هل سمعتم بـ «الرَّثَم أو الرُّثْمة»؟ إنها باختصار البياض الذي يظهر في طرف أنف الفرس. ويُضرب مثال للوصف فيقال: «نعجة رَثْماء أي سوداء الأَرْنَبَة وسائرها أَبيض. وكل الذين يهتمون بتربية الخيول ربما سمعوا بهذا الحديث: «خير الخيل الأَرْثَمُ الأَقْرَح» كما جاء.

الحقيقة أنني أبدأ بهذه المقدمة لأستعيرها كتشبيه أراه مطابقاً لأرض نَضِرَة ساحرة في جنوب شبه الجزيرة العربية. إنها صلالة إحدى ولايات محافظة ظفار بسلطنة عُمان. هي بالفعل كـ «الرَّثَم أو الرُّثْمة» خلال فصل الصيف وسط الخليج الذي يلفّه قيظ لاهِب لا يُبقِي ولا يذر، فتراها من بعيد شاخصة لا تُزاحمها أرض أخرى في محيطها. هذا ما يراه السائح عندما يقصد المدينة.

في الأجواء، وكلما دَفْدَفتْ الطائرةُ باتجاه مدرج مطار صلالة ينتابك شعور مختلف وأنت ترى أرضاً أخرى وقد تلفّعت بالخضرة الناصعة، وأجواؤها بالغيوم المكنوزة مطراً ورذاذاً. قد يشعر المرء أنه في منطقة خارج شبه الجزيرة العربية، وخصوصاً عندما ترمق الجبال الشاهقة وهي مكسوّة بخضرة وأشجار أخَّاذة، تُحرِّك أوراقها رياح نَدِيَّة باردة، وحبات مطر ناعمة تنزل عليها بغنج وخِفَّة.

عندما استشعرتُ ذلك بيدي ووجهي تذكَّرت ما ذكره ابن سيدة في المحكم من أن الصَّلَّة هي «المَطْرَةُ المُتَفَرِّقَة» وبالتالي يصبح اسم صلالة وكأنه اسم على مُسمَّى. ومن بطون التاريخ نقرأ أن الملوك القدماء في الشحر وفي جنوب شبه الجزيرة العربية «إذا شتا شتى في مأرب وإذا صافَ صافَ في ظفار». والدلالة هنا ليس على ظفار يريم أو مناطق عطّان بل كما وُصِفت بإطلالتها على «بحر الهند» كما جاء، وهي الجنوب العماني، وهذا يدل على أن هذه المنطقة كانت قبلة للمصيفين منذ آلاف السنين.

أهل عُمان

قبل الحجر هناك البشر، الذي تَزِينُ بهم الأرض. وأهل عُمان كذلك يزيدون أرضهم جمالاً بما يتمتعون به من دماثة خلق وكرم. وزير الإعلام الدكتور عبدالمنعم بن منصور الحسني، ووكيل وزارة الإعلام الأستاذ علي بن خلفان الجابري رجلان بحجم المسؤولية وعَلَمَيْن في التواضع يعتزّ المرء والصحفيون بهما ويأنس بأحاديثهما حين يلاقيهما. الأخوان سالم النجار رئيس مكتب الإعلام في صلالة ونجيب بن رجب عوض رئيس اللجنة الإعلامية لمهرجان صلالة مكسبان لكل مَنْ عرفهما.

خلال الأيام التي قضيتها هناك، ورغم انشغال الأخ نجيب أبو محمد إلاَّ أنه لا يترك فرصة إلاَّ ويجعلها للصُّحبة معك أو السؤال بالهاتف عنك. يُشعرك بأنك الزائر الوحيد للمهرجان وهو ما يجعلك تُكبر به هذا الخلق وهذا النشاط. فهو أحد الكوادر الإعلامية المتميزة في سلطنة عُمان التي لا تفتر عن العمل الدؤوب. يحب البحرين كثيراً وكأنه جزء منها. الأخ أحمد العمري الذي رافقني كل تنقلاتي كان غاية في الخلق والكرم، وعليماً بكل معالم البلد السياحية والتاريخية، كيف وهو من أهل ظفار الأقحاح.

إلى سهل إتين

في محافظة ظفار زهاء الـ 400 كيلومتر من الجبال الممتدة من الشرق حتى أقصى الغرب، مع عرض يصل إلى 23 كيلومترا، مع أقصى نقطة ارتفاع وهي 2500 متر، حيث تقع في جبل سمحان. وخلال الخريف الطارئ الذي يحلّ على أربع ولايات ظفارية من بينها صلالة تُغطّي الخضرة مناطق شاسعة من تلك الجبال، حيث يبقى سهل أتين من أهم المواقع السياحية التي يقصدها زوّار الخريف لما يتمتع به من جمال أخّاذ وأجواء مناخية مثالية وخدمات يستفيد منها السائح.

ذهبنا إلى هناك حيث تأخذك رهبة المكان لجماله ووديانه الواسعة وآجام الشجر الكثيفة التي تظلّلك وأنت تمشي بينها. كانت فرصة لأن نصعد إلى أعلى قمة فيه، حيث يمنحك المكان فرصة النظر إلى الأودية والأكواخ المنحوتة في أكتاف الجبل ورقبتها. يلف الضباب المنطقة فيُحيل الأجواء إلى رياح ممزوجة بنداوة الخريف الرائع، فتتمنى أن تقيم هناك حتى ينجلي صيف الخليج.

عين جرزيز

من بين أكثر من 360 عين ماء في ظفار يتطرَّز بها الشريط الجبلي وعلى حوافه المتاخمة للسهل الساحلي ومنطقة النجد توجد عين جرزيز. وهي من العيون المشهورة والتاريخية في ظفار. تبعد العين عن مدينة صلالة حوالى سبعة كيلومترات وتقع بمحاذاة السَّهل الإتيني، حيث أن موقعها متميّز جداً. فالجبال تسندها من الخلف وتحيطها وكأنها سياج حامٍ لها. أما ماؤها فيجري دون توقف ما يجعل ماؤها جارٍ غير متكلّس، الأمر الذي يزيده جمالاً وروعة.

ضريح نبي الله أيوب

من الملامح التاريخية والدينية التي يقصدها السياح هي قبر نبي الله أيوب عليه السلام، والذي يقع في نيابة غدوى أو بيت عوص بإحدى قمم جبل إتين. فـ عُمان تعتبر واحدة من مهابط الأنبياء، فأرضها شهدت بعثة نبي الله هود إلى جانب قدوم نبي الله صالح. ففي ظفار «رمال الأحقاف التي بها كانت عاد» كما يصفها القلقشندي، وبالتالي يمكن التأمل في الأنبياء الذين تواجدوا فيها: «وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ» هود: 50

صلالة، أرض جميلة مهيأة للاستجمام والاسترخاء. وقد رأينا في هذا العام أن الأعداد الزائرة ضمن تواريخ محددة قد زاد بأضعاف عن العام الماضي. ففي كل عام تفرض صلالة نفسها كمنطقة جذب سياحي متميز، تمنح وفّادها ذات الدافع الذي يجعلهم يتحدثون عنها وكأنهم يزورونها لأول مرة.