العدد 4725 - الجمعة 14 أغسطس 2015م الموافق 29 شوال 1436هـ

جيش بالملايين من المرضى النفسيين

سعيد محمد saeed.mohd [at] alwasatnews.com

بجنون عارم، يقتل أبناءه الثلاثة ليثبت للناس – بحسب قوله – أنه «ذو بأس شديد»! وآخر يعود من الحجّ لينحر ابنته الشابة لأنه – حسب إفادته – رأى والدته المتوفاة في المنام تخبره بأن ابنته «ليست صالحة»! وشرذمة من القتلة تفتك بالناس وتفجّر في المساجد وفي الأسواق وفي الحياة كلها، خصوصاً وقت الظهيرة، لتلحق على الغداء في جنان الخلد مع رسول الله (ص) ومع الصحابة (رض)! بل لاشك في أن بعضهم وصل إلى أعلى مراحل «الإيمان» ليعتبر نفسه، ليس من أحفاد الصحابة، بل من الصحابة، متنعماً بمكانتهم السامية.

دواعش ونواصب وروافض وكفرة ومشركون ومجوس وخونة وأعداء الله وأحباب الله، نساءً ورجالاً، هم بالملايين دون شك في مجتمعاتنا العربية والإسلامية الذين لم يعد مستغرباً أن يقولوا عن أنفسهم أنهم من الصحابة أو من أولياء الله الصالحين، وهم في حقيقة الأمر ليسوا إلا صورةً في أشد انعكاس الخطر على المجتمع العربي والإسلامي، يفرزون أمراضهم النفسية والاجتماعية وجنونهم في التدمير والذبح وسفك الدماء.

هكذا، قرأت نتائج دراسات مجموعة من الباحثين العرب والمسلمين في مجال علم النفس والمجتمع، ومن بينها دراسة قيّمة للباحث لطفي عبدالعزيز الشربيني من جمهورية مصر العربية، الذي دقّ ناقوس الخطر والحذر في بحث «عصر الأمراض النفسية»، وهو بحث يساند أبحاثاً اجتماعية وإنسانية أخرى شخّصت المخاطر التي يشكلها ملايين العرب والمسلمين من ذوي القابلية الداعشية والإرهابية والطائفية، ممن تربّوا في بيئات غذّتهم بالمناهج التعليمية (الديناميتية)، وملأت عقولهم وقلوبهم بشوائب الخطاب الديني المتطرف بكل تشدّده المقيت، مضافاً إلى ذلك كله، الأوضاع المعيشية السيئة والحرمان وانعدام العدالة الاجتماعية والقمع والاستهداف والتمييز. وهذه صور باتت واضحة في الكثير من المجتمعات العربية والإسلامية.

الباحثون يريدون إيصال أصواتهم إلى الحكومات العربية، ليقولون لها بصريح العبارة: «لستم في حاجة إلى السلاح والعتاد العسكري. ما عاد ذلك يهم. الخطر سيكون من جيوشٍ من ملايين القتلة والمرضى النفسانيين والطائفيين وذوي الميل العدائي المضاد للمجتمع (سايكوباتوتيك)، فأنتم في حاجة إلى جيش من التربويين المعتدلين المؤهلين لإزالة العبوات الناسفة المزروعة في مناهج التعليم، وإلى جيش من الخطباء والمشايخ والدعاة والباحثين الاجتماعيين والإعلاميين ومنظمات المجتمع المدني، وإلى قرار سياسي حازم يدعم كل أولئك، في تنظيف المجتمعات من مخاطر وارتدادات ملايين القنابل. فمنهم من يعتبر نفسه من الصحابة الكرام، ويتلذذ بنحر رقاب خلق الله لأنه يصنفهم على هواه باعتبارهم كفاراً أو مشركين أو أعداءً لله ولرسوله، فيما هو «المجنون»، التقي الورع القاضي بأمر الله!

حين شاهد الملايين جريمة حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، تحدّث عالم الاجتماع والنفس الأردني حسين خزاعي محللاً فيديو الحرق بقوله: «إن من قام بإنتاج هذا الشريط أو الفيديو بهذه الطريقة يشير إلى شخصية سادية وحشية. ومن الواضح أن هؤلاء شخصيات سادية تتلذّذ بتعذيب الآخرين وترويعهم. قيادات هذه التنظيمات - دون أي شك– هي قيادات مريضة مضطربة وليس لديها أي اهتمام بالقيم الإنسانية، فما شاهدناه يحمل دلالات نفسية وسياسية أخرجت بطريقة مرعبة تدل بشكل قطعي على أن هذا الجماعات مشوهة فكرياً وذهنياً».

الباحثون يجمعون على محور مهم، وهو دور الحكومات، وبعضها متهم بأنها غذّت على مدى عقود طويلة، ولا تزال تغذي، الطائفية والكراهية والتمييز والتناحر المذهبي، وحتى يتخلص المجتمع العربي والإسلامي من هذه الجيوش المدمّرة، فإن المطلوب ثقيلٌ جداً، ويتطلب سنوات من العمل بحزم، تبدأ بقناعة تلك الحكومات في أن الخطر داخلها ثم داخلها! فالتنشئة الاجتماعية الخاطئة ومناهج التعليم القبيحة وغياب العدالة الاجتماعية ونشر نمط التشدد والتكفير في الخطاب الديني المسنود رسمياً من بعض الحكومات، جعل البيئة العربية والإسلامية منتجة للأمراض النفسية، كما يؤكد على ذلك أستاذ واستشاري الطب النفسي بجمهورية مصر العربية أحمد عبدالله.

بالطبع، من بين أولئك المجرمين أدوات وأجهزة وأصوات ومشاريع إعلامية كبيرة جداً، ولن نتساءل عن مصدر تمويلها فهذا يحتاج إلى شرح طويل مفصل، ولكن لنتحدث عن اتجاهات الترويج في وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات والإعلام الالكتروني لنجري دراسة مقارنة بين الخطاب المعتدل ومعدل انتشاره، والخطاب التكفيري المتطرف ومعدل انتشاره، فالأخير هو الأقوى وهو الذي يحظى بالدعم كما هو حاصل في كثير من الدول، حتى أن البعض (ممن يحسب نفسه على الصحابة رضوان الله عليهم وهم منه ومن أفكاره وأشكاله براء)، يرى أن تأويل آيات القرآن الكريم ونصوص السنة النبوية الشريفة حسب ما يهوى، ما هو إلا نصرة للدين الإسلامي.

يا حكومات العرب والمسلمين، أكرر سؤالي: «ماذا يفعل كل أولئك المستشارين في مكاتبكم؟ وإذا كانوا يصنعون خيراً وينصحون ويقدّمون الدراسات، هل تستمعون لهم بالفعل؟ ثم لماذا نعيش كل هذا الدمار الذي ينبع من داخل مجتمعاتنا؟ لم يعد هناك وقت أكثر لاستخدام القمع واللغة الدموية والطائفية والفساد والصدام المذهبي. وقت الحزم، يتطلب إعادة بناء المواطن العربي المسلم منذ أول يوم يدخل فيه إلى المدرسة.

إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"

العدد 4725 - الجمعة 14 أغسطس 2015م الموافق 29 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 10:00 ص

      من ابر

      هدي بالظبط المشكله الرئيسيه للعرب و المسلمين.......حلها بلوه

    • زائر 11 | 7:54 ص

      زائر رقم 9

      أحسنت الرد

    • زائر 10 | 6:14 ص

      جائهم

      جائهم رسول الله محمد \\ص\\ وحرمهم من لذة الكفر والشرب والفساد وجهلهم الذى كانو يتلذذون ابه لهادا انتقمو منه شر انتقام وقتلوا اهله عليهم السلام والان احفادهم يقتلون فى الابرياء ليكملو الانتقام باسالة الدماء وهم يصلون كل يوم ويقولو للناس نحن اصحاب الاسلام واذا فعلنا وقتلنا هاده اوامر امير المؤمنين سفاك الدماء البغدادى وهو اصله يهودى المشتكى لله وقاتل الله الجهل والله يرحم شهداء الابرياء

    • زائر 8 | 4:53 ص

      الجاهلية

      عندما اخل معاوية باتفاقه مع الامام الحسن بتداول السلطة بنظام الشورى و جعل نظام ذلك العصر رمزا توارثه معظم العرب فقد دمر هذا النظام العرب و افقدهم صوابهم و هاهم الان كم ترون و تسمعون. امة فاشلة منذو ذلك العصر و جاء الحسين فقتلوه و اصحابه و بنيه و هذه النتيجة شعوب مرضى او موتى وهم احياء.

    • زائر 7 | 4:20 ص

      جيوش المجانين ..

      ليس المجنون فقط هو من تحيطه أسوار مستشفى المجانين بل من يعيش حراً ولكن تحيط به أسوار طلاسم الأفعال فهو يفعل الأشياء دون أن يسأل لماذا أفعل ويفكر في أشياء لا طائل من إتعاب الذهن في تحليلها بل ويبرر أخطاؤه اللا منطقية بأسباب لا منطقية أيضاً .
      المريض النفسي والمجنون ..
      هو من يأكل أموال طفل يتيم .. مبرراً سرقته بحاجته تاركاً هذا الطفل في عداد المحتاجين وهو من يضرب رجلاً ضعيفاً متعللاً بأنه سبّه أو لوح له بيديه أو نظر إليه نظرة لا تعجبه

    • زائر 6 | 3:36 ص

      امة عربية فاشلة

      منذو عصر ......حتى يومنا هذا لم يتعلم العربي الحكمة و النظام. الانظمة العربية توارثة من نظام ........ الوحشية و الظلم و التمييز و الطائفية و الحقد و الانتقام فاصبح العرب مرضى نفسانيين و خطر على البشرية و يجب التخلص منهم لانهم و باء على الانسانية.

    • زائر 5 | 2:21 ص

      لقد اسمعت لو ناديت حيأ

      لقد اسمعت لو ناديت حيا هذة هي الحكومات العربيه وعلي راسها المستشارين

    • زائر 3 | 1:22 ص

      كلام خطير جدا ينذر بكارثة

      الكارثة في داخل نفسنا ومجتمعنا
      فعلا ملايين الملايين
      مرض نفسي

    • زائر 2 | 12:08 ص

      أعطي الحسين حقه وأعطى الحسن حقه

      يجب عليك أن توزع مقالاتك بالانصاف أيهاالكاتب الجليل لأن الخبر المتداول أمس اكتشاف أكبر مخزن سلاح في تاريخ الكويت لشبكة إرهابية كانت تخطط إلى زعزعة أمن الكويت وهم ليسوا من جند الصحابة والدواعش

    • زائر 9 زائر 2 | 5:16 ص

      عجبني زائر رقم 2 أعطي الحسين حقه والحسن حقه سلام الله عليهما

      ردك وايد جميل أخوي.. صراحة مفحم.. بس مسألة اعطي الحسن والحسين عليهما السلام حقهما هذه عبارة نسمع عنها لأول مرة وهي أصلًا لا تتطابق مع مكانتهما من جدهما النبي "ص" كما يعرفها الجميع.. اللهم اللي مايعرف ذي شي ثاني.. بعدين، بالنسبة للكويت، قلنا لكم ترى احنا نعرف الوسط من زمان ذي الحجي موب من الحين..ما تكتب عن قظايا هاللون إلا بعد حكم القضاء .. موب تعال واتهم وافلت وفلقع.. شغل صحافة ميانين أكاهي عندك جرايد ....... يبه في دستور وقانون..شبكة ارهابية خل يصدر حكم القضاء وبعدين تكلم

    • زائر 1 | 10:16 م

      رحمة لوالديك

      لقد أصبت الهدف أين من يمد يده معك ليكون جيشا من التربويين أو المستشارين لدى الدول العربيه للقضاء على مثل هذه الفئة من الناس/التربوية حاضرين ولكنهم غاضبون ومتعددة يريدون من يفتح لهم المكاتب لعلاج مثل تلك الحالات الشاشه المرضية اللا مرضية في مجتمعاتنا وخوفا من أجيالنا تلقادمه/والعنف من أموالنا الفاسده

اقرأ ايضاً