأربعة عشر عاماً وانتهى بغلبة القيسيّة وانهزام اليمنيّة إلى أغوار سورية.
هذا الانقسام الدرزي الكبير قاد لاحقاً إلى انقسام متولّد في داخل القيسيّة الغالِبَة؛ لتنشطر إلى يزبكيّة وجُنبلاطية، واعتناق الحاكم الدّرزي القيسي الديانة المسيحية المارونية. فيتهيأ لبنان لدخول حرب أهليّة بين المسيحيين والدروز في أربعينيات القرن الثامن عشر كما جاء في المصادر.
يؤكد الإرث الديني الدّرزيّ أن الله سبحانه وتعالى «خَلَقَ بإرادته الخاصة العقل الكُلِّي الذي أعطاه بدوره النفس الكّليّة». ومن هذه الرؤية جاءت خمسة مبادئ كونية في صميم المعتقد لديهم. فبعد العقل والنفس الكُّلِّيَّتين جاءت الكلمة ثم السابق ثم التالي» وأنه «مرّ 343 مليون سنة ما بين خلق هذه المبادئ الكونية الخمسة والإنسان». كما اعتبر الدّروز أن العالم «قديم جداً».
في جانب آخر من الإرث الديني للدّروز تأتي الممارسات العبادية، التي عادة ما توجد لدى بقية الأديان كأماكن العبادة والطقوس. لذلك فمن قلب الديانة الدّرزيّة تسمع بالخلوات الصوفية التي تُحيى في مساجدهم، وبالمجالس التي تنشط في ليالي الجمعة وهي أشبه بالبيوت السكنية، يأتيها ما يُسمّون بالمبتدئين أو السالكين، وتشترك الأعمال فيها بين الصلاة والتفكُّر وتهذيب السلوك. كذلك هناك المقامات والمزارات التي يُقدّسها الدّروز، وهي في حدود الـ 27 مقاماً تتوزع على لبنان وسورية وفلسطين والعراق والجزيرة العربية، وهي لأنبياء وأئمة وصحابة وأولياء.
أيضاً، قرَّر الإرث الديني للدّروز مصطلحات قطعية في توصيف منازل الدعوة الدينية، فهناك العُقّال والجسمانيون، وهناك السّايس الذي يقود الصلاة في المجالس. كما تسمع عن عقيدة التقمّص الدّرزيّة القائلة إنّ «كل موحّد يُولد من جديد في جسد موحّد آخر» ثم تسمع عن إلباسهم الأموات أجمل ثيابهم ووضعهم في توابيت فارهة. ولأمانة القول إنني شاهدت جنازة أحد كبار العلماء الدّروز، ورأيت أن في صلاة الجنازة يبدأون بتلاوة سورة الفاتحة، ويُصلّون على النبي محمد (ص) ويتلون الأذكار الإسلامية في الحد الأدنى المتعارف عليه، ويُطلقون على المسجَّى لقب مسلم. وهي طقوس تخالف العديد من الأقوال التي تتهمهم بأشياء بعيدة عن الحقيقة.
وهنا يجب أن نشير إلى أمر مهم، للتدليل على لجوء الدّروز إلى الفقه الإسلامي في كثير من الأمور ولو على حد التبعيض. ففي مسألة التركة والمواريث عند المذهب الدّرزيّ، وبالتحديد عند وفاة أحد معتنقيه من دون أن يُوصي بشيء أو تمّ إبطال وصيته في المحاكم الدّرزيّة يتم اعتماد تشريعات المذهب الحنفي في ذلك. وقد كانت هناك دراسة منذ سنوات لتعديل قانون الأحوال الشخصية الدّرزيّ يقضي باعتماد التشريعات الجعفرية في مجال التركة من دون وصية كما ذكرت المصادر.
في جانب آخر من المعتقدات الدّرزيّة تسمع عن كتب الحكمة لديهم وكيف أنّها محفوظة عن أي مسعى لإعادة طباعتها، إيماناً منهم بأنّ تكثيرها يُساهم في سوء تفسير رسالتها وتشويهها على أيدي ضعاف العلم، وبالتالي فهم يتداولونها بالنَّسخ اليدوي للاستفاضة كما كان يشير سامي مكارم في كتابه «أضواء على مسلك التوحيد».
وتسمع أيضاً عن اللّفّة المُدَوَّرِيَّة التي لا تُعمّر على هامة أحدٍ من العُقّال إلاّ من له أحقيّة ذلك، وتمتدّ سلطته إلى الدّروز كافة في العالم. وفي تاريخ المُوحّدين الدّروز لم تشهد العقيدة الدّرزيّة إلاّ أربعة مشايخ فقط لبسوا اللّفّة المُدَوَّرِيَّة، وهم: الأمير عبدالله التَّنّوخي (ت 1479م)، وأبوأمين يُوسف طريف في فلسطين الذي توفي سنة 1993م، وأبوحسن عارف الحلاوي في لبنان الذي توفي سنة 2003م، وأبومحمد جواد ولي الدين الذي كان يعيش في إحدى الخلوات الخاصة في بعقلين بمنطقة الشوف بلبنان وتوفي في العام 2012م.
لا تختلف طائفة الموحِّدين الدروز عن غيرها من الطوائف المحدودة في عديد منتسبيها، على رغم أن هناك جدلاً حول تعدادهم الحقيقي. لكن ووفقاً للمعطيات والتحليلات حول ديمغرافية الوجود الدّرزيّ، نجد أن نسماتهم في لبنان لا تزيد على 250 ألفاً من الشعب اللبناني، وفي سورية عن 641 ألفاً وفي فلسطين عن الـ 120 ألفاً وفي الأردن عن الـ 20 ألفاً وفي المهجر كله عن الـ 136 ألفاً. بل إن نموّهم السكاني ظل محدوداً بحجم أصل تعدادهم. فمثلاً كانت نسماتهم في فلسطين قبل 129 عاماً هي 7360 نسمة. هذا يعني أنهم وفي بحر 12 عقداً لم يستطيعوا أن يُضاعفوا تعدادهم بشكل منتظم.
لكن كل تلك الأعداد البسيطة مقارنة بالمحيط البشري لم تكن رقماً زائداً على البيئة التي يعيش فيها الدّروز، بل إنهم كانوا محط أنظار العديد من الأطراف التي كانت تريد أن تكسب ودَّهم.
في جغرافيا الدّروز يذكر القاضي عباس الحلبي أنهم استوطنوا منذ مئات السنين في مضارب الجبال القريبة من السواحل المتوسطية الشرقية، يجمعها الشمالان السوري والفلسطيني ويسندها جبل لبنان، ثم ترتد شمالاً إلى حيث مرتفع السّمّاق المحصور بين حلب وأنطاكيا، ثم تنحدر صوب وادي التَّيْم السوري موصولاً بجبل حرمون، ثم إلى الجليل فصفد الفلسطينية حيث ينتهي إلى جبل الكرمل. وكان اختيارهم للجبال يعكس الميول النفسية التي عادة ما تجعل الأقليات يشعرن بالأمان في تلك المناطق البعيدة، وتحفظها من الذوبان في المحيط البشري الأوسع.
خلال البحث في جوهر الهوية الدّرزيّة التي شكَّلت شخصيتهم يظهر أنها مرَّت بمراحل عِدَّة، ولكن أهم مرحلتين هما: فتح باب الدعوة وغلقها. فقد فُتِحَ باب الدعوة الدّرزيّة التوحيدية مدة 26 عاماً فقط (408 - 434 هـ) لكسب الأتباع والمريدين، لكنها أغلِقَت ابتداءً من سنة 434 هـ. وبإغلاقها انزوت العقيدة الدّرزيّة إلى الظل، وأخذت ترفع شعار: الداخل إلينا غير مُرحّبٍ به، والخارج عنا غير مأسوف عليه. وقد أصرَّ الموحّدون الدّروز على حماية جماعتهم من الذوبان في المجتمعات المحيطة أو من فقدان الهوية، فأقروا قوانين صارمة للزواج تُحرِّم على الأتباع الاقتران من خارج الطائفة، وذلك لحماية نسيجها الاجتماعي. وفي العصر الحديث، كل مَنْ يريد أن يُتِمّ زواجاً من خارج البيوتات الدّرزية، فإن المحاكم لا تُجريه له، فيضطر طرفاه للذهاب إلى بلد أوروبي لإتمامه بصورة مدنية. وعادة ما تكون وجهتهم في ذلك قبرص.
لذلك، ترى العائلات الدّرزيّة زلالية بامتياز وقديمة في التكوُّن كما هو الحال مع بالنسبة للسلالة الأرسلانية، التي ينتمي إليها اليوم في الشويفات بقضاء عاليه المير طلال أرسلان زعيم الحزب الديمقراطي اللبناني، فهي تمتد إلى بداية الدولة العباسية قبل 1300 عام وربما قبل ذلك. لكن كل هذه الصرامة في حماية اللحمة الاجتماعية والدينية الدّرزيّة لم تمنع من قيام صراعات داخل الطائفة، والتي تحوّلت إلى صراعات مسلحة أدّت إلى إقصاء عائلات ومجيء أخرى كي تتسيّد على الجماعات الدّرزيّة، كما حصل مع التّنوخيين والمَعَنيِين. وربما كان للعلاقات السياسية وحسابات المصالح للطائفة الدّرزيّة وسط دول كبيرة جداً كالمماليك والعثمانيين دوره في حدوث تلك الإزاحات والمنافسة.
وقد أدى ذلك الانغلاق إلى تحوّلهم لغرباء ومحل شك من محيطهم، الأمر الذي دفع بالكثير من رجال الدّين المسلمين والكُتّاب لأن يقولوا فيهم ما ليس عندهم. بل إن فتاوى صدرت ضدهم في الأزمنة الغابرة قضت بتكفيرهم «وأن من شكّ في كفرهم فهو كافر مثلهم، وأنهم أكفر من اليهود والنصارى لأنهم لا تحل مناكحتهم ولا تُؤْكَل ذَبَائِحهم بخلاف أهل الكتاب، وأنهم لا يجوز إقرارهم في ديار الإسلام بجزية ولا بغير جِزْيَة ولا في حصون المسلمين» و «أنهم زنادقة أشد كفراً من المرتدين» كما جاء في كتاب «خلاصه الأثر في أعيان القرن الحادي عشر» وما دوّنه من آراء وفتاوى لبعض رجال الدّين، الأمر الذي زاد من تكتلهم على بعضهم وابتعادهم عن الاحتكاك بالجماعات الأكبر.
ألصقت بالدّروز الكثير من الاتهامات سواء على مستوى العقيدة أو على مستوى السلوك كما أشرنا. هنا أعطي مثالاً واحداً تدعيماً للفكرة، وهو ما وجدته في كتاب «النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة» لابن تغري بردي نقلاً عن شمس الدين أن زعيم الدّروز بعد أن انهزم من مصر وجاء إلى الشام «أباح لهم شرب الخمر والزنى وأخذ مال من خالفهم في عقائدهم وإباحة دمه؛ وأقام عندهم يبيح المحظورات» لكن نجد بعض المصادر عندما تتحدث عن أكبر مرجعية درزيّة في القرن الخامس عشر الميلادي وهو عبد الله التّنوخي تشير إلى أن من بعض مصنفاته «سياسة الأخيار في شرح كمالات النبي المختار» وفصول «في تحريم الخمر وكلّ مسكر» و «في آداب جوارح البدن: اللسان، العين، الأذن، اليد، الرجل، البطن» و «في آداب الزواج» و «النهي عن الاحتكار» و «في معاملات البيع والشراء والقرض والوديعة» و «في واجبات الدائن والمدين» وغيرها من الموضوعات التي تشير إلى عنايتهم بالمعاملات والعبادات. وهو أمر ينطبق على كتابات مراجع درزيّة أخرى كـ يوسف برّو الكفرقوقي ومحمد أبوهلال الذي كانت قصائده كلها «تمجيد للخالق والمآثر الدينية الحميدة» كما في الملل والنحل، وبالتالي يصعب تصديق الكثير من الاتهامات التي قيلت في الدّروز.
هذا المثال وغيره يُوجِب على الجميع التوخي والحذر في تناول المسائل الدينية لعقيدة الموحّدين الدّروز، وخصوصاً أننا نعيش أزمة افتئات ليس فيهم فقط، بل في العديد من شئون حياتنا الدينية والنظرة إلى الآخر. وهو السبب الأساس في استعار الخلافات القائمة.
العدد 4727 - الأحد 16 أغسطس 2015م الموافق 02 ذي القعدة 1436هـ
درزي فلسطيني
حيث لم يذكر جبل الدروز في سورية في مدينة السويداء وهي المنبع الأم والمرجع الاول والاخير لنا وللقراراتنا ولتوجهاتنا ..جبل العرب أو جبل الدروز هي بوصلتنا في جميع تحركاتنا .
ابدعت
صراحه كنت ابحث ولم اجد بحث يعطي فكره واضحه عن الدروز،شكرا
قلم متمكن و مبدع
الأستاذ محمد عمود من أعمدة الوسط و قلم يملك الإمكانيات الكبيرة .. أتمنى له دواااااام التوفيق
بحث يستحق التقدير
الشكر للكاتب الموسوعة
فجميل أن نبحر معه في مقالاته وبحوثه الثرية
متابع
قرأت الكثير عن الدروز ، لكن لم أقرأ من قبل بحثا بهذا الوضوح و المعلومات الغنية والاستدلالات الرائعة ، أدام الله لنا قلم الأستاذ محمد عبدالله ، اتمنى أن أرى كتبه في المستقبل .
وأجدد طلبي للإدارة بجمع هذه المقالات المطولة للأستاذ التي لا تنشر في قسم مقالاته العادية على الموقع ، أرى أن تجمع في قسم خاص حتى لا يضيع هذا المجهود الرائع . و شكرا