العدد 4711 - الجمعة 31 يوليو 2015م الموافق 15 شوال 1436هـ

برنامج «أوبرا» للتأمّل أم الرواق في السوق؟

رحلة شخصية في المدارس التأملية (2)

الولايات المتحدة الأميركية - فاطمة علي 

31 يوليو 2015

يناقش هذا المقال كيف يمكن للفلسفة الرواقية، أن تصبح أداة مهمة في التدريب العسكري. أسست «الرواقية» قبل أكثر من ألفي سنة في أحد أروقة أثينا القديمة، وهي توفر إجابات وممارسات تساعد المرء على تدريب نفسه لمواجهة أي شيء حتى الموت وتطوير مهارات الثبات وضبط النفس وتعلم كيفية تخطي الأفكار والمشاعر الهدامة. وهي تستخدم أيضاً في العلاج النفسي لحالات الاكتئاب، الأرق، القلق المزمن، الإدمان، إضافة إلى الاضطرابات النفسية المزمنة أو الناتجة عن حوادث أو صدمات.

نستكمل في هذا الجزء من هذا المقال تأملات آخر فلاسفة الاتجاه الرواقي إمبراطور الروم ماركوس أوريليوس التي وردت في كتابه «تأملات» وهو الذي يضم إجابات رائعة لأسئلتنا عن الحياة ومواجهة الأزمات والسعي نحو السعادة. وكان أوريليوس يحمل معه مذكرة يسجل فيها تأملاته حول الحياة؛ حتى خلال حملاته العسكرية. وهي اليوم تعد واحدة من روائع التراث الإنساني الفلسفي التي لايزال يُحتفى بها. استعرضنا في الحلقة الأولى من هذا المقال ثلاثة من أفكار هذه الفلسفة؟ نستكمل اليوم ما تبقى من أبرز عشر أفكار مؤثرة في هذه الفلسفة.

السعادة حالة تعيشها

وليست غاية تصل إليها

أعتقد الرواقيون أن السعادة هي حالة تعيشها في فكرك وحالتك النفسية وبالتالي فهي تنبع من إرادة داخلية وتقع تحت سيطرة الشخص لا الظروف. هذا لا يمنع الشخص من التمني والسعي للثراء والصحة واكتساب سمعة جيدة بل ينظر إليها كظروف محببة لكن لا يتعلق بها أكثر من اللازم. أي أنه، إذا أعطيت له يتمتع بها وإذا أخذت منه لا يحزن أو يجزع لأن سعادته تعتمد عليه لا عليها. لذلك ينصح الرواقيون ربط السعادة بصفات أو أخلاق أو أعمال وليس بنتائج هذه التصرفات أو الأخلاق. فإذا قلت «أنا سعيد لأنني أب جيد مع زوجتي وأبنائي» فلا يوجد غاية هنا ترغب بالوصول إليها، أما إذا قلت «سأكون سعيداً إذا تعاملت زوجتي وأبنائي معي بشكل جيد» فأنت هناك تربط سعادتك بغاية قد تتحقق وقد لا تتحقق. وهذا ما يرفضه الرواقيون.

كل الأشياء ضئيلة

مؤقتة متغيرة وفانية

روّج الرواقيون لحياة الزهد وبساطة العيش والابتعاد عن الماديات. بالنسبة إليهم لا شيء يستحق أن نتعلق به كثيراً حتى الموت لأن التغيير طبيعة الحياة. وكل شيء تراه إما سيتغير أو يفنى. لذا ينصح الرواقيون الناس بتذكر أنه من الوارد جداً أن يغادروا الحياة في هذه اللحظة، وعليهم أن ينظموا كل فكرة وفعل ليغادروا الحياة وهم راضون عن أنفسهم.

المشاعر السلبية نتيجة

مباشرة لاعتقادات خاطئة

هذه هي الفكرة التي ألهمت «ألبرت أليس»، وهو أحد أهم المؤثرين في تاريخ العلاج النفسي لتأسيس العلاج الذهني السلوكي الذي أثبتت الدراسات فاعليته في علاج حالات الاكتئاب والاضطرابات النفسية المختلفة. يؤمن الرواقيون بأن ردود أفعالنا ومشاعرنا السلبية تجاه حدث ما مرتبطة ارتباطاً تاماً بأحكام واعتقادات خاطئة حول هذا الحدث، وإذا صححنا هذه الاعتقادات سنتمكن من عزل أو تقليل المشاعر وردود الأفعال السلبية. إذا غضبت لأن المؤجر رفع سعر الإيجار فغضبك ناتج عن انطباع خاطئ وهو أن المؤجر لن يحاول زيادة ربحه، وهو ما يخالف طبيعة عالم التجارة. أما إذا امتلكت المعرفة والحكمة كما يوصي الرواقيون فلن تصدم عندما يحدث هذا الشيء بل ستتوقع حدوثه وتهيئ لنفسك خطة بديلة لمواجهته.

الظروف لا تؤثر

على روح الإنسان وإنما أفكاره حولها

يؤمن الرواقيون بأن الإنسان قد لا يتحكم في الظروف أو الناس المحيطين به لكن لديه القدرة على التحكم بأفكاره وردود فعله للحفاظ على سلامته العقلية وصحته النفسية. لو علمت بأن شخصاً ما تحدث عنك بسوء فإن المعلومة نفسها شيء مجرد غير قادر على إحداث الأذى لروحك. أما شعورك بالغضب والكره أو الرغبة في الانتقام من جراء ذلك، فهو ما يجعلك شريكاً في أذية نفسك وتعبئة عقلك بالأفكار السلبية.

تفاءلوا لكن لا تعطوا

الناس آمالاً كاذبة

يحث الرواقيون على الاحتفاظ بنظرة تفاؤلية للحياة. إلا أن ذلك لا يعني إعطاء الناس آمالاً كاذبة. إن عبارة «لا تقلق، كل شيء سيكون على ما يرام» لن تساعدك أو من حولك على مواجهة الأسوأ بل قد تأخذ آمالهم للسماء ثم تسقطهم أرضاً. عرف الرواقيون بتمضيتهم وقتاً في توقع أسوأ ما يمكن أن يحدث والتمرن على طرق مواجهته وتقبله بمقدار أقل من الألم.

الإنسان مواطن عالمي

لا يجب أن يعزل نفسه

هل يمكن لقدمي الإنسان الواحد أن تسيرا باتجاهات متضادة؟ على الأقل ليس هذا ما يؤمن به الرواقيون. إنهم ينظرون للبشر كأعضاء لجسد واحد خُلقوا ليتعاونوا مع بعضهم البعض وإن القيام بفعل ضد الآخر هو مخالف للطبيعة البشرية. لذلك علينا أن ندرك بأن أخطاء الآخرين ناتجة عن جهلهم بما هو صحيح وخاطئ. يجب عدم الرد على الإساءة بمثلها أو السعي للانتقام. الحكيم هو من يدير انفعالاته بحيث لا تتأثر بأخطاء الآخرين.

التمتع بالأشياء الصغيرة

إن ممارسة التأمل والامتنان مهمة لدى الرواقيين. على رغم كونهم يحثون دائماً على التركيز على العلم والعمل لكنهم يدعون الإنسان إلى عدم التوقف عن ملاحظة الجمال الكائن في الأشياء الصغيرة، كالشقوق في رغيف الخبز، وانحناء سنابل القمح ولطافة الأطفال. يقول ماركوس أوريليوس «عندما تصحو في الصباح تأمل كم هو امتياز ثمين بأن تحيا، أن تتنفس، أن تفكر، أن تتمتع، وأن تحب».

العدد 4711 - الجمعة 31 يوليو 2015م الموافق 15 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً