العدد 4721 - الإثنين 10 أغسطس 2015م الموافق 25 شوال 1436هـ

عن المعلومة واستباق الكوارث

عصمت الموسوي

كاتبة بحرينية

إذا ذهبت إلى المستشفى وأجريت فحصاً طبياً شاملاً وتبيّن لك أن هناك بوادر وعلامات وأعراضاً مقلقة، فمن الطبيعي أن تعمل جاهداً على إحداث التغيير في نهج حياتك لتلافي الصعوبات وتدارك الأخطاء، سعياً لبلوغ المستويات الصحية الطبيعية. لكن ماذا إذا أعلمك الطبيب أن كل شيء على ما يرام، والأرقام كلها مطمئنة؟ هل تكتفي بهذه النتيجة وتواصل النهج المتبع وتنام في العسل أم ينتابك بعض الشك وتجري المزيد من الفحوصات التفصيلية المتطورة والتي تذهب إلى عمق الأشياء رغبة في تبديد الخوف والشك والقلق واستدامة الصحة؟ وكم من مريض اطمأن إلى النتائج الأولية وأوى إلى فراشه مطمئناً وكانت الرقدة الأخيرة؟

لغة الأرقام وما تقوله وتشي به، وما تحذر منه، نتعاطى معها يومياً في حياتنا، متى ننجح في هذا الاختبار أو ذاك ومتى نرسب؟ النتيجة المتحصلة تعتمد على دقة المعلومات، وأي خطأ في هذه المعلومات قد يؤدي إلى الكوارث، تدهور لافت للصحة أو اعتلال مزمن أو موت مفاجئ.

عندما اندلعت أحداث الربيع العربي تم طرح هذا السؤال في أكثر من بلد عربي: أين انتهت تقارير وتوصيات الخبراء والمحللين الاستراتجيين التي قرعت جرس الإنذار بشأن مسار التنمية الوطنية والخيارات الاقتصادية في كل الشئون المتصلة بالتعليم والصحة والبيئة والتعداد السكاني والثروات الناضبة والمستجدة؟ ثم هل كانت المعلومات المتوفرة صحيحة وسليمة ومساعدة على رسم الخطط المستقبلية؟ وما هو مقدار مساهمة الصحافة في نشرها أو التعتيم عليها؟

كثيرون حمّلوا الصحافة جزءًا من المسئولية فيما حدث، ووصفوا ما جرى بأنه ناجمٌ عن الإخفاق الصحافي والإعلامي، لماذا؟ لأن الصحافة اعتمدت بث ونشر الأرقام والحقائق المطمئنة ناهيك عن المضللة أو المغلوطة. تونس كانت أكثر بلد عربي انتبه إلى هذه المسألة، بعد أن تبيّن لها أن «الطبطبة» مؤدية إلى الهلاك. فلا عجب أن تحقّق تونس المراتب الأولى عربياً في تقارير «فريدوم هاوس»، مستفيدةً من أخطائها الصحافية الماضية، وتحصل على تصنيف «حرة جزئياً» وليس حرة بالكامل، حيث لا يوجد بلد عربي واحد من الماء إلى الماء بلغ مستوى الصحافة الحرة منذ تأسيس الصحافة العربية إلى يومنا هذا. والسبب كما يعلم الجميع يعود إلى اتساع مساحة المسكوت عنه و «الحساسيات» و «الخصوصيات»، والجهات غير المسموح بنقدها.

إن الصحافة العربية لا تقول عُشر ما يجب أن يُقال، فلا المناخ العام السياسي المستعصي على الديمقراطية والمشاركة وفي صنع القرار يسمح، ولا التشريعات الصحافية العربية التي تهيمن عليها النصوص المغلظة كالسجن والعقوبات والغرامات الكبيرة تمهد الطريق لذلك. ويتبيّن للصحافي العربي منذ أول يوم له في المهنة محدودية المواضيع المتاحة أمامه. والصحافيون العرب يتسربون من مهنة المتاعب حمايةً لأنفسهم من وظيفة دربها زلق ولا تحقق الأمن ولا الاستقرار الوظيفي، أو يختارون الاستمرار فيها ومحاكاة نهج وسلوك الموظف الحكومي الذي يمارس كل عمل روتين لا إبداع فيه ولا تغيير ولا مغامرة ولا سبق ولا تميّز.

الصحافة العربية لم تخفق في التنبؤ بالربيع العربي ومآلاته ومآسيه فحسب، بل إنها ساهمت في رفد الرأي العام والجماهير العربية بالرأي «الأوحد»، ولم تعرف التعددية ولم تجرؤ على تخطي ما يعرف بـ «الخطوط الحمر».

وعودة إلى السؤال أعلاه: ماذا تفعل الشعوب إذا توفّرت على الأرقام الصحيحة والمعلومات الدقيقة بشأن أوضاعها واختلالات مؤشراتها أو حصلت على العكس؟

هل نجيب على هذا السؤال دون أن نتطرّق إلى الحصول على المعلومة في العالم العربي، الذي هو مأزق آخر وقديم ومتجذّّر ومتصل اتصالاً وثيقاً بإخفاق الصحافة، رغم أن هذا الحق تكفله المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتنص عليه أغلب دساتير الدول العربية. هنا في هذه البقعة من العالم يجري التضييق على المعلومة الصحيحة، ويسجّل العالم العربي مستويات متدنية جداً في الحصول عليها في القطاعات الوطنية والخدمية المهمة.

إنه عالمٌ مريضٌ بعلله وبجهله، وبنقص معرفته بذاته، ومنذورٌ للمجهول والصدف وللمفاجآت غير المحسوبة، ولا قدرة له على إحداث التغيير أو استباق الكوارث أو الاستعداد لها قبل وقوعها.

إقرأ أيضا لـ "عصمت الموسوي"

العدد 4721 - الإثنين 10 أغسطس 2015م الموافق 25 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 9:04 ص

      انهم لا يريدون لأحد أن تكلم

      إنه عالمٌ مريضٌ بعلله وبجهله، وبنقص معرفته بذاته، ومنذورٌ للمجهول والصدف وللمفاجآت غير المحسوبة، ولا قدرة له على إحداث التغيير أو استباق الكوارث أو الاستعداد لها قبل وقوعها.

    • زائر 2 | 12:52 ص

      رائع يا بنت الموسوي

      اصبت كبد الحقيفة...كثر الله من امثالكم..!

اقرأ ايضاً