العدد 2474 - الأحد 14 يونيو 2009م الموافق 20 جمادى الآخرة 1430هـ

مَنْ يُسْمِعُ أحْمَدِي نَجَادْ هَذَا القَوْل؟!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

فاز أحمدي نجاد في انتخابات الرئاسة العاشرة وفازت معه حُقبته. زكّى الإيرانيون مشروعه وسياساته وخططه وبرامجه وحتى صوته العالي ضد خصومه طيلة الأربع سنوات الماضية. وهو خيار لا يُمكن لغير الإيرانيين أن يقولوا فيه نعم أو لا، كما لا يُمكن لأحدٍ أن يلومهم حين يختارون مَنْ يريدون لحكم بلدهم.

حول الانتخابات الأخيرة أفرِدُ لها ما يناسبها من حديث بعد أيام. خصوصا وأنني كتبتُ هذا المقال في الساعة العشرين من يوم السبت. حينها كان قد أعلِنَ أن أحمدي نجاد قد فاز بولاية رئاسية ثانية.

ما سأتحدث عنه اليوم هو وَصْلٌ قائم بين دورة الرئيس الأولى في الرئاسة وحملته الانتخابية، وانتهاء بمآلات برامج دورته الجديدة التي يبدو أنه يدخلها وهو أمتن عودا من سابقتها نظرا لحجم الزخم الذي ناله في قبالة الانتقادات التي واجهته.

اليوم وفي جردة السنين الأربع لحكم الرئيس أحمدي نجاد. لن أتكلّم عن السياسة الخارجية للرجل، لأنني لازلت أعتقد أنها كانت جيّدة. ومنَحَت إيران حظوة دولية في مفاوضاتها النووية. ونَقَلَتها من وقف التخصيب إلى تعليقه ثم التراجع عن العنوانين والتفاوض معها بلا شروط.

لذا فإن الحديث ليس عن ذلك الملف الخارجي وإنما عن إدارة الرئيس أحمدي نجاد للعلاقات الداخلية في الحُكم، وحدود الخصام والصُلح فيها. وعن خطّ الرجعة في المنعطفات. أو الإقدام حين يتطلب ذلك، والإحجام حين تقتضي المصلحة.

منذ مجيئه إلى السلطة تخالف أحمدي نجاد مع أصدقائه قبل خصومه دون أسباب وجيهة. خَرَجَ من حكومته مفاوضه البارع في الملف النووي (ورئيس البرلمان الحالي) علي لاريجاني، وكان يُمكن له أن يستفيد من قُدُرات الرجل كما استفادت منه الحكومات السابقة.

كما غادر حكومته خيرة الكوادر التكنوقراطية المحافظة كرئيس البنك المركزي إبراهيم شيباني ووزراء التعاونيات محمد ناظمي أردكاني، والصناعة والمعادن علي رضا طماسبي والنفط وزيري هامانه والشئون الاجتماعية برويز كاظمي ونائب الرئيس ورئيس منظمة التخطيط والموازنة فرهاد رهبر، ووزير الاقتصاد داوود دانش جعفري، ووزير الداخلية مصطفى بور محمّدي.

لم تكُن هناك دواعٍ بيروقراطيّة مُلحّة لأن يُقيل أحمدي نجاد (أو يُجبر) هؤلاء على الاستقالة من حكومته ويُضيّق دائرة أنصاره من الأحزاب السياسية قاطبة، نزولا إلى الأحزاب المحافظة، ثم إلى الجبهة الموحّدة للأصوليين، ثم إلى معاونيه الذين عملوا معه في محافظتي طهران وأردبيل.

معظم من جرّهم أحمدي نجاد للخلاف معه، هم اليوم في صفوف خصومه. بل إن الرئيس دفع بهؤلاء لأن يُفضّلوا مير حسين موسوي على تأييده، حين صارت المشتركات بينهم وبينه (أي الرئيس) شبه منحسرة. إنه شراء غير مُبرّر للخصوم.

من يُحاول أن يفهم إيران لا بدّ وأنه يُدرك أن هذا البلد يسير كغيره من البُلدان على خطّ المصالح المتداخلة والعلاقات الناتجة عن السلطة في هرميتها السياسية. بل إن الأمور لا تسير بغير ذلك لأنها ستغدو حدباء.

دَخَلَ الرئيس أحمدي نجاد في مماحكات مع الجميع. لم يبقَ له أحدٌ داخل السلطة أو مسطرة الأحزاب سوى آحاد لا يجمعها خيط رفيع، وإنما أكلت في أناملها الخلافات الحزبية، فدفعتها لقول هنا وآخر هناك. والأكثر أن خلافاته كان يُديرها بمهماز التجريح والتطاول دون مراعاة للبروتوكول ولا حتى القانون.

دَخَلَ في خصومة مفضوحة مع رئيس مجلس الخبراء (أعلى هيئة رقابية في إيران) ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الشيخ هاشمي رفسنجاني. وتخالف مع رئيس السلطة القضائية وأقرب السياسيين إلى المُرشد آية الله محمود هاشمي شاهرودي، ثم اعترك مع رئيس البرلمان علي لاريجاني بشأن الموازنة.

وقبل ذلك كان قد تجاوز كل الأعراف الحزبية التقليدية، عندما لم يلتزم بقرارات مجلس تنسيق قوى الثورة الذي شكّله المحافظون التقليديون لترتيب البيت المحافظ، وانفرد بلائحة انتخابية خاصّة خلال الانتخابات التشريعية الثامنة، شاقّا بذلك عصا وحدة التيار.

هذه السياسات اللّجوجة للرئيس جعلته يُواجه آلية بيروقراطية جديدة في تعاطيه التنفيذي. فهو اليوم لا يَصِلُ إلى قاع الهرم عبر الوسائل التقليدية (أو المفترضة) وغير المتوترة من أحزاب ونقابات ولوبيات وقطاعات المصالح، بل عبر قنوات التفافية وغير آمنة، تَصِلُ سلطة الرئاسة بالمرؤوسيات المنحدرة إلى الأسفل وبالقطاعات الشعبية بدون واسطة إدارية.

هو يُمارس ذات السلوك الذي تورّط فيه الرئيس خاتمي في دورته الأولى (1997 - 2001). فباسم الإصلاح ومنح الحريات أسقط الخيمة على الجميع. واليوم أحمدي نجاد باسم مكافحة الفساد وتوزيع الأموال على الناس أسقط الخيمة على الجميع هو الآخر.

فالفساد كالحرباء في أعين الناس. هو يُدرك أن أكثر الأمور حساسية بالنسبة للمحكومين أن يسمعوا عن ثروات مَنْ يَسُوسُونهم، لأنه يُثير لديهم مزيجا من ترف الصّدقيّة المثلومة، وإحساس بالغُبن، واستيلاء الحاكم على حقوقهم المباشرة.

لقد أدرك الرئيس أحمدي نجاد أمرا آخر. وهو أن كلّ مَنْ أراد الحظوة الشعبية في إيران فعليه أن يشتم هاشمي رفسنجاني. بل إنه يُدرك بأن أهم أسباب فوزه المُؤكّد في انتخابات العام 2005 الرئاسية هو أن خصمه رفسنجاني.

وقد كرّر هذا الأمر خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حين ركّز في كلّ مناظراته التلفزيونية وخطاباته على أن مير حسين موسوي ما هو إلاّ أداة بيد الشيخ رفسنجاني الذي يدعم ترشّحه، وهذا قبل كلّ شيء إهانة للرجلين ولتاريخهما الثوري.

إذا كان الرئيس أحمدي نجاد يتّهم شخصيات بحجم رفسنجاني (أو أبنائه) بالفساد فعليه أن يُجيد الفصل بين علاقة الرجل بالمرشد الأعلى. وإذا كان يتّهم ناطق نوري بالفساد (وهو اليوم رئيس مكتب التفتيش بمكتب الولي الفقيه) فعليه أن يُجيد فتل العلاقة بين الرجل وبين المرشد الأعلى كذلك.

خلاصة الأمر أن الولاية الجديدة للرئيس يجب أن تكون مختلفة. فمثلما أصلح خاتمي علاقاته الداخلية في ولايته الثانية (2001 - 2005) فعلى الرئيس أحمدي نجاد أن يُرتّب من علاقته بالأحزاب المحافظة، وإلاّ فإن تكثير الخصوم لا يعني سوى نهاية الشجاعة إن وُسِمَت كذلك.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2474 - الأحد 14 يونيو 2009م الموافق 20 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً