شارك رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة خالد الفضالة في فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي السابع والثلاثين، الذي يعقد خلال الشهر الجاري (أغسطس/ آب 2015) بالمغرب، أكد خلالها أن التعثّر كان سمة للتحوّلات في العالم العربي.
وألقى الفضالة ورقة بعنوان "الدين والدولة والمسألة الطائفية في العالم العربي: الإشكاليات والبدائل"، بيّن فيها أن التحوّلات التي تشهدها بعض الدول العربية منذ العام 2011 وحتى الآن قد شهدتها العديد من دول العالم الغربي عبر حقب مختلفة من التاريخ. ولكن في الوقت الذي استطاعت فيه الدول الغربية إدارة تلك التحولات - حتى لو استغرق الأمر سنوات - نجد أنّ التعثّر كان سمة للتحوّلات في العالم العربي. فمن ناحية أولى لم يتحقّق التحوّل المنشود نحو وضع أفضل، وإنما نتج عن ذلك التحوّل تناقضات بغيضة (دينية وعرقية وجهوية)، ترتّب عليها عدم تمكّن الدولة الوطنية الموحّدة من ممارسة سيادتها على كامل أراضيها في ظلّ ظهور جماعات من دون الدول تنازع تلك الدول على سيادتها.
وأوضح أنه في خضم تلك التحوّلات التي كشفت عن عدم وجود أحزاب سياسية أو مؤسسات مجتمع مدني حقيقية لديها القدرة على المشاركة في ذلك التحوّل، فقد تمكّنت الجماعات الدينية - خصوصاً المتطرّفة منها - من أن تملأ ذلك الفراغ، وأخفقت تجربتها هي الأخرى في إحداث التحوّل المنشود؛ ما انعكس بالسلب ليس فقط على أمن الدول العربية، بل على كيان تلك الجماعات والتي أعادت الجدل مجدّداً حول علاقة الدين بالدولة، وهي القضية التي لاتزال تمثّل محوراً في التحوّلات العربية الراهنة. مشيراً إلى أنّ العالم العربي هو جزء من إقليم الشرق الأوسط، والذي بدوره هو جزء من الأمن العالمي، الأمر الذي يتعيّن وضعه بعين الاعتبار عند الحديث عن واقع ومستقبل تلك التحوّلات من حيث حدود التداخل والتأثير والتأثر، وانعكاسات أمن الشرق الأوسط على الأمن العالمي بصورة مباشرة.
وأضاف الفضالة أنه ينبغي التأكيد أنه لو أنّ التحوّلات التي حدثت خلال الأعوام الماضية قد جرت بشكل تدريجي، فإنها كانت ستخفّف من حدّة الأزمات التي تواجهها الدول العربية في الوقت الراهن. والتاريخ يبين أنّ التحوّلات المفاجئة كانت أحد أهم أسباب انهيار دول أوروبا الشرقية منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي. فالدول العربية كانت لديها أزمات مختلفة تلاقت مع بعضها البعض في وقت واحد، من بينها الأزمات الاقتصادية مع غياب خطط التنمية المناسبة، بالإضافة إلى أزمات التطوّر السياسي. وبالتالي فإنّ عدم قدرة النخب الجديدة على التعامل مع تلك الأزمات في آن واحد؛ بسبب تردّي الأوضاع الاقتصادية أو عدم وجود الخبرة الكافية لديهم لإدارة العملية السياسية، كانت سبباً لظهور تحدّيات أكبر من تلك التي كانت سبباً للتحوّلات نفسها، وهو حال العديد من الدول العربية في الوقت الراهن. وفي ظلّ إخفاق بعض الدول في تقديم مشروع وطني متكامل تنتظم في إطاره التعددية المجتمعية بأشكالها المختلفة، فقد كان البديل في سياق تلك التحوّلات ظهور الهويات الفرعية القبلية، والدينية، والطائفية، والمناطقية، والجهوية، بل إنّ بعضها عابر للحدود؛ حيث إنّ لها امتدادات خارجية؛ الأمر الذي زاد من تفتّت النسيج الوطني الواحد.
وفيما يتعلق بالتيارات الدينية في ظلّ التحوّلات المتسارعة، فقد بينت الورقة أن التحوّلات العربية كشفت عن التأثير الكبير للتيارات الدينية على واقع بعض المجتمعات العربية، إلّا أنّ تجارب تلك التيارات في الحكم قد أخفقت؛ ويعود ذلك لأسباب عديدة يأتي في مقدمتها أنّ تلك الجماعات لم يكن لديها استيعاب كامل لآليات العملية السياسية، ومفهوم التوافق بين شرائح المجتمع كافة، وعدم الإقصاء لهذا الفصيل أو ذاك، بل والأهمّ من ذلك أنّ مفهوم الدولة الوطنية لدى تلك الجماعات يندرج ضمن مشروع أكبر يتخطّى حدود تلك الدولة، الأمر الذي مثّل تهديداً لتوازنات القوى في المنطقة؛ ما كان سبباً - بالإضافة إلى أسباب أخرى تكمن في فكر تلك الجماعات ذاته - في الإسراع بانهيار تجربة تلك الجماعات في الحكم.
وجاءت تلك التحوّلات كنتيجة طبيعية لهشاشة بعض الدول، كالحالة اليمنية على سبيل المثال، بسبب عدّة عوامل بعضها جغرافي؛ لكون اليمن دولة بحرية، وهذه تعدّ ميزة وعبئاً في الوقت ذاته، إذ إنّها سهلة للاختراق؛ حيث كان واضحاً التدخلات الخارجية في الأزمة اليمنية. من ناحية ثانية تصنّف اليمن كأفقر دول العالم، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى تقرير لصندوق الأمم المتحدة للطفولة اليونيسيف - صدر في يونيو/ حزيران 2015- إلى أنّ هناك أكثر من 80 في المئة من سكّان اليمن - أي ما يعادل نحو 20 مليون شخص - بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، بالإضافة إلى دور القبيلة في العملية السياسية، والتي ظلّت تحدّ من مفهوم الدولة الوطنية الحديثة.
واختتم الفضاله ورقته بأنّه مع التسليم أنّه من الطبيعي أن تشهد أية منطقة في العالم تحوّلات سياسية، مثل التحوّلات التي شهدتها الدول الأوروبية، إلّا أنّ التساؤل المهم هو: ما هي أخطر النتائج التي رتّبتها تلك التحوّلات؟ وقد يكون من قبيل التبسيط الشديد أن يتمّ تحديدها في نتيجة واحدة، حيث تتنوّع ما بين النتائج السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل إنّ أكثرها خطورة على الإطلاق هي النتائج الأمنيّة، حيث تخوض الدول العربية ما يمكن أن نصفه "بمعركة وجود"، وتقدّم الأحداث الراهنة في كلّ من ليبيا واليمن والعراق دليلاً على ذلك. ولعلّ الخطورة هي أنّ مفهوم "الدولة الفاشلة" لن يكون محدّداً بالحدود الجغرافية للدولة، بل إنّ فشل الدولة يعني فشل الإقليم بأكمله، ومن ثمّ يتعيّن حشد الجهود للحيلولة دون فشل الدول، من خلال دراسة الواقع الراهن لتلك التحوّلات، وما ترتّب عليها من نتائج، ومساراتها المستقبلية المتوقعة. بل والأهمّ صياغة آليّات عربيّة جماعيّة موحّدة؛ للتعامل معها في ظلّ انتهاء الحدود الفاصلة بين الأمن الداخلي للدول والأمن الإقليمي.