تخيّلوا لو أن كل العالم يضم في غالبيته سكّاناً من المجانين. نكرّر دائماً: «المجنون في نعمة»، أو «الجنون نعمة»، ولكننا لم نعتد القول إن «المجانين» في نعمة، في إيحاء ورغبة عن وعي في أن يكون الذين يهيمنون على العالم هم المجانين.
تعوّدنا على حصر تلك الأمنية في «مجنون واحد»، وهو تعبير مجازي يمكن أن يمتد إلى مجانين، لكن لا يهيمنون على محيط يعيشون فيه، يمكن أن يكون/ يكونوا في نعمة، نعمة انفصالهم عن هذا الجنون الذي يتحكم في سكنات وحركات العالم، ويعبث في إرادته وخياراته. جنون الحمق والاندفاع والتهور، مع جيوش من المستشارين والخبراء، بشهادات دكتوراه في الجنون الذي يهدد إنجاز العقل البشري، بما يساهمون فيه من دمار وخراب وتفتيت وتقسيم.
المجانين الذين بوعي أو من دون وعي، لا يرون محظورات أمامهم أو خطوطاً حمراء، فيتناولون قضايا يتم وضعهم أمامها بكل صدق وتجرد وبمنأى عن النفاق والتزلف. سينجون إذا أتيحت لهم أرضية ولو بسيطة لعرضهم على من يقيم إمكاناتهم العقلية. الاختيارات نفسها بمعاييرها وشروطها يمكن أن تجعل من العاقل مجنوناً، ومن المجنون عاقلاً، تبعاً للظروف والحاجة والاملاءات أحياناً.
الذين يثبت أنهم عقلاء هم أكثر عرضةً للملاحظة والنقد والمساءلة والجرجرة أيضاً إلى مراكز التحقيق، وما بعدها. وتلك نعمة أن تكون مجنوناً. وعلينا هنا أن نزيل اللبس: لا نتحدث عن جزء من العالم الذي نعيش فيه. لا تقييم بذلك المستوى الذي تذهب إليه هذه المقالة. الكل مستهدف ومتهم وتحت المجهر.
في العالم مجانين أحدثوا تغييرات مذهلة ولافتة وتصيب أي إنسان بعجز في التعبير عنها. البهلول في تاريخنا العربي واحد من أولئك المجانين/ العقلاء الذين قدموا صورة وتعرية في الوقت نفسه، للعقل السائد في تلك الفترة الزمنية، ويقدمون تلك الصورة حتى يومنا هذا.
والذين هم على ارتباط حتى بالظاهر من الثقافة والمعرفة، لا يمكن أن يمر عليه اسم الفنان الهولندي فان جوخ دون أن يستحضروا الواقع الذي عاشه وبعض ما وصلنا من تفاصيل جنونه. هو نفسه الذي عاش فقيراً ودون الكفاف، وأحد الذين سجّلت قيمة لوحاتهم في المزادات العالمية أرقاماً قياسية غير مسبوقة مع بدء الالتفات إلى الاستثمار في مجال الفن التشكيلي والفنون بشكل عام. هو نفسه جوخ الذي لم يتردد في قطع إحدى أذنيه، وما وصلنا من تاريخ يتحدث عن محاولاته الانتحار التي فشل في كثير منها، ليتحقق له مبتغاه بالموت انتحاراً.
الموسيقار العالمي بيتهوفن لم يكن بعيداً عن حافة الجنون. قائمة تضم قادة عسكريين ورؤساء دول مروا بذلك الطور. كان جنوناً ضمن مساحتهم وحدودهم، لم يخل من إبداع وإدهاش وطاقة مذهلة. وذلك هو الجنون الذي يحتاجه العالم، وسيكون في نعمة بهم، بموازاة النعمة التي هم عليها.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4709 - الأربعاء 29 يوليو 2015م الموافق 13 شوال 1436هـ
لأيهمنا مجانين العالم كثيراً بل مجانين العالم العربي والاسلامي
مجانين المذاهب نريد هم أن يتحدون حتى نعيش في أمن وأمان وتقف الحروب والكراهية والتكفير
احسنت
عساك عالقوة