الحكمة لا تصدر إلا عن خيال أيضاً. الخيال لا يكبر ويتمدد ويتجدد إلا بالاستناد إلى حكمة في الوقت نفسه. هنالك علاقة تلازم بين الاثنين لا يمكن فصلهما.
جيه كى رولينغ، واحدة من الذين ربُّوا الخيال فامتلكوا ناصيتها. ملكة الخيال هي من دون منازع. «هاري بوتر»، السلسلة التي تحولت إلى ظاهرة فريدة في عالم الفن والإبداع، وظفت قيماً عبر شخصيات أسطورية من صنع الألفية الجديدة. لم تأت من أساطير غابرة. خيال تفتق عن المبهر، ودهشة امتدت من العاصمة البريطانية (لندن) والعواصم الكبرى، وهوليوود، وصولاً إلى قرى نائية ومناطق في مجاهل العالم. الجزء المنسي الذي وصل إليه مثل ذلك الخيال الفريد والحيوي وذا القيمة الكبرى، التي تُربِّي القارئ والمشاهد بعد ذلك، على الحرص على مخيلته؛ وذلك هو ما يصنع الفارق.
إذا انتعش الخيال وشب، تنتعش وتشب معه قدرة الإنسان على خلق حواس إضافية يستشعر بها مركزه وأهميته في هذا العالم. كلما نشطت المُخيَّلة، نشط معها أسلوب وطريقة الحياة.
هي التي قالت ذات توصيف بسيط، رغم العمق المرعب الذي تحمله: «من المستحيل أن تعيش دون فشل في شيء، إلا إذا كنت تعيش بحذر يجعلك وكأنك ربما لم تعش أبداً. في هذه الحالة تكون قد فشلت بشكل افتراضي».
هل قالت الفشل؟ لم تخْلُ بدايات حياتها من صدمات وفشل أيضاً، وسنأتي على ذلك لاحقاً، دون أن نكون مهووسين به. النجاح منقطع النظير الذي حققته وتحققه، يكاد يُصادر من ذاكرة محبّيها والمعجبين بها تلك المحطات الطبيعية في حياة أي فرد في هذا العالم. أن يكون عرضة للصدمات والفشل.
هي نفسها التي قالت: «لماذا أتحدَّث عن فوائد ومُحصِّلات الفشل؟ ببساطة؛ لأن الفشل يعني التجرُّد من غير الجوهري. توقفت عن التظاهر بأنني كنت أي شيء آخر غير ما كنت عليه، وبدأت في توجيه كل طاقتي في الانتهاء من العمل الوحيد الذي أنا معنيَّة به بالنسبة لي».
الأطفال والفتنة بالسحْر
أعمالها التي ستظل محفورة في الذاكرة الإنسانية، وصنعت جيلاً من الأطفال - وحتى الكبار - الذين فتنوا بسحر أخَّاذ غير مألوف في المنجز الإبداعي الخيالي والسحري منذ بدايات القرن الماضي وحتى اليوم، من خلال سلسلة هاري بوتر التي تتكون من سبعة أجزاء، وتروي حكاية الصبي الساحر (هاري بوتر) «منذ اكتشافه لحقيقة كونه ساحراً، وحتى بلوغه سن السابعة عشرة»، اكتشافاً لماضيه، و «علاقاته السحرية، وسعيه للقضاء على سيد الظلام لورد فولدمورت»، بأعمال تفرَّعت من: «هاري بوتر وحجر الفلاسفة»، «هاري بوتر وحجرة الأسرار»، «هاري بوتر وسجين أزكابان»، «هاري بوتر وكأس النار»، «هاري بوتر وجماعة العنقاء»، «هاري بوتر والأمير الهجين»، و «هاري بوتر ومقدسات الموت»، إضافة إلى الكتب خارج الخط الزمني للأحداث: «الوحوش المذهلة وأين تجدها»، «كويدتش عبر العصور»، و «حكايات بيدل الشاعر»، كل تلك الأعمال شكَّلت وتشكِّل اليوم المخيَّلة الحديثة للأطفال أولاً. المخيلة الخارجة على السياق الساذج والمألوف، والذي يربِّي ويقدم قيمة حقيقية لمفهوم الصراع، والأدوات التي يمكن لأي منا أن يسخِّرها في طريق أن يكون العالم مستقراً وهادئاً وخالياً من الشر قدر المستطاع؛ دون استغلال فجٍّ وإجرامي لتلك القدرات والطاقات.
مئات ملايين الأطفال في العالم، وحتى الكبار منهم، كانوا مع تجربة جديدة وساحرة. كانوا أمام طاقة مختلفة ومغايرة من تفجير السحر والخيال، عبر السلسلة. نشأ عن تلك الأعمال جيل يعمل على اكتشاف نفسه وطاقاته. تجاوز السذاجة في كثير مما يقدم إليه. بعد «هاري بوتر» لم يعد ممكناً لكثير من الكتَّاب والمؤلفين - اليوم وربما غداً - أن يستهينوا بالقدرات التي يمتلكها الأطفال، بعد عملية التحويل والتأثير الذي أحدثته سلسلة «هاري بوتر».
الخيال ليس القدرة على التصوُّر
هو نفسه الخيال الذي تكلمت عنه: «الخيال ليس فقط قدرة الإنسان بنحو فريد على تصوُّر ما لا يُتصوَّر. هو منبع لكل اختراع وابتكار. ربما في قدرته التحويلية والوحي الذي يمثله. هو القدرة على تمكيننا من التعاطف مع البشر الذين لم نتقاسم الخبرات معهم أبداً».
رولينغ التي ذكرت مجلة «فوربس» في العام 2004 أن ثروتها تجاوزت المليار دولار، هي أول مليارديرة في العالم من الكاتبات، لكنها في العام 2012، خرجت من القائمة بسبب دفعها عشرات الملايين من الجنيهات، إما للتبرعات الخيرية، أو لمصلحة الضرائب.
قبل أن تهبط عليها الثروة بفعل أعمالها المذهلة، دفعت ظروفٌ رولينغ إلى اقتناعها بتسجيل اسمها ضمن المستحقين لإعانات الخدمة الاجتماعية. ولها في ذلك توصيف ذكرته بالقول: «فقيرة، كما يمكن أن يصبح المرء في بريطانيا الحديثة، لكن لست مشردة»! في الفترة نفسها، أصيبت بالاكتئاب السريري، ولم يكن التفكير في الانتحار بعيداً عنها. مرض الاكتئاب أوحى لها بكائنات تمتص الروح، تلك التي هيمنت على شخصيات الجزء الثالث من «هاري بوتر».
تجربة الطلاق التي مرت بها، وموت أمها وهي في سن الخامسة والأربعين، وقبل ذلك وبعده، انتقالها للعمل في مهن عديدة، من بينها منظمة العفو الدولية، أتاح لها قدراً كبيراً من الخبرات والتجارب، والشجاعة على مواجهة الظروف، واستثمارها بشكل معاكس، وضعها في المكانة التي تستحقها اليوم، وفي ذاكرة الناس غداً.
«الحياة بعد «هاري بوتر»، هو عنوان مقال كتبته كل من سارة بيدلكومب وسيوبهان بالمر، في صحيفة «التلغراف» يوم الجمعة (31 يوليو/ تموز 2015)، فيما العنوان الرئيس: «جيه كى رولينغ... ملِكَة الخيال من دون منازع»، لا يقدِّم اكتشافاً بتقرير تلك الحقيقة بمسح بسيط لإنجازاتها، والأثر الذي تركته في العالم اليوم.
هنا بعض ما جاء في المقال، وشهادة للمخرج كريس كولومبوس، الذي أخرج أول فيلمين من السلسلة، وأنتج الثالث.
450 مليون نسخة
سلسلة الكتب التي بِيعَ منها أكثر من 450 مليون نسخة، والتعديلات اللاحقة للفيلم، التي أصبحت جزءاً كبيراً من حياة كثير من الأطفال، كل ذلك ترك فجوة في القلوب، وأرففِ كُتب المعجبين.
ومع ذلك، فإن نهاية السلسلة اتسمت إما بلا نهاية القصة، أو لا نهاية زمن جيه كى رولينغ، باعتبارها شخصية العام وثروة وطنية. فمن تأليف الكتب للبالغين، إلى مجموعة متنوعة من «هاري بوتر» ضمن مشاريع عَرَضية، ونحن نرسم خريطة الطرق التي جعلت رولينغ - بإمكاناتها وطاقتها الخلَّاقة - الجمهور يقف على أصابع قدميه على مدى السنوات الثماني الماضية.
بعد ستة أشهر فقط من إطلاق «هاري بوتر ومقدسات الموت» نشرت رولينغ «حكايات بيدل الشاعر»، وهي مجموعة مختارة من القصص القصيرة، عن قصص حضانة الصغار من السحَرة والساحرات، وردت في الحلقة النهائية من هاري بوتر.
كتبت رولينغ في البداية فقط سبع نسخ يدوية مزيَّنة برسوم، والتي أصدرتها بمثابة هدايا شكر وامتنان إلى ستة أشخاص ساعدوها خلال السنوات الـ 17 التي عملت فيها على «هاري بوتر». بيعت النسخة السابعة في مزاد علني في دار سوثبي للمزادات في العام 2007، وحققت 1.95 مليون جنيه إسترليني، وهو أعلى سعر في التاريخ تحققه مخطوطة حديثة، وتم التبرع بكل العائدات إلى «Lumos»، مؤسسة رولينغ الخيرية للأطفال.
أصيب المعجبون بخيبة أمل، لأن الكتاب غير متوافر في السوق؛ لكنها وافقت في وقت لاحق على أن ينشر في جميع أنحاء العالم، مع ذهاب ريعه مرة أخرى إلى «»Lumos. كان خطوة حكيمة؛ إذ في الأسبوع الأول من النشر، حقق الكتاب 4.2 ملايين جنيه إسترليني، خُصِّصت للأعمال الخيرية.
في العام نفسه (2011)، الذي ظهر فيه الفيلم النهائي لـ «هاري بوتر» دشَّنت رولينغ الموقع التفاعلي Pottermore)). ويقدم الموقع لمعجبي «بوتر» فرصة استكشاف المزيد من العالم السحري لهاري بوتر أكثر من أي وقت مضى».
واصلت رولينغ إعادة النظر في عالم السحرة، مطلقة قصصاً جديدة وبشكل حصري للموقع، بما في ذلك «تاريخ عائلة مالفوي»، وتفاصيل عن حياة «Professor McGonagall».
2012: رولينغ لم تعد مليارديرة
أزاحت مجلة «فوربس» رولينغ من قائمتها السنوية لمليارديرات العام 2012، إذ «قدَّمت المؤلفة جزءاً كبيراً من ثروتها للأعمال الخيرية؛ ما جعلها تخرج من قائمة أصحاب المليارات. وزعمت المجلة أن الأموال التي تصدَّقت بها «رولينغ تُقدَّر بـ 160 مليون دولار، ما يعادل 101 مليون جنيه إسترليني؛ جنباً إلى جنب مع معدَّلات ضريبية عالية في بريطانيا أزاحت كاتبة هاري بوتر من قائمتنا لهذا العام (2012)».
وفي العام 2001، أسَّست رولينغ «صندوق فولنت الائتماني» للأعمال الخيرية، وقد حُدِّدت له موازنة سنوية تقدَّر بـ 1,5 مليون جنيه إسترليني، ومن أهدافه محاربة الفقر وعدم المساواة الاجتماعية. ومن وظائف ومهام الصندوق تمويل المؤسسات التي تساعد الأطفال والأسر، وتساهم في أبحاث مرض التصلُّب اللويحي المُتعدِّد. وفي هذا الشأن، قالت رولينغ: «على المرء مسئولية أخلاقية، عندما يُمنح أكثر مما يحتاج، لاستغلال كل ما أوتي في القيام بأعمال ذات مغزى، ومنح الآخرين بذكاء».
2012: نشر كتاب للكبار
كانت رولينغ أمام مفترق طريق مع وكيل أعمالها الأدبي الذي تعاملت معه لنحو 15 عاماً عندما نشرت كتابها الأول للبالغين «وظيفة عرضية» في 27 سبتمبر/ أيلول 2012. وتحكي قصة ما يحدث عندما يطل موت غير متوقع.
تلقت روايتها الأولى بعد «هاري بوتر» ردود فعل متباينة من النقاد؛ على رغم أنها مازالت منطلقة إلى قمة قوائم الكتب الأكثر مبيعاً في المملكة المتحدة؛ إذ بيعت منها 2,6 مليون نسخة، وذلك فقط بالنسبة إلى طلبات الشراء وحدها.
الرجل الذي أخرج أول اثنين من أفلام هاري بوتر (وأنتج الثالث) يعتقد بأن هناك الكثير من القصص التي يمكن أن تُروى عندما يتعلق الأمر بهاري، هيرميون، ورون - ويود أن يكون هو الرجل الذي يروي تلك القصص.
توقف كريس كولومبوس في لقاء مع «Entertainment Weekly Radio» (SiriusXM, channel 105), للحديث عن فيلمه الجديد «بكسل». قال لجيسيكا شو ولي كيف أنه يريد أصلاً إخراج سلسلة كاملة من الأفلام، ولكنه تنحى لأنه كان قلقاً من أنها قد تأخذه بعيداً عن أسرته لفترة طويلة جداً.
ومع ذلك، ألقى علينا كولومبوس ما يشبه القنبلة عندما قال إنه يرغب فعلاً في إخراج فيلم آخر من هاري بوتر، ذلك ليس بسبب «الوحوش المذهلة وأين تجدها». إنه يريد إعادة النظر في الثلاثي: هاري، هيرميون، ورون، ويعتقد أن هناك فرصة مثالية للقيام بذلك. وقال كولومبوس: «أحب أن أعود إلى الوراء وأخرج فيلماً آخر». «ليس بقدْر (الوحوش المذهلة)، وهو ما أعتقد أنه سيكون مذهلاً، ولكن أحب أن اصنع فيلماً آخر مع تلك الشخصيات الثلاث: هاري، هيرميون، ورون. فقد فُتنت بشأن ما حدث لها بعد نهاية الفيلم الأخير، فهناك 18 عاماً من القصص العظيمة في هاري بوتر».
إنها في الواقع 19 عاماً، ولكن من ذا الذي يُحصي السنوات؟ المهم في الأمر هو: هل ذكر كولومبوس رغبته وما جاء فيها للكاتبة ج ك رولينغ؟
من جانبه قال كولومبوس: «ليست لدي الشجاعة واقعاً أن أذكر ذلك لها، لأنني أحمل الكثير من الاحترام لها». مضيفاً أنه «يجب عليها أن تفعل ما تريد القيام به، ولكن أود حقاً أن أعرف ما الذي يدور في رأسها بشأن السنوات المفقودة في العمل والتي تمتد إلى 18 سنة».
ما رأيك؟ هل ترغب في رؤية المزيد من أفلام هاري بوتر والتي تملأ فجوة تقرب من 20 عاماً؟ (مع تقدم الممثلين في السن، يمكن لذلك بالتأكيد أن يُحدث أثره). وإذا كان الأمر ممكناً، من الذي ينبغي عليه أن يخرج تلك الأفلام؟
العدد 4714 - الإثنين 03 أغسطس 2015م الموافق 18 شوال 1436هـ
بفضل هالموضوع
عرفت ان رواية نداء الكوكو هي نفسها مؤلفة هاري بوتر لكن باسم مستعار
...
بصراحة كاتبة مبدعة جدا، اتمنى لو انها تواصل سلسلة هاري بوتر