شيَّعت حشود، صباح أمس السبت (15 أغسطس/ آب 2015)، جثمان رئيس جمعية الإصلاح الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة، إلى مثواه الأخير بمقبرة الحنينية، في الرفاع.
وتقدم نائب جلالة الملك ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ورئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، الحضور في أول أيام مراسم العزاء، والمنعقدة بمجلس الشيخ خالد بن محمد آل خليفة بالرفاع، إلى جانب عدد من الوزراء وكبار أفراد العائلة الحاكمة، وشخصيات بحرينية عامة.
وفي حديث إلى «الوسط»، استذكر البحرينيون، سيرة الفقيد الممتدة على مدى 7 عقود، تصدر ذلك ما ذكره وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، والذي ترحم على الفقيد، وقال: «من دون شك، نحن نتحدث عن عملاق، ورحيله يحدث ثغرة، لكن ما قدمه لبلده وشعبه كثير».
الرفاع - محمد العلوي
شيَّعت حشود، صباح أمس السبت (15 أغسطس/ آب 2015)، جثمان رئيس جمعية الإصلاح الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة، إلى مثواه الأخير بمقبرة الحنينية، في الرفاع.
وشهدت أول أيام مراسم العزاء، والمنعقدة بمجلس الشيخ خالد بن محمد آل خليفة بالرفاع، حضور عدد من المعزين تقدمهم نائب جلالة الملك ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ورئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، إلى جانب عدد من الوزراء وكبار أفراد العائلة الحاكمة، وشخصيات بحرينية عامة.
وفي حديث إلى «الوسط»، استذكر البحرينيون، سيرة الفقيد الممتدة على مدى 7 عقود، تصدر ذلك ما ذكره وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، والذي ترحم على الفقيد، وقال «الشيخ عيسى بن محمد، فقيد كبير، قدم لبلاده الكثير في العمل والعطاء وفي الوقوف مع المحتاجين، ونسأل الله أن يتقبله في أعلى المراتب».
وعن الثغرة التي أحدثها الفقيد برحيله، قال الوزير «من دون شك، نحن نتحدث عن عملاق، ورحيله يحدث ثغرة، لكن ما قدمه لبلده وشعبه كثير، ولعل الدليل على ذلك ترحم الناس ومن مختلف الأطياف عليه، وكل ذلك في ميزان حسناته».
وأسدل رحيل الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة أمس الأول (الخميس)، الستار على 77 عاماً قضاها الفقيد متنقلاً بين سلك القضاء وتولي حقائب وزارية، شملت وزارة العدل ووزارة العمل والشئون الاجتماعية، والإمساك بعد ذلك بدفة سفينة جمعية الإصلاح التي احتفلت مؤخراً بإكمالها 75 عاماً على الإنشاء.
وبدرجة تقترب من الإجماع، نوه البحرينيون من مختلف المشارب، بالدور الفاعل الذي لعبه الشيخ عيسى بن محمد في مختلف الحقول والمجالات، من بين ذلك «ممانعته الشديدة لتطبيق قانون تدابير أمن الدولة في السبعينات، حين كان وزيراً للعدل»، وفقاً لتصريح الحقوقي سلمان كمال الدين.
بموازاة ذلك، عرجت الذاكرة البحرينية على البصمات البارزة للفقيد في الشأنين الوطني والعمالي، وسط تأكيدات تذهب إلى اعتباره «رجل التوافق»، في إشارة للقائه التاريخي بالشيخ عبدالأمير الجمري (رحمه الله)، ولانفتاحه على جميع الشخصيات من جميع الأطياف، وتوصيفه بجانب ذلك بـ «نصير الحركة العمالية»، في إشارة أخرى لدوره في تسهيل مهمة الحركة النقابية في البحرين، وعمله على توظيف من واجهوا معوقات أمنية في فترة تقلده حقيبة «العمل والشئون الاجتماعية».
أبعد من ذلك، يؤكد القريبون من الفقيد أنه «حين أصبح وزيراً للعمل، وقف مع الجميع دون أية اعتبارات للانتماءات العائلية أو المذهبية، بل كان حريصاً على المساواة بين الجميع».
عبداللطيف الشيخ: لا خوف على «الإصلاح»
نائب رئيس جمعية الإصلاح عبداللطيف الشيخ، تحدث بإسهاب إلى «الوسط»، مستعرضاً من خلال ذلك شئون الجمعية، ومؤكداً أن لا خوف عليها، بوصفها تنتمي لـ «دعوة ولَّادة، لا تموت».
وفي التفاصيل، قال الشيخ «صحيح أن الشيخ عيسى بن محمد ترك برحيله فجوة، نظراً لتاريخه المشهود في مجال الدعوة في البحرين وكذلك العمل الخيري الذي امتد بثماره إلى خارج البحرين، لكني أعتقد أن بصماته ستظل وهي عصية على الرحيل، لأننا نتحدث هنا عن شخصية تنتمي لدعوة ولَّادة والدعوة الولَّادة لا تموت، بمعنى أن هذه الدعوة ورثها لغيره، وهذا حال الدنيا فالإنسان حين يموت يموت بجسده أما أعماله فتبقى خالدة وثابتة».
وأضاف «يكفي فقيدنا فخراً وعزّاً مساهماته الجليلة في تربية أجيال متعاقبة في البحرين، بمن في ذلك الجيل الذي أخذ على عاتقه مع غيره من رجالات البحرين، العمل على نهضة البحرين، فخرج من خلال ذلك الأكاديمي والطبيب والمهندس والشرعي ومن يحمل همّ العمل الخيري سواء في البحرين أو خارجها».
عطفاً على كل ذلك، رأى الشيخ أن «بصمات الفقيد ستبقى مستمرة»، مستدلاً على ذلك بحديث الرسول (ص): (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له).
وأضاف «أعتقد أن الشيخ عيسى بن محمد، خلف هذه الأمور الثلاثة، وإذا ركزنا على عنوان (العلم الذي ينتفع به)، فإننا هنا نتحدث عن رجل يمثل واحداً من الرجالات الاوائل المؤسسين لجمعية الاصلاح في مملكة البحرين، فهذه الجمعية التي يعرفها الصغير والكبير والمواطن والمقيم وكذلك ممن هم خارج البحرين، تشهد لها أعمالها وخاصة في الجانب الشبابي والخيري والدعوي وفي الجانب المرتبط بتربية النشء، وتعليم القرآن الكريم، فمراكزها منتشرة في مملكة البحرين، والفضل في ذلك يرجع لله سبحانه وتعالى ومن ثم لهذا الرجل ومن أسس معه هذه الجمعية المباركة».
ورد الشيخ أية تساؤلات بشأن المصير المرتقب لجمعية الإصلاح بعد الشيخ عيسى بن محمد، وعقب على ذلك بالقول «رحل الشيخ عيسى بن محمد لكنه تمكن وبمعية الأوائل من تثبيت أقدام الجمعية، وهي كمؤسسة تمارس عملاً ممتداً في ربوع البحرين، ولدينا الآن نحو 6 فروع منتشرة في المملكة، وعملها يأتي بشكل منظم من خلال قطاعات تشمل القطاع الطلابي والقطاع الشبابي والقطاع الخيري وقطاع التواصل مع الناس والقطاع النسائي، وكل ذلك يدفعنا للقول بثقة كبيرة إن هذه المؤسسة ستستمر بإذن الله ونسأله أن يتقبل أجر عملنا وأن يجعله في ميزان حسنات الشيخ عيسى والأوائل الذين أسسوا الجمعية».
وإجابةً عن سؤال بشأن عمل الجمعية في الظل وبعيداً عن الأضواء، قال «في الأصل، عملنا كجمعية في الجانب الدعوي والخيري نقوم به لله، لكننا وحتى نعرف الناس بنا، نمتلك قطاعاً إعلامياً يقوم بهذه المهمة، فأنشطتنا منتشرة ولله الحمد في البحرين، ونعرف الناس بها من خلال الكتيبات ووسائل التواصل الاجتماعي، ويكفيك متابعة هذه الوسائل لتجد الفروع وأنشطتها المتعلقة بالجوانب المختلفة لعملها، بما في ذلك العمل الدعوي والخيري الذي تجاوز حدود البحرين حتى بلغ دولاً من بينها فلسطين».
وتعليقاً على علاقة الفقيد بفلسطين، قال «لاشك أن للشيخ عيسى بن محمد بصمات لا تقتصر على البحرين، وإنما تمتد لمختلف دول العالم الإسلامي ومنها قضية العرب الأولى قضية فلسطين، وهي قضية تاريخية تمتد بعمر جمعية الإصلاح التي أكملت 75 عاماً»، وأضاف «الجمعية منذ تأسيسها اهتمت بقضية فلسطين سواء من خلال الرحلات الإغاثية التي تقوم بها أو من خلال المساعدات التي تقدمها للاجئين الفلسطينيين في مختلف المخيمات، أو حتى للمشاريع والمؤسسات الفلسطينية داخل فلسطين سواء في غزة أو في القدس، وفي كل ذلك يحتقظ مشوار الشيخ عيسى بن محمد ببصمات واضحة جداً على جمعية الإصلاح باعتبارها جمعية خيرية ودعوية».
وتمكن الشيخ عيسى بن محمد، عبر رئاسته لجمعية الإصلاح لـ 18 دورة، من رسم خارطة طريق واضحة المعالم للجمعية، مقدماً خلاصة ذلك في توصيات يتحدث عنها نائبه عبداللطيف الشيخ بالقول «كما ذكرت فقد ترك الشيخ عيسى بن محمد بصمات واضحة في تربية جيل بأكمله، أما وصاياه فكان من ضمنها أن يسير هذا الجيل على ما سار عليه السابقون حتى نكون خير خلف لخير سلف، وعليه فإن كل المنتسبين للجمعية وحتى من هم خارجها يعرفون من هو الشيخ عيسى بن محمد من خلال وصاياه وكلماته».
كما تطرق الشيخ إلى توصيات الفقيد المرتبطة بالانفتاح على الناس والتواصل معهم، وقال «من ضمن ما كان يوصي به، أن نكون منفتحين أمام الناس جميعاً، فنحن دعوة تنتمي للدين الإسلامي، والإسلام منهج عالمي لا يقتصر على أحد وإنما هو منفتح على الجميع كونه دعوة تدعو بالحكمة والموعظة الحسنة»، وأردف «نحن دعاة لا قضاة، ومهمتنا تتركز في دعوة الناس والعمل على تنمية الجانب الأخلاقي الطيب المبارك في مملكة البحرين وخارج مملكة البحرين، وكان السير على ذلك، واحدة من وصاياه التي كان يتحفنا بها الفقيد دائماً».
وتابع «بجانب ذلك، كان الفقيد يدعونا على الدوام للمحافظة على الإخاء والأخوة بين جميع أعضاء جمعية الإصلاح، وحتى في حالة اختلاف وجهات النظر، كان يشدد رحمه الله على ضرورة ألا يؤثر ذلك على العمل الإسلامي العام الذي تقوم به جمعية الإصلاح».
وتحت عنوان «اللحمة الوطنية»، نوه الشيخ إلى ذلك معتبراً أنها وصية بارزة للفقيد، ولافتاً إلى أن «سيرة الشيخ عيسى بن محمد حافلة بالمواقف الوطنية التي يذكرها الجميع، ومن يتابع الآن ما يذكره الناس عنه، سيجد برهاناً ناصعاً على ذلك، والذي يشمل المواقف الوطنية التي تركها الفقيد حين كان وزيراً للعمل وحتى حين كان وزيراً للعدل وبعدها رئيساً لجمعية الاصلاح، كما كان له دور في صياغة ميثاق العمل الوطني، فهو عبر كل ذلك شخصية توحد وتدعو للوحدة وتمارس هذا الأمر وهذا الذي لمسناه بصورة مباشرة في سلوكه وحياته».
أما عن الترتيبات الإدارية لجمعية الإصلاح، وبشأن ما هو قادم في هذا الاتجاه، قال الشيخ «الجمعية هي مؤسسة تلتزم بقانون البحرين، تحديداً قانون الجمعيات الأهلية المسئولة عنه وزارة التنمية الاجتماعية، وعليه فإن مجلس الإدارة الحالي سيبقى الآن، أما مسألة رئاسة الجمعية فهي أمر سنخضعه لما يتطلبه وينص عليه القانون البحريني وسننظر في هذا الموضوع».
واختتم نائب رئيس جمعية الإصلاح عبداللطيف الشيخ حديثه بالإشارة إلى أن الجمعية هي مؤسسة وبالتالي فإن هيكلتها موجودة ولوائحها الداخلية «موجودة وستستمر بهذا النشاط الذي خلّفه الشيخ عيسى وغيره من رجالات الجمعية، وسنستمر على هذا المنوال بإذن الله عز وجل وسنحاول أن نكون لهم مثل الأبناء الصالحين الذين يدعون لآبائهم من خلال عملهم والذي سيثمر في الأرض بإذن الله».
علي أحمد: لحظات مؤثرة
بحديث بدأه بالقول إنها «لحظات مؤثرة»، عرج الأمين العام لجمعية المنبر الإسلامي (الذراع السياسي لجمعية الإصلاح)، عرج بـ «الوسط» على بعض ما تختزنه الذاكرة، ليقول «عرفت الشيخ عيسى بن محمد منذ الصغر، حيث درست في مركز تحفيظ القرآن وكان الشيخ منذ ذلك الوقت، من الابتدائي والإعدادي، يرعى مراكز التحفيظ ويحضر هذه المراكز التي تربي الأطفال ليسجل كل ذلك في ميزان حسناته».
وعن آخر المواقف التي جمعته بالفقيد، أوضح «في الفترة الأخيرة، تعب الشيخ رحمه الله، لكننا نتذكره في لقاءاته العامة، آخرها اللقاء الذي حصل بمناسبة مرور 75 عاماً على تأسيس جمعية الإصلاح وكلماته المؤثرة عندما قال: (هذه الدعوة لله سبحانه وتعالى وهي في أعناق الجميع)، إلى جانب حثه المستمر لأبنائه في جمعية الاصلاح وأبنائه في البحرين بشكل عام على (أننا لابد أن نصل لمنتهاها)، بمعنى أن نصل لمنتهى الحب والألفة بين جميع أبناء البحرين، وهي رسالة ستصل إن شاء الله للجميع، لأبنائه في جمعية الإصلاح وأبنائه في البحرين».
أحمد الذي رأى في الشيخ عيسى بن محمد رمزاً تجاوز بدوره حدود جغرافية البحرين، قال عنه «الشيخ عيسى ليس رمزاً وطنياً وحسب، لكن كذلك رمز للوطن العربي والخليج، فعلاقاته ممتدة وإن شئت أن تعرف الشيخ عيسى فهو في الجانب الإنساني اجتماعي ومتواضع، أما في الجانب الوطني والاجتماعي والخيري وكذلك السياسي، فهو بالفعل خير من يمثل المواطن البحريني المحب للجميع والمتواصل مع الجميع داخل البحرين وخارج البحرين».
وأضاف «لا أقول إلا رحمة الله عليه، ونتقدم بتعازينا لأهله وللعائلة الحاكمة فقد فقدنا بالفعل رمزاً وطنياً، لكن تبقى البحرين ولَّادة ونتمنى من الله أن تكون هذه رحمة على روحه الطاهرة وندعو الله سبحانه وتعالى أن يخلفنا من أبنائه وتلاميذه الصالحين».
وتناول أحمد سيرة الفقيد والهواجس التي تضمّنتها، مشيراً إلى أن «الهواجس التي حملها الفقيد كثيرة، فإن تكلمنا عن اللحمة الوطنية فهو اسم بارز في هذا المجال وإن تكلمنا أيضاً في الدعوة فهو علم من الأعلام، أما في السياسة فقد كان الفقيد قبل أن يدخل المجال السياسي، قاضياً، وهذا الأمر أتاح له صدراً يتسع للجميع ليحكم على الأمور بعدالة وإنصاف، وحتى حين أصبح وزيراً للعمل، يشهد الجميع بوقوفه مع الجميع دون أية اعتبارات للانتماءات العائلية أو المذهبية، بل كان يساوي الجميع».
وأردف «حين جلسنا مع الأطراف المختلفة من جميع التوجهات، من العمال والنقابيين، جميعهم يذكرونه بالخير ويقولون إنه كان بالفعل الوزير الذي يمثل جميع شرائح البحرين وهو منصف الضعفاء من العمال، حيث كان يقف معهم رغم أنه كان وزيراً»، وواصل «حين صدر قانون العمل كان بالفعل ممثلاً للطبقة العاملة في المجتمع البحريني وحتى حين أصبح وزيراً للعدل، عمل على تأسيس نظام يطبق القانون على الجميع ويتواصل مع الجميع».
كما بيّن أحمد أن الشيخ عيسى بن محمد، وبعد تركه للعمل السياسي مع السلطة التنفيذية، استمر بعمله الوطني وتواصله مع الجميع، فكان له دور كبير جداً في صياغة وإنجاز ميثاق العمل الوطني، وكان أحد أعمدة هذا المشروع عبر وضعه لرؤى كثيرة، وتكفي الإشارة هنا إلى الوثيقة التي قدمها وهي تكشف أن الكثير من بنودها وظف في صياغة الميثاق».
وبلحاظ مشوار العقود السبعة، قال أحمد «لا نستطيع أن نجمل حياة الشيخ عيسى بن محمد في هذه الدقائق السريعة، ولكننا نؤكد على رمزيته الجامعة للجميع، وشخصيته المحبة للجميع والمتواصلة مع الجميع، ونتمنى من الله سبحانه وتعالى أن يجازيه خيراً نظير كل ذلك».
«المنبريون» ينعون زعيمهم الروحي: رجل التوافق وعون الفقراء
نعت قيادات بارزة في صفوف جمعية المنبر الإسلامي، الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة، والذي مثل زعيماً روحياً للجمعية، بوصفه بـ «رجل التوافق والفقراء، حيث الأدوار الوطنية والخيرية شاهدة على ذلك».
يقول النائب السابق إبراهيم الحادي، مركزاً على بصمات الفقيد في مجال الدعوة «الشيخ عيسى بن محمد هو فقيد أمة ووطن ودعوة، وبالنسبة للشق الدعوي فهو من المعروفين بالدعوة إلى الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة، فالمنهج الذي سار عليه وسارت عليه جمعية الإصلاح، إنما هو المنهج الوسطي من غير غلو وتطرف وتراخٍ أيضاً، ومن غير ابتداع في الدين».
وأضاف «هذا هو منهجه للدعوة إلى الله، فابتسامته دعوة وكلامه دعوة، وحتى كلماته التي هي بالفصحى دعوة وهي ككلمات تحفظ عند أبنائه ومريديه».
وبشأن تاريخ الدعوة في البحرين، قال الحادي «تاريخها قديم وعريق، وكان للشيخ عيسى بن محمد السبق مع إخوانه في تأسيس مراكز تحفيظ القرآن الكريم النظامية في 1975، كما كان له ولجمعيته الدور الكبير في تأسيس هذه المراكز التي هي واحات للقرآن الكريم تخرّج الحفظة، ومؤخراً خرّجت 100 حافظ للقرآن الكريم وكل ذلك من غرس الشيخ وإخوانه».
ورثى الحادي، الفقيد بالقول «رحل جسد الشيخ غير أن آثاره وروحه باقية بيننا لتشجعنا دائماً، ورغم كبر سنه إلا أنه كان يحب الدعوة إلى الله ويجلس للمصحف ويتدارس مع إخوانه وأحبابه، يتدارس مع الصغير والكبير، فتراه في أطروحاته مداخلاته لا يحيد عن هذا المسلك وهو غني عن التعريف».
ونوه الحادي إلى أن الفقراء والمحتاجين هم من يُعزّون اليوم، وعقب «نحن نرى وكما ترى وتشاهد، أن الجميع يعزّي بعضه بعضاً في المقبرة ولو أخذت نظرة لرأيت هذا الأمر جليّاً، فالفقراء إن تكلمت عنهم فهنالك جمعية الإصلاح التي كان يديرها ولجنة الأعمال الخيرية التي انبثقت منها، وهي في الحقيقة من أكبر المؤسسات التي تقوم على رعاية الفقراء والمساكين والأيتام داخل البحرين وخارجها وكل ذلك لم يأتِ من فراغ إنما هي جهود جبارة ومتراكمة لهذه الجمعية، فتجد أن الأيتام يبكونه والفقراء يبكونه لكنه ولله الحمد وبعد أن وضع نظاماً مع إخوانه في الجمعية، فقد جعل من هذا العمل صدقة جارية له وللمسلمين ولمن تبرع له، وحتى إن رحل عن هذه الدار فإن أثره باقٍ».
بدوره، قال النائب السابق سعدي محمد «الشيخ عيسى بن محمد، هو المربي وهو الأب وهو الأخ، تربينا معه منذ أن كنا صغاراً في المبنى الأول لجمعية الإصلاح والذي تحول حالياً لبيت للتراث»، وأضاف «لم نرَ إنساناً في مثل تواضعه وأخلاقه ومثل تحمله. كان ينقل معنا الكراسي وكان حريصاً على الدوام على خدمة الشباب بنفسه».
وعن قيمة الفقيد من الناحية الوطنية، قال محمد «الشيخ عيسى من الناس القلائل الذين تحصلوا على توافق من قبل طوائف البحرين عليه، والسائد هو الاختلاف بين التيارات الفكرية على الغالبية من الشخوص».
كما امتدح دوره في هذا الجانب كثيراً، حتى قال عنه «هو رجل توافقي بين الجميع ورجل وطني من الدرجة الأولى، وهذه وجه من أوجه الخسارة التي لا تعوض، فهو محبوب عند الجميع داخل البحرين وخارجها، لكننا ورغم ذلك نقول إنه باقٍ بالأثر الذي تركه وبالأجيال التي ربّاها، ورب العالمين سينزله إن شاء الله منازل العليين».
أما هواجس الفقيد، فقال عنها محمد «كان الهاجس الأساسي له، بجانب الإصلاح والتوجيه والتربية، موضوع الوحدة الوطنية في البحرين لذلك زار الشيخ عبدالأمير الجمري، وكل الجمعيات الموجودة، من أجل تعزيز اللحمة الوطنية وبصماته في ذلك خالدة وهي تأكيد على أن الفقيد بانفتاحه قادر على استيعاب الجميع، وكان بجانب كل ذلك صاحب دور كبير في صياغة ميثاق العمل الوطني وفي دعم المشروع الإصلاحي».
كما اعتبر أن الشيخ عيسى «أحد القلائل الذين لم تلوثهم الطائفية، وهذا الأمر يشهد به القاصي والداني، الصغير والكبير، الغني والفقير، فقد صاحبناه في عدة رحلات داخل البحرين وخارجها وكنا نمشي في الشارع وحين يصادف مروره أي طفل أو امرأة أو مسن، ويطلب منه شيئاً، لا نرى منه إلا التلبية السريعة».
عيسى بن محمد... المثقف والصديق ونصير الكادحين
في توافق بدا نادراً، عبرت شخصيات مجتمعية من أطياف متعددة لـ «الوسط»، عن تقديرها الكبير للأدوار المتعددة التي قام بها الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة، متضمناً ذلك صيته كمثقف، وما قدمه من نصرة للطبقة العمالية والكادحة.
يبدأ رفيق دربه مبارك بن دينه الحديث عن ذلك، ليقول «تعازينا نقدمها لعائلة الشيخ عيسى بن محمد، فهذا الرجل عرفناه منذ الخمسينات كطالب وكزميل وأخ، فحين سافر للقاهرة رجع بعدها ليقدم ما في جعبته من خير لبلاده، فاستطاع أن يحوّل كل ذلك لهذا الشعب، فكانت له الكلمة والبصمة الخالدة، وكلي ثقة في أنه سيلاقي كل خير نظير أعماله التي كانت كلها تدور في فلك الخير سواء من خلال تقلده لعدد من الحقائب الوزارية أو من خلال نادي الإصلاح قبل أن يتحول لجمعية».
وأضاف «كانت له الإنجازات الواضحة في البلد، وعمل على توجيه الشباب، والواقع يقول إنه توفي، لكنه خلف 3 أولاد وهم محمد وعبدالله وسلمان وكلهم سائرون على سيرته ونهجه الخالد».
أما الإعلامي حسن كمال، فرثى الفقيد ثقافياً، حيث قال «كان الفقيد من أوائل مثقفي البحرين ومن أوائل من اضطلعوا بالمهمة النزيهة مهمة المحاماة، ودائماً هو في قلب المجتمع سواء من خلال الجمعيات الثقافية والسياسية أو من خلال العمل في مهنة المحاماة ومعروف من المثقفين الأوائل في البحرين، فرحمة الله عليه وأسكنه فسيح جناته».
واختتم الحقوقي سلمان كمال الدين، سلسلة الشهادات بحق الشيخ عيسى بن محمد بالقول «المرحوم الشيخ عيسى بن محمد هو من الرجال الوطنيين والمخلصين لهذا الوطن وللأمتين العربية والإسلامية، فبصماته واضحة منذ أن كان وزيراً للعدل ومن ثم وزيراً للعمل والشئون الاجتماعية ومواقفه وطنية بجدارة واعتزاز ونحن بفقده فقدنا قامة وطنية نعتز بها، ودعاؤنا إلى الله بأن يكون الفقيد بين رحمته وجنانه».
وعاد كمال الدين بذاكرته إلى المنتصف الثاني من عقد السبعينيات، حيث كان الشيخ عيسى بن محمد وزيراً للعدل، لافتاً إلى أن «الفقيد، عندما طُبق قانون تدابير أمن الدولة، رفض بشدة تطبيقه، ثم انتقل إلى وزارة العمل والشئون الاجتماعية وكلما كان هناك معوقات لتوظيف الخريجين من الجامعات العربية من قبل أجهزة الأمن كان يوظفهم في وزارته وكان إنساناً حكيماً عادلاً ونزيهاً»، وعقّب «القطاع العمالي يشهد له بالفضل في مسألة تسهيل النشاط النقابي، فقد كان نصيراً للحركة العمالية ونصيراً للإصلاح والعدالة وحقوق الإنسان».
العدد 4726 - السبت 15 أغسطس 2015م الموافق 30 شوال 1436هـ
الله يرحمه
الله يرحمه ويغفر له