يشكل الهاجس الأمني قضية مهمة لدى الحكومات والمجتمعات العربية في هذه المرحلة، خصوصاً مع تنامي الجماعات الإرهابية وتهديدها لمختلف بنى الدولة والمجتمع. وفي المقابل فإن القطاعات الأمنية هي أيضاً محل تساؤل عن مدى فاعليتها وجهوزيتها وقدرتها على حماية المواطنين والقيام بمسئولياتها بصورة فاعلة.
العلاقة بين القطاعات والأجهزة الأمنية وعموم المواطنين كانت دائماً محل طرح وتساؤل، ففي الوقت الذي يتطلع فيه المواطنون إلى أن تكون هذه الأجهزة أداة حماية لهم، فإنها تتحول أحياناً إلى أجهزة قمع وتخويف، أو تُمارس أفعالاً لا تتوافق مع أهدافها ورسالتها.
من هنا فإن البحث عن توجهات وآراء المواطنين حول الأجهزة الأمنية يساهم كثيراً في إعادة تصحيح بناء هذه القطاعات ويطوّر من أدائها ويجعلها أكثر تناغماً مع حاجات الفئات المستهدفة وهم المواطنون.
من هذا المنطلق فقد عملت أربعة مراكز بحثية عربية على مشروع «مقياس قطاع الأمن العربي وتوجهات المواطنين 2015»، يهدف إلى قياس مدى التقدم في الإصلاح الأمني وتحليل واقع قطاع الأمن ونظرة المواطنين حوله، وتشخيص نقاط الخلل والقوة في أدائه، واقتراح الحلول المناسبة ووضعها أمام القيادات الأمنية في البلدان العربية.
التقرير الأول الذي أعلن عن إطلاقه هذا الأسبوع في تونس شمل أربع دول عربية هي العراق وتونس واليمن وفلسطين، واحتوى على 128 مؤشراً رئيساً وفرعياً، منها تقييم عمل المؤسسات الأمنية، والتوقعات المستقبلية حولها، واتجاهات التغيير فيها، ومدى الثقة بها، ومدى انتشار الفساد فيها، وعلاقتها بالقضاء والسياسة، ومدى احترامها لحقوق الإنسان.
يؤكّد المقياس على أهمية العلاقة بين الأمن والاستقرار والتأثير المتبادل بينهما، ويعمل على قياس أداء القطاعات الأمنية وجاهزيتها للحصول على صورة أوضح لتطوير هذه الأجهزة. ويختبر التقرير موضوعاً بالغ الأهمية حول مدى اعتقاد المواطنين أن الأجهزة الأمنية تعمل لصالحهم أم لصالح الأنظمة.
تظهر نتائج هذا التقرير القائم على استطلاعات رأي أجريت خلال العام 2014، أن الاحتكاك والتجربة المباشرة مع أجهزة الأمن يخلقان انطباعات سلبية عن هذا القطاع، وأن توفر الشعور بالأمن يلعب دوراً مهماً في تقييم المواطن لهذا القطاع. ويؤكد التقرير على أن اطلاع ومعرفة المواطنين بمهام واختصاصات أجهزة الأمن المختلفة يعطيان انطباعات إيجابية أكثر لديهم ويعزّز الثقة بها.
يكشف التقرير أيضاً أن نصف الجمهور في الدول موضع الدراسة لا يثق بالقطاع الأمني وليس راضياً عن أدائه، كما أن من بين المؤشرات التي بينت عن إيجابية لدى المواطنين هي التوقعات المستقبلية للقدرات المهنية لأجهزة الأمن، وإحساس المواطن بالأمن والسلامة الشخصية. أما أبرز المؤشرات السلبية فهي الاعتقاد بانتشار الفساد في الأجهزة الأمنية وضعف الاطلاع والمعرفة باختصاص ومهام مختلف الأجهزة، وكذلك ضعف تقييم قدرات ومهنية هذه الأجهزة.
يوضح التقرير أن الانتماءات السياسية والطائفية للمواطنين تضيف بعداً إضافياً قوياً في تفسير تقييم قطاع الأمن وتشكيل مواقف وانطباعات تجاه هذا القطاع، فهناك علاقة قوية جداً بين الانتماء السياسي والطائفي وبين الشعور بتوفر الأمن؛ فالمواطنون المنتمون لأحزاب أو طوائف تقف خارج الحكم يشعرون بغياب الأمن أكبر من المنتمين لأحزاب أو طوائف حاكمة.
الدراسة الاستطلاعية تؤكد على الأهمية الملحّة للإسراع في إصلاح القطاع الأمني، لكي يلمس المواطنون نتائج إيجابية أكبر، وتوضح أن الإصلاح الأمني الفاعل هو الذي يمؤسس المساءلة ومكافحة الفساد ويحترم حقوق الإنسان ويحدّد مهام ومسئوليات أجهزة الأمن وتسلسلها القيادي.
مشروع مقياس قطاع الأمن من المشاريع المتميزة والرائدة في المنطقة العربية، حيث يتناول أكثر القضايا حساسيةً للمواطن العربي بطريقة موضوعية وعلمية، وبصورة بناءة تستفيد منها أجهزة الأمن على مستوى الوطن العربي بشكل عام. ما يحتاجه هذا المشروع هو التوسع لبقية الدول العربية وأن ينال حظه من الاهتمام عبر دراسة نتائجه والعمل على تحويل توصياته إلى برامج ومشاريع عمل لتحسين وتطوير أداء الأجهزة الأمنية حسب رؤية المواطنين لها.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الشايب"العدد 4711 - الجمعة 31 يوليو 2015م الموافق 15 شوال 1436هـ