قال جل من قائل «فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره. ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره» (الزلزلة: 7-8) صدق الله العظيم. ويبقى الإنسان إنساناً، فلا يوجد من هو طاهر ومن هو نجس كما يردد البعض لأن الجميع خلقوا من نفس واحدة كما جاء في القرآن الكريم :»يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة». وهنا لا يمكن تصنيف بني البشر بين الطاهر وغير الطاهر بسبب اعتناقه ديناً أو مذهباً أو فرقة، فالأعمال والتصرفات هي التي تحدد نقاء الإنسان كما قال تعالى: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم».
تبين تلك الآيات أنه لا فرق بين إنسان وآخر إلا بعمله بغض النظر عن جنسه، وأصله، ودينه، ومذهبه، وعرقه، ولونه، ولغته. ومن أجل نشر القيم الإنسانية الفاضلة، ونشر العدالة والمحبة، وروح التسامح بين بني البشر، بعث الله الأنبياء والرسل لهداية البشر.
فجميع الديانات السماوية كاليهودية والمسيحية والإسلام تدعوا إلى المحبة والتسامح والسلام ..كما أن الأديان الوضعية كالبوذية والهندوسية وغيرهما تدعوا إلى المحبة والتسامح والسلام أيضاً.
لقد انقسمت الأديان إلى مذاهب وانقسمت المذاهب إلى فرق، وأصبح من الطبيعي أن ينتمي الطفل إلى دين ومذهب بل ولغة وعادات وتقاليد عائلته التي يتربى في وسطها.
فالأطفال الذين يولدون في كنف أسر يهودية يصبحون يهوداً ديناً ولغة وإرثاً ثقافياً، وكذلك الأمر ينطبق على المسيحيين والمسلمين، وأصحاب الديانات الوضعية، وهم جميعاً مخلوقات الباري عز وجل الذي يحاسب خلقه على أعمالهم يوم القيامة، فالدين لله والوطن للجميع.
وقد قال الإمام علي عليه السلام «الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق» وهذا يعني قمة التسامح والنظر إلى أبناء البشر على اختلاف إثنياتهم ودياناتهم ومشاربهم الفكرية والثقافية بروح التسامح فالكل سواسية لا فرق بينهم.
وجاء في القرآن الكريم التشديد على عدم قتل النفس المحترمة دون سبب كما يفعل التكفيريون... فقد قال جل من قائل: «من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً».
لقد برزت في وقتنا الحالي ظاهرة الطائفية في الكثير من البلدان الإسلامية، وأخذت تنتشر بشكل مرعب بين أبناء الدين الواحد... وأخذت ظاهرة التكفير تنتشر هي الأخرى نتيجة لذلك والكل يحاول اقتلاع الآخر من جذوره، ووصل الأمر إلى إزهاق الأرواح تقرباً إلى الله غير مكترثين بالتعاليم السماوية العظيمة، متجاوزين بذلك شرع الله والتعاليم التي جاء ذكرها في القرآن الكريم من حرمة قتل النفس وسفك الدماء.
لقد أصبحت الطائفية غدة سرطانية يجب اجتثاثها قبل أن تنتشر في جسم الأمة الإسلامية فتؤدي بذلك إلى هلاك الأمة وتدمير الدول والحضارات الحديثة. ويتحمل رجال الدين من جميع المذاهب الإسلامية وكذلك أصحاب الفكر والثقافة مسئولية محاربة ظاهرة الطائفية قبل أن يستفحل خطرها وتفتك بالجميع وحينها لا ينفع الندم، بخاصة وأن الطائفية هي سبب التعصب الأعمى الذي يؤدي إلى ظاهرة الإرهاب الذي لا دين له.
إنه من المؤسف حقاً أن يسخر منا نحن المسلمين أصحاب الديانات السماوية الأخرى وكذلك أصحاب الديانات الوضعية الذين يعيشون في سلام ووئام ومحبة... بل وأصبح بعضهم ينظر إلينا بعين الرحمة والشفقة وهم يرون المسلم يقتل أخيه المسلم، لا لشيء وإنما بسبب تعصب أعمى وحقد دفين دون مسوغ له.
لقد ارتفعت الأصوات الطائفية تنادي بتكفير من يخالفهم في المذاهب أو حتى في الرأي.
والسؤال الذي يطرح نفسه: ما ذنب الطفل الذي ولد في بيئة شيعية أو سنية، فاعتنق مذهب والديه كأن يكون شافعياً، أو حنبلياً، أو مالكياً، أو حنفياً، أو اثني عشرياً، أو زيدياً، أو إسماعيلياً، أو إباضياً؟ أليس الجميع يؤمنون برب واحد وبنبي واحد، وبقبلة واحدة، ويقيمون الصلوات الخمس، ويحجون ويعتمرون ويرجمون الشيطان بنفس الحصاة ويطوفون، ويصومون في شهر واحد هو شهر رمضان المبارك، ويتلون القرآن؟ أو ليس الجميع ينطق بالشهادتين؟ أوليس الجميع ينظرون بكل تقدير ومحبة إلى رسول الله (ص) وأهل بيته النجباء وإلى الصحابة الكرام وبخاصة الخلفاء الراشدين الأربعة رضي الله عنهم وأرضاهم الذين كانوا هداة الأمة الإسلامية وقادتها الكبار؟
فعلى أصحاب الفكر الطائفي والتكفيري أن يتمعنوا في تلك الأسئلة. فهذا عمر بن الخطاب يقول في كيفية التعامل مع المسلم وغير المسلم: «وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك، ولا تظنن بكلمة خرجت من إنسان شراً وأنت تجد لها من الخير محملاً، ومن عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء الظن به». أوليس تلك الكلمات هي قمة في التسامح تستحق أن تكتب بماء الذهب؟ فلماذا أصبحت ظاهرة التعصب والتكفير تنتشر بين المسلمين فقط؟ ثم لماذا يتجاهلون قول الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في التسامح الذي قصد به البشرية جمعاء عندما حدد «الإنسان» بقوله: «ولا تظنن بكلمة خرجت من إنسان شراً وأنت تجد لها من الخير محملاً؟ إنها حكمة وكلمة حق لو تبصرها كل من يحمل في نفسه درن الطائفية والتكفير باعتبارهما وجهان لعملة واحدة، لطهرت نفسه من أرجاسهما.
إقرأ أيضا لـ "منصور محمد سرحان"العدد 4715 - الثلثاء 04 أغسطس 2015م الموافق 19 شوال 1436هـ
لا أجمل من هذا الطرح
و يبقى أن نذكر العلماء بالتفضل بإصدار فتوى بتحريم تكفير أي مسلم بسبب معتقده بفصيح العبارة حتى لا يقال أنها تقية
مختصر الكلام
موضوع جميل جدا. ارجوا من كتاب الصحف....... قراته والتعلم منه، لعلهم يهتدون الى النصح بدل التخوين والتكفير.
صح لسانك
ونعم الكلام،، لا فُض فوهك
من
من ظهر دين .........بثو سمومهم واشعلوا الفتن واستغلو الناس الطيبه من السنه وجعلوهم يكرهون اخوانهم الشيعة كنا حبايب وجاء هاده الدين ........ بمجرد انهم يزورون اهل البيت ويتوسلون ابهم عند الله خالقهم لحاجاتهم فاتهمونه ب.................. رجاء من اخوانه السنه الابتعاد عن هؤلاء يريدون تدميركم
شكرا دكتور منصور
شكرا دكتور، وبالفعل قل فيه دعاة الخير لهذا الوطن الحبيب، وأنت أحد المخلصيين الغيورين على البحرين وأهلها، ووالله أكاد استشعر ذلك في قلبك بقراءتي لعمودك.
أتمنى من بقية الكتاب في هذه الحريدة الحذو بهذا الفكر المستنير، وأرجو من الله أن يمدك يا دكتور منصور بالصحة والعافية وطول العمر.
التطرّف و الطائفية
التطرّف و الطائفية أمراض لم يعرفها مجتمعنا الا بعد عام تسعة و سبعين و قدوم امواج المد المتطرف من الجهة المقابله لنا في الخليج العربي