بين جيل وجيل تختلف مظاهر العيد في بعض ملامحها، فتضاف عادات جديدة مستحدثة مختصة بالأجيال الحديثة وتتوارث الأجيال بعض العادات القديمة وتحتفظ بها. وبين هذا وذاك يبقى للعيد في البحرين طعم خاص وأجواء شعبية جميلة تحكي عراقة الماضي وإشراقة الحاضر، وتحتفظ القرى البحرينية برونق العيد وفرحته التي تكون ملامحها واضحة في أعين الكبار والصغار، وننقل في هذا التقرير بعض ملامح العيد بين الماضي والحاضر.
حول مظاهر العيد في الماضي تقول الجدة الحاجة أم شيخ خليل: «كنا نمشي قوافل مع بنات القرية الى البحر لرمي الحجاجي سيراً على الاقدام، وكان المصلون يخرجون من بعد صلاة العيد ويذهبون جميعهم إلى مجالس القرية ويعايدون على بعضهم البعض، وقد كانت البيوت في أول أيام العيد تذبح ذبيحة وتطبخ وتنتشر رائحة الطباخ في كل القرية ويتجمع الناس لتناول وجبة الغداء في المجالس».
ويؤكد الباحث التاريخي جاسم آل عباس المعروف بصاحب سنوات الجريش أن «الناس كانت تخرج للمعايدة منذ الصباح الباكر، وكانت الحركة كبيرة جداً وكان يشارك فيها الكبير والصغير الآباء والأبناء. أما اليوم فكثير من الأبناء ينامون طيلة الصباح وقليل منهم من يقوم في وقت متأخر من الصباح لأجل زيارة الأقرباء».
ويضيف «كان الأطفال في جيل الثمانينيات التي عاشرته يجوبون القرية منزلاً منزلاً بحثاً عن «العيدية» والتي كانت في غالبها عبارة ربع أو نصف روبية وفي بعض الأحيان عشرة فلوس، إلا أنها كانت تمثل الكثير بالنسبة لنا في ذلك الوقت».
ويتابع «كنا نعرف أصحاب القرية فرداً فرداً فالفقير لم نكن نذهب إليه لأننا نعرف أنه لن يعطينا عيدية، لكن مختار القرية والأغنياء فيها كنا ننطلق إليهم ونسلم عليهم لنحصل على العيدية».
كما يضيف «كانت هنالك مجالس معروفة ومشهورة في كل قرية يتجه إليها الناس ويجتمعون فيها تسمى بـ «المعيد» وكانت مكان اجتماع الناس وتلاقيهم، وهي تكون في كثير من الأحيان للنوخذة أو مختار القرية».
ويؤكد الشيخ حسن الشاخوري «كان الناس سابقاً يهتمون بغداء العيد وترى الذبائح، ومن لا يستطيع لا أقل يكون غداؤه ديكاً بلدياً ويهتم الناس بلباس العيد والفرحة ظاهرة في الشوارع وعلى أبواب البيوت وعلى وجوه الأطفال وفي المجالس. وكان إعطاء العيدية شبه الواجب للصغار على الكبار وكان الأرحام الذين تزوجوا من خارج القرية يتواصلون في كل الأعياد، وكانت الناس على بساطتها تقوم بزيارة أقاربها ولو من بعيد، أما الآن ينقطع البعض، لأنه لم يتعود الزيارة لهذا البيت أو ذاك واليوم يكتفي الناس بالسلام في الأماكن العامة كالمسجد أو بوسائل التواصل».
ثبوت الهلال
يقول الحاج عبدالله أيوب: «كان تثبيت الهلال يعتمد على لجنة من المشايخ يجتمعون في مسجد مؤمن بالمنامة من بينهم المرحوم الشيخ أحمد خلف العصفور، ولم يكن يوجد تلفون أو وسائل اتصال إنما كان الناس ينتظرون «خبر الهلال» الذي كان يطلق عليه «جابوه أو ما جابوه» في إشارة لرؤية الهلال من عدمه». ويضيف «كان الناس ينتظرون رجوع الأشخاص الذين ذهبوا إلى المسجد ليأتوا بالورقة إلى الناس والتي كان يكتب فيها (إلى أهالي قرية... ثبت الهلال)، فإذا رأوها الناس يعرفون أن المشايخ ثبتوا الهلال فيعيِّدون بناء عليها».
وأضاف «بعدها بسنوات تطورت الهيئة وأصبحت تحوي عدداً من العلماء الكبار ومجموعة منظمة تعتمد عليها الناس في إثبات العيد حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم».
أما حول صلاة العيد فيقول: «كانت الصلاة في أغلب الأحيان تقتصر على الرجال الكبار فقط «الآباء»، وكانت تكون في مسجد واحد ويسمى إمام الجماعة «المصلي»، وتحولت بعدها إلى مساجد عدة في الإحياء المختلفة».
ويؤكد «بعد انتهاء صلاة العيد يأتي المسحر الذي كان يوقظ الناس طيلة شهر رمضان ويقول: «ساعدوا مسحركم» فيعطيه الناس هدايا العيد إكراماً له على ما قدمه في رمضان كل بحسب ما يستطيع ويود تقديمه».
هدايا العيد
تؤكد إحدى الأمهات «كانت هدايا العيد عبارة عن ثلاثة فلوس، أو عشرة فلوس، وكان الفقر يسيطر على وضع القرى فلم يكن الجميع يوزعون العيادي، لكن بعد سنوات أصبح غالب الناس يعطون نصف روبية ثم بدأت ترتفع لروبية وروبيتين وكانت تمثل للطفل الشيء الكثير، فننتهي من يوم العيد وقد حصلنا على ثماني روبيات ونفرح بها فرحاً كبيراً ونحاول الاحتفاظ بها لأطول فترة ممكنة».
ويؤكد الباحث جاسم آل عباس «كان للعشرة فلوس في ذلك الوقت قيمة كبيرة في نفس الطفل وكنا نتسابق على من يحصل أكبر مبلغ من المال، وكنا نتحسر إذا أردنا أن نذهب لشراء المشروبات أو «الشيبس» لأننا سندفع الـ «نصف روبية» التي كانت جديدة وللتو خرجت من المصنع، أما اليوم فنعطي الأطفال خمسمئة فلس وديناراً ولا يشعر الطفل بقيمتها ولا تمثل له شيئاً».
قدوع العيد
يقول صاحب سنوات الجريش آل عباس: «كان القدوع عبارة عن وجود حلوة القبيط والعصيد والخبيص والساقو وكانت رائحة الطبخات تشم من مسافات بعيدة وتنتشر في كل أرجاء القرية».
ويتابع «في مطلع السبعينيات لم تكن الفواكه متوافرة بكثرة كما هو الحال اليوم، فكان لها قيمة ورغبة كبيرة، وخصوصاً لدى الأطفال، وكان بعض الناس لا يرون بعض الفواكه إلا من عيد إلى عيد، فكان للفواكه طعم خاص، وكنا إذا أكلنا الفواكه نشعر بأن لأكلها فرحة وشعوراً كبيراً لا يوصف وكأنها (ذهب)».
العيد بين خمسة أجيال
يقول الحاج علي الشيخ: «إن العيد كان له مظاهر كثيرة اندثرت إلا أنه لايزال هنالك بعض المظاهر التي لاتزال باقية كـ «لبس الجديد ووجود القدوع وتجمع العوائل في وجبة الغداء وخروج الآباء مع أبنائهم لزيارة الأقارب».
ويقول: «في السابق لم نكن نتشرط في اختيار ألبسة العيد ونوعياتها، كنا نذهب جميعاً إلى المنامة فنرى الموجود ونشتريه وكان لباسنا جميعاً الثوب والقحفية ونعال «زنوبة»، أما اليوم فلكل شاب ذوق خاص وألوان خاصة، وأصبح الشباب يذهبون للمجمعات لشراء ما يريدون، وقد يشتري الشاب أكثر من نوع وأكثر من بدلة».
ويضيف الباحث جاسم آل عباس «كنا نعرف العوائل في السابق من نوعية اللباس الذي يلبسونه لأن كل عائلة تشتري اللباس نفسه بالألوان نفسها والنوعية والزينة نفسيهما، فكنا مثلاً إذا رأينا طفلاً يمشي بمفرده نعرف أنه من العائلة الفلانية لأننا كنا قد رأينا أباه وإخوته يلبسون اللباس نفسه».
ويؤكد «حتى أخذ القياسات للملابس قد اختلف، إذ إنه في السابق كنا نأخذ فقط قياس الطول واليدين من دون محيط الخصر والأكتاف وغيرها، لأن المقاسات غير الطول كانت واحدة ولا اختلاف فيها بين كل الناس فتلبسها و(انت وحظك إن صارت زينة أو لا)».
العدد 4719 - السبت 08 أغسطس 2015م الموافق 23 شوال 1436هـ
بين الماضي والحاضر
رائع جدا هذا التقرير..دشانا ف الجو
الله
جميلة صراحة الخواطر لم نعشها في الواقع ولكن عشناها هنا في هذا التقرير