في أحد المطاعم الشعبية المشهورة بـ «الشاورما» اللبنانية في المدينة، وقف العم «عزوز» كقامة عمارة يشرح لأحد الشبان الوافدين مهنته التي ورثها جَداً عن أب قائلاً: أبدأ نهاري عند السابعة صباحاً، أخمر بيدي اللحم الأبيض والأسمر، كلاً على حدة بالبهارات والليمون والكزبرة في طناجر كبيرة وبعد ست ساعات أضعها في مكنتها الدوارة مسلطاً عليها النار كي تنضج، حتى إذا جاء المساء، نضجت اللحوم وانتشرت رائحتها، بدأ الزبائن بالتقاطر إلى المحل، في الليل وبعد أن تهدأ العيون ويهدأ الهواء الشمالي وتنقشع الغيوم عن السماء، ظهر الهلال وبان في المدينة، معلناً عيداً سعيداً، أنواره تتلألأ على امتداد الفنادق والعمارات في المدينة المظلومة.
لحظات وإذا بأربعة من الشبان عطشى وجياعاً يترجلون من مركبتهم يمشون بضعة أمتار بحثاً عن دليلهم، لكنهم يعرفون من أين تؤكل «الشاورما» ويشرب المنكر، جاءوا ليلة العيد لإحياء حفلتهم السنوية كما يزعمون، لم ينتظروا كثيراً قبل أن يسألوا عن دليلهم داخل الطرقات وبين العمارات: «كيف نصل إلى العم عزوز في عمارة الحكمة؟»، سأل أحدهم مجموعة من الشبان الواقفين خارج أحد الفنادق ينتظرون دورهم!، فيرشدونه إليها في ليلة قمرية من ليلة العيد الجميلة، وهي المدينة الصامتة الحزينة الصابرة على فجور الشباب حتى ساعة الفجر تتخلل العمارات الشاهقة روائح الشاورما وأسياخ الكباب، لكن تنبعث أيضاً من أدخنة باراتها ومقاهيها روائح الشيشة المعسلة مع أصوات خفيفة تصدر بين فترة بعضها للقطط تتعارك فيما بينهم على ما يرمى من فضلات اللحم الأبيض واللحم الأسمر، هذه القطط تشبه تماماً الشبان الوافدين، حينما يثملون ويثملون يتعاركون أيضاً فيما بينهم لكن بالسكاكين، حتى إذا سالت الدماء على وجوههم وملابسهم كانت نهاية حلقة العراك الليلي بحضور مركبة الإسعاف! ليهلك من هلك، على ماذا؟ على اللحم الأبيض الآسيوي المستورد أو الأسمر المحلي!
الشبان الأربعة، العشرات، بل المئات من الشباب كلهم قدموا بمركباتهم قاطعين مئات الكيلومترات بحثاً في كل ليلة عن لذة شيطانية!
مدينة صغيرة لكنها تشبه كباريه من كباريهات بلاد العرب، حتى غدت مشهورة لدى الشباب يقصدونها من كل مكان لاحتساء كؤوس المنكر حتى الفجر يكلّفهم حياتهم قبل مئات الدولارات، وبعد انتهاء أعمال ليلة العيد السعيد يغادرون، لكن بعضهم قد لا تستطيع رجلاه الوقوف أو حمل جسمه للمركبة والعودة ثانية فيبات ليلته في المدينة، وقد يصحوا فيجد نفسه في أحد مراكز الشرطة أو المستشفيات، وقد لا يصحو بتاتاً فيجد جثته في غرفة مظلمة داخل لحده، تاركاً وراءه أطفالاً أبرياء وزوجة محتشمة طالما صبرت على صفعاته مخلفاً ندابات في وجهها وعينيها وكدمات في جسدها، وإذا استلزم الأمر أقفل عليها غرفتها مع أولادها وحبسها في سجن انفرادي حتى عودته من لذته أو قد لا يعود إلى الأبد!
مهدي خليل
ما أضيق العيش حين تنتكس فطرة الأقوياء، ضعيف القلب الذي يستخدم تلك القوة الساذجة ليقهر بها مسكيناً مستضعفاً في الحياة يلهث وراء لقمة العيش ليسد بها رمق أطفاله، ما أضيق العيش حين تسود الدنيا في نظر البؤساء والمعذبين في الأرض، في الوقت الذي ينعم فيه أبناء الأغنياء منذ نعومة أظفارهم ليتكبروا على بقية كرامة الإنسان.
ما أضيق العيش حين يستغل الكبار مواهب الصغار وطاقات المبدعيين ليصعدوا على أكتافهم إلى قمم النجاح وعلياء المجد ليكتب لهم المجد المعظم.
ما أضيق العيش حين تستباح عقول المفكرين البسطاء ليسطر التاريخ أمجاد الأغنياء، حين يأتيك من يأتيك من أصحاب العقول البليدة التي لا تفقه شيئاً في الحياة إلا في الأكل المفرط سراق المواهب المطمورة على جنبات التاريخ، ثم تجد اسمه لامعاً بين صفحات الصحف، وأنت على يقين أن هذا الظهور ليس من بنات أفكاره وعصارة تجاربه، بل من ورائه عقول مبدعة طمرها التاريخ نظراً لظروفهم المعيشية القاسية، فأصبحوا خلف المركب ليستغلهم صاحب العقل البليد ويمتطي عقولهم فيظهر أمام الناس أنه عقلية فذه مبدعة.
ما أضيق العيش حين تكون الطعنة الاولى من أقرب الناس إليك، وظلم ذوى القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند، وقبله قول النبي (ص): «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة».
ما أضيق العيش حين يكون الظلم هو سيد العدالة وميزان العدل ونبراس السياسة المقيتة، عندما يظلم الصغير ويداس على كرامته وكبريائه لصالح الكبير المتغطرس المتجبر على مسمع الكون وأمام ناظريه.
ما أضيق العيش حين يقع الظلم أمام عينيك وتبقى مكتوف اليدين لا تستطيع رفعه.
ما أضيق العيش حين يسلب قوت الفقير وزاده لتكبر به أرصدة الأغنياء.
ما أضيق العيش حين تذوب الرجولة في أشباه الرجال المنسلخين عن عاداتهم وتراثهم الأصيل، ولكن في نهاية المطاف فإن أضيق العيش وأشقاه حين يهرب الإنسان من ربه لا إلى ربه بل إلى شيطانه وهواه ظناً أن السعادة في شهواته وملذاته الدنيوية الفانية بعيداً عن ربه الرحيم اللطيف الذي يمنحه السعادة الدائمة في ظل الشقاء المستمر في الدنيا بين نكباتها وآلامها وأحزانها المترامية على جنبات الطريق.
صالح بن علي
نريد قلوبا تصلي صلاة موحدة ولا نريد قوالب تصلي هذه الصلاة. القلوب تصلي في أي مكان، فكل الأماكن مساجد للقلوب. كنا سابقاً لا نصلي في مسجد واحد، ولكن كانت قلوبنا وهي في مكانها تصلي للحب والمودة والعشرة والوقوف كتفا بكتف في الأفراح والأحزان.
كنا إذا جلسنا مع بعضنا لا نتحدث إلا عن الحب والود، وفي شئون دنيانا، ونسأل عمن غاب ونزوره للاطمئنان عليه. لا نتطرق فى أحاديثنا عن المذاهب ولكننا نتحدث عن الإسلام الواحد. كل يعبد الله على عقيدته ومذهبه، ولكن المحصلة أننا نتجه إلى إله واحد ونتبع سنة واحدة هي سنة النبي (ص) ولو اختلفنا في الوسيلة، ولكننا على طريق واحد يوصل في النهاية إلى الله.
تزوجت من سيدة فاضلة، رحمها الله من الطائفة الكريمة الشيعية، وعشت معها أربعين سنة وأنجبنا الأولاد والبنات، ولا أذكر طيلة السنين التي قضيناها حتى توفاها الله بأننا تناقشنا أو تطرقنا إلى المذهب، وكلُ منا يمارس عبادته على مذهبه. وأذكر أن أحداً سألها على سبيل الدعابة إلى اي مذهب سينتمون أولادك؟ فكان ردها: يكفيني أن ينتموا إلى الإسلام. لنعد إلى صلاة القلوب، لا نحتاج إلى مبادرات بل نحتاج إلى قلوب متحابة صافية نظيفة. لا نريد وسطاء يجمعوننا فنحن تجمعنا كلمة لا إله إلا الله ويجمعنا الوطن وتجمعنا المحبة.
خليل النزر
العدد 4725 - الجمعة 14 أغسطس 2015م الموافق 29 شوال 1436هـ
جميلة مقالاتكم
ليلة العيد ، آخ مقال ع الجرح !
الله يصلح حال بحريننا بلد العلماء
السلام
الله يرحم زوجتك
السلام
كلامك حليو يا خليل عجبني
السلام
مهدي وين هذه المدينه
السلام
كلامك حليو يا علي عجبني
إلى مهدي خليل
أعجبني مقالك كثيراً واسلوبك في الطرح .. كل التوفيق وإلى الأمام ان شاء الله..
عجيب
المقالات رائعة