العدد 4711 - الجمعة 31 يوليو 2015م الموافق 15 شوال 1436هـ

الكوز وأنواعه وما شابهه: الحنبوص والترتور والزبوت

الكوز الذي يستخدم عوضاً عن الحنبوص
الكوز الذي يستخدم عوضاً عن الحنبوص

الكوز، وجمعها أَكواز وكِيزان وكِوَزَة، هو اسم عام لأنواع مختلفة من القواقع الكبيرة، والاسم مشهور على سواحل الخليج العربي. الكوز، كذلك، عند العامة هو اسم لآنية فخارية صغيرة. وهذه الآنية كانت معروفة منذ القدم، وذكرت في كتب اللغة إلا أن وصفها، في هذه الكتب، ليس دقيقاً، إلا أن المرجح أنها آنية فخارية كانت تستخدم لغرف المياه من الأواني الكبيرة، أي كالمغرفة، وكذلك تستخدم في الشرب، وحسب ما جاء في مصدر حديث فإن الكوز بالضم، إناء من فخار له عروة وبلبل، وهو أصغر من الإِبريق، فإن لم تكن له عروة فيسمى حينه كوب (الجميل 1994). وملخص ما جاء في معجم «تاج العروس» (مادة كوز) أن الكُوز بالضَّمِّ نوع من الأَواني، ويقال إنه من كازَ الشيءَ إذا جمعَه، وجمع الكوز، أَكوازٌ وكِيزانٌ وكِوَزَةٌ مثلُ عُودٍ وأَعوادٍ وعِيدانٍ وعِوَدَةٍ.

هذا، ولا يستبعد أن تكون هناك علاقة بين الكوز، بمعنى قوقعة، والكوز بمعنى آنية؛ فبعض أنواع الكيزان، أي القواقع، كبيرة وتشبه الآنية الفخارية، وربما هذه القواقع استخدمت كآنية لغرف الماء. فإن صح ذلك، فإن تسميتها بالكوز جاءت من قبيل التشبيه لها بالآنية التي عرفت بالكوز.

والكيزان، بأنواعها، مشهورة على سواحل الخليج العربي، فهي توجد بكثرة على هذه السواحل. ولكثر تواجدها على هذه السواحل، قيل في الأمثال الشعبية «كوز كرنكوز في كل مكان مركوز»، وأحياناً يختصر المثل فيقال فقط «كوز كرنكوز»، ويقال المثل للشخص الذي يحشر نفسه هنا وهناك دون فائدة.

يذكر، أن هناك أنواع وأشكال وأحجام مختلفة من الكيزان، وجميعها لها حضور كبير في الذاكرة الشعبية؛ فمنها ما كان يؤكل، ومنها ما استخدم في الألعاب الشعبية، ومنها ما كان يستخدم في صناعات قديمة على سواحل الخليج العربي، وهي صناعات ما عاد لها وجود. وسوف نتطرق بشيء من التفصيل لكل ذلك في هذه الحلقة والحلقات القادمة.

الكيزان وصناعة النورة

تتكون الأصداف البحرية، بصفة خاصة، من مادة كربونات الكالسيوم، أي المكون الأساسي لحجر الجير؛ ولهذا السبب استخدمت الأصداف البحرية، بصورة عامة، كبديل للحجر الجير في تحضير النورة أو الهچ (الهك) (عن موقع شبكة تراث الإمارات أو النهام alnahaam.com). ففي مناطق مختلفة على سواحل الخليج العربي، كدولة الإمارات العربية، استخدمت قواقع الكيزان كمكون أساسي، من ضمن بقية الأصداف البحرية، في تحضير النورة. وتتم العملية على شاطئ البحر؛ حيث يتم جمع الأخشاب وصفها بصورة معينة وتوضع بعدها الكيزان، ومعها أيضاً أنواع أخرى من الأصداف البحرية من ذوات الفلقتين. وبعدها تشعل النار والتي تستمر فترة طويلة ربما يوم أو أكثر حتى تنصهر الكيزان، وبعدها يتم دق الكيزان حتى تتحول إلى مسحوق (alnahaam.com).

الكوز والحنبوص

من أكبر أنواع الكيزان، والذي يبلغ طولها أكثر من 10 سنتيمترات، هي الكيزان التي تنتمي لعائلة التيوليب Fasciolariidae. ويوجد على سواحل البحرين نوع من هذه العائلة، واسمه العلمي Fusinus townsendi ويعرف عند بعض العامة بأسماء مختلفة، منها الكوز وبوعلوه وچليب. ويتميز هذا النوع من الكيزان بقوقعة ذات شكل مميز، فهي مخروطية الشكل، ولها رأس مدبب؛ ولهذا السبب كان بعض الأطفال في الماضي يستخدمونها في الألعاب الشعبية بدلاً من الحنبوص الخشبي. والحنبوص (يلفظ بالميم أي حمبوص) عبارة عن قطعة من الخشب مدببة الرأس، يلف حولها قطعة من القماش تنتهي بعصا طويلة. ويضرب الحنبوص بهذا الخيط لكي يدور على الأرض، وهي من الألعاب الشعبية المشهورة التي تسمى في البحرين باسم البلبول وفي مناطق أخرى في الخليج العربي (كما في الإمارات وعمان) تسمى الترتور أو الزبوت.

ولعبة الزبوت أو الترتور هي نفسها لعبة الحنبوص، وقد جاء في وصفها أنها «من الألعاب الجماعية حيث يحضرون الزبوت وهو عبارة عن خشبة مخروطية الشكل وخيط رفيع ... وهناك عدة أنواع من الزبوت منها (زبوت نشبيل) و(زبوت شلاخ)، وعادة ما تمارس هذه اللعبة في الشتاء، وعند اللعب يلف الخيط على الزبوت ثم يقوم اللاعب برميه على أرض صماء، فيدور وقد يضرب الزبوت بالشلاخ أو بعصا فيزداد دورانه ويتنافس اللاعبون في ذلك» (omanya.net).

الحنبوص والترتور والزبوت

المرجح أن الأسماء «حنبوص» و»ترتور» تخص القطعة الخشبية التي كانت تستخدم في اللعبة الشعبية السالفة الذكر، وهي أسماء مشتقة من ألفاظ عربية تدل على الحركة والدوران؛ فالحنبوص تدل على الروغان، وملخص ما جاء في معجم «تاج العروس» (في المادتين «حبص» و»حنبص»):

«حنبص، وأَحْسَبُ أَنَّ النّونَ فيهِ زائِدَةٌ؛ لأَنَّه من الحَبْصِ. وحَبَصَ يَحْبِصُ حَبْصاً وحَبَصاً إِذا عَدَا عَدْواً شَدِيداً والحَبِيصُ كأَمِيرٍ: الحَرَكَة. والحَنْبَصَةُ: الرَّوغَانُ في الحَرْبِ. وأَبُو الحِنْبِص بالكَسْرِ: كُنْيَةُ الثَّعْلَب لِمُرَاوَغَتِه».

وكذلك اسم ترتور يدل على الحركة؛ فقد جاء في معجم «تاج العروس» (في مادة ترر)، أن التَرُّ هو السَّرِيع الرَّكْضِ من البَرَاذِينِ والتَّرْتَرَةُ هي التَّحْرِيكُ.

هذا، وقد تم استعارة تلك الأسماء لأنواع من القواقع، وذلك من باب التشبيه؛ ففي الإمارات يطلق اسم الحمبوص على نوع من القواقع البحرية، شبيهة بالكوز السالف الذكر الذي يستخدم عوضاً عن الحمبوص (ثابت 2008، ص 69). بينما الاسم «زبوت»، فهو في الأصل نوع من القواقع البحرية مخروطية الشكل (ثابت 2008، ص 112)، شبيهة بالدوامة، وهي تعرف في الكويت والبحرين باسم الزبوط، وسوف نتناوله بالتفصيل في حلقات قادمة من هذه السلسلة.

العزيزو والكوز

العزيزو أو العْزَيْزَة (تلفظ لعْزَيْزَة أو اعْزَيْزَة) عند العامة في الخليج هي قطعة عظم مصدرها الغنم أو البقر ولا يهم أي جزء من العظام هو وإنما المهم أن يكون له شكل بيضاوي تقريباً بحيث تشبه جزء من جسم الإنسان له رأس وجسد فقط دون أطراف، حيث يتم رسم وجه على الجزء الشبيه بالرأس ومن ثم يلبس أو يلف في قطعة قماش ويتم تبخيره ومن ثم يتم إلقاؤه في بيت أو بين جماعة فيسبب لهم الفتنة. وغالباً ما يستخدم عظم المفصل.

وفي الكويت يطلق البعض مسمى العزيزو على نوع من أنواع القواقع البحرية التي لها شكل شبيه بشكل عظمة العصعص أو العظم المفصلي (عن موقع nationalkuwait.com)، ويعرف هذا النوع باسم المرَّيق (Muricidae) واسمه العلمي Murex scolopax وهو يعرف عند بعض العامة في البحرين باسم «كوز الشمر» وفي الإمارات يسمى خشام. ويتميز هذا النوع من القواقع بوجود أشواك مخيفة ومؤلمة في حال إن داس عليها أحد، ويخاف البحارة ومن يعمل في الصيد من أن يعلق في شباكهم، وإن رأوه رموه في البحر فوراً خوفاً من أن يدوس عليه أحد في المركب ويسبب له الأذى (عن موقع nationalkuwait.com). وليس من الواضح أصل تسمية اعزيزة واعزيزو ولكن هناك اتفاق بين الجميع على الشكل ولا يعرف أيهم أسبق في التسمية هل هو القوقع أم العظم فالمرجح أن وحدة الشكل ووحدة الاسم ليست مجرد صدف.

الخلاصة، أن هناك أنواعاً وأشكالاً وأحجاماً مختلفة من الكيزان على سواحل الخليج العربي، ولهذه الكيزان حضور كبير في الذاكرة الشعبية، وقد تناولنا هنا نوعين منها، الكوز الذي يستخدم عوضاً عن الحنبوص في إحدى الألعاب الشعبية، وكذلك تناولنا كوز الشمر، الذي يتشاءم منه البحارة إن وقع في شباكهم، خوفاً من الأذى الذي يتسبب به، وأسماه البعض العزيزو. وسوف نتناول في الحلقات القادمة أنواعاً أخرى من الكيزان، ومدى حضورها في التاريخ والتراث الشعبي.

العدد 4711 - الجمعة 31 يوليو 2015م الموافق 15 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً