في المؤتمر الذي أقامته رابطة تونس للثقافة والتعدد بقاعة دار الكتب التونسية في منتصف يونيو/ حزيران الماضي، كانت محاوره تنصب في ثلاثة اتجاهات: المرأة والخطاب الديني، وقراءات معاصرة للنص الديني فيما يخص المرأة، والمرأة والتشريع واقع وتطلعات. ما يميّز هذا المؤتمر أنه احتضن نساءً ورجالاً في طرح قضايا نسوية، إضافةً إلى مشاركة نساء من التيار الإسلامي بشقيه، وأخريات من التيار العلماني. كما أن المؤتمر احتضنته تونس الخضراء التي تشهد حراكاً في قضية المرأة خصوصاً بعد الثورة بين من يريد الإبقاء على ما شرعه الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة في الأحوال الشخصية وبين من يريد العودة إلى النص الإسلامي في التشريع.
المؤتمر تناول عدة أفكار وقضايا وتطلعات، لكن هناك قضايا هيمنت عليه وأثارت جدلاً واسعاً بين أروقته فيما بين النص الإسلامي وما بين القراءات الحديثة وتطلعات تشريعية قادها المحامون. من القضايا التي طرحت وعنونها أستاذ علوم الشريعة بجامعة الزيتونة نور الدين الجلاصي بعنوان «النساء لسنا ناقصات عقل ودين» يستند في ذلك بأن الحديث ليس منسوباً للرسول (ص)، إذ يشير إلى أن الرسول (ص) خطب في النساء فقال: «يا معشر النساء تصدقن، فإني أريتكن أكثر أهل النار...»، وقد علّق عبدالله ابن مسعود «ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرجل الحازم من إحداكن...». فالجلاصي يرى في تعليق ابن مسعود بمثابة الفصل بين الوصل المدرج وعلى أساس ذلك أخذه من رواه عنه كجزء من الحديث، وعلى ذلك قاس الجلاصي قضية التفرقة بين دية الرجل والمرأة والشهادة على أساس نفي الحديث في كون النقص يأتي من عدم المساواة.
أما مسالة القوامة فقد أكّدتها ليلى حسين من البحرين من خلال استعراضها لتفسير الميزان للمفسر محمد حسين الطباطبائي على أنها تشريع لا يفهم منه تمييز بين الرجل والمرأة، على أساس أنها ليست منطلقة من مسألة رجل وامرأة بقدر ما هي في دائرة زوج وزوجة، من ضمن تكليف وليس تشريف. كما أشارت حسين إلى أن القوامة وتعنى في اللغة الخدمة، ميزة للمرأة وليس انتقاصاً من كيانها. في حين رأت حياة اليعقوبي من تونس باستدلالها من قراءة حامد أبو زيد في كتابه «دوائر الخوف»، أن النص القرآني جاء في سياق الوصف التاريخي على اعتبار أن القوامة وصفٌ لحال وليس تشريعاً، إذ لم يكن المخاطبون في تلك الفترة التاريخية قادرين على استيعاب فكرة المساواة.
أما القضية التي أخذت جدالاً واسعاً هي قضية تعدد الزوجات والتي أثارتها رشيدة السمين في تونس في ورقتها «المرأة العربية بين تشريعات الفقهاء وتغريدات الفلاسفة»، إذ أنكرت تعدد الزوجات كتشريع يضرّ باستمرار الأسرة وإصلاحها على حد قولها.
وساهمت ربيعة تعاريت من تونس في ورقتها «المساواة داخل الأسرة بين التفسير الديني والقانون والواقع» أيضاً في تأكيد ما ذهبت إليه السمين في قضية التعدد، بل إنها تعدت ذلك إلى طرح أن مسألة المهر نابعةٌ من فكر الشراء والعبودية، وهي لا تستقيم مع الدين ولا الإنسانية.
الإسلام لديه أوليات وأحكام عامة لا تقاس فيها ولا تخضع لمن المستفيد ومن الضحية، أي يعني لا أنظر إلى الحكم بدرجة الاستفادة وأطوّع قراءتي لذلك، فللنص القرآني أوجه متعددة، لذا اختلفت بعض القراءات حوله، فالبعض يخضع القراءة لنص التفسير، وبعضها للغة، وبعضها للمجريات التاريخية، فالبعض يرى أن التعدد مربوط باليتامى والبعض يرى أن الأصل في التثنية، والبعض يراه تنظيماً ليس إلا، لكن الجميع متفق على أن التعدد ليس جرماً، وفي الوقت ذاته ليس إلزاماً، يعني الإباحية في ضوء الرغبة والوضع والظروف الاجتماعية والتي يحدّدها الإنسان نفسه. فالزواج شراكة وليست ملكية، وقبل البدء فيها يحدّد الشروط والاتفاق كيف ستكون على الحياة، فلا أحد يمتلك الآخر ويمكن لأي طرف أن يملي شروطه الضرورية لتسير حياته بكل طمأنينة، خصوصاً أن هذه الشراكة قائمة على المحبة والمودة. أما فكرة المساواة فالمرأة ليست معنيةً بطلبها، فهي تتحرك في الحياة كإنسان لا ينبغي أن يكون الرجل - كونه جنساً آخر - مقياساً تناضل للوصول إلى مجاراته بل تبقى تتفوق بإنسانيتها وتتميز بالدور الذي تختاره في الحياة. وما الأحكام التشريعية إلا تكليف في حياة نعيشها في أدوار مختلفة، من حياة أسرية أو عملية أو حتى عبادية.
الموضوعات ربما هي قديمة لكنها أخذت منحى لقراءات جديدة، وفهماً آخر ربما غير صحيح، ولكنه يفتح المجال لأفق أرحب في التعاطي مع تلك القضايا، ويؤكد لنا في الوقت ذاته أننا قاصرون ومقصرون.
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 4709 - الأربعاء 29 يوليو 2015م الموافق 13 شوال 1436هـ