ثمة سيولة من التصريحات والمواقف مع إشارة البدء التي أطلقها مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي لتنفيذ الاتفاق النووي، ثمة فائض من التوقعات والانبهار والآراء المغتبطة التي تعظم حجم الانتصارات مع إبرام الاتفاق لجهة إيران، وكثير من الآمال والإفراط في التفاؤل.
هناك أيضاً مواقف معارضة وآراء متباينة حول تفسير بنود الاتفاق وأخطاره وتداعياته بما ركزت عليه من معضلات وتحديات قد تواجه إيران في سياق مراحل تنفيذه، بيد إن الموضوعية تستدعي مقاربة حدث الاتفاق ومسلماته وانعكاساته على الداخل الإيراني والخارج الإقليمي معاً، وتبين ماهية الانتصارات التي تناولتها التحليلات وتضاربت حولها تفسيرات البنود التي تضمنت تفاصيل منحت الأطراف مكاسب من جهة، وفرضت عليها تنازلات من جهة مقابلة، إضافةً إلى امتداد الجدول الزمني لتنفيذه وما قد يطرأ من متغيرات جذرية وجيوسياسية في المنطقة تؤثر بهذا الشكل أو ذاك على التزام طرفيه.
اتفاق تاريخي
أجمع المحللون على أن الاتفاق تاريخي ويمهّد لمرحلة ومنعطف جديد، فما قبله ليس كما بعده، ولهذا وصفه الكاتب الأميركي توماس فريدمان بالمثير، واعتبره «زلزالاً جيوسياسياً» سيؤثر على إيران ويعيد ترتيب الشرق الأوسط، فيما أكد غيره بأنه سيغيّر أوضاع وموازين القوى الإيرانية الفاعلة بمستويات متباينة تعكس توازناتها الاجتماعية والاقتصادية. واعتبره كاتب إيراني بأنه «تجربة مخاض واحتمال ولادة فجر (مشرق) جديد مواكب للمرحلة الانتقالية التي يعيشها عالم ما بعد معادلة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية». أما جميل مطر من «الشروق» فوصفه بـ»الحدث المهم وتطور له آثار على مستقبل العلاقات الدولية، وعلى رغم تضخيمه ومصاحبته لضجيج هائل في تصوير صعوباته خلال المفاوضات، وما تبعه من تعبئة إعلامية وسياسية، إلا إن له أهدافاً أخرى لم يجر بحثها أو لم يتوصل الأطراف إلى إجماع حولها خلال المفاوضات، إذ جرى بين دول هي الأقوى عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، ودولة عادية القوة بشأن شكوك في تمكّنها من التحوّل إلى قوة نووية».
أحد الكتاب في «السفير» اللبنانية قال بأن «المسألة نووية شكلاً، سياسية مضموناً، والاتفاق ثنائي الطابع بين واشنطن وطهران، ووظيفته الأولى تطبيع العلاقات، كما إن أهميته السياسية والرمزية توازي أو ربما تفوق حاجته لأغراض سلمية أو عسكرية».
والنتيجة هي أن العالم إزاء حدث تاريخي كبير لا يمكن التقليل من شأنه وتأثيراته، مهما اتُفق أو اختلف مع أطرافه، والعالم على هذا النحو أو ذاك أقرّ بأن إيران دولة قوية إقليمياً لها حضورها ودورها التاريخي والجغرافي الذي يستند إلى مصالحها أو «أطماعها» حسب البعض في المنطقة، مقارنةً بمصالح و»أطماع» القوى الإقليمية والدولية الأخرى.
ماهية الانتصار... ولكن
المعتدلون الإيرانيون على قناعة بأن بلدهم حقّقت مكاسب، ليس أقلها تثبيت شرعية نظام الجمهورية بعد مقاطعة وحصار داما ثلاثة عقود، إلى جانب الاعتراف بها عضواً في النادي النووي، وبقدرتها المستقبلية على إنتاج القنبلة النووية. والأبرز الأهم هو حصولها على وفرة مالية (أكثر من 150 مليار دولار) من أموالها المجمّدة وتدفق الاستثمارات الدولية عليها، الأمر الذي سيساعدها على تجاوز معاناتها من العقوبات وما تعرض إليه اقتصادها وعملتها من مشكلات وارتفاع لمعدّلات الفقر وغيرها من مشكلات اقتصادية واجتماعية.
من ركز على الانتصارات المتحققة رأى أن الاتفاق سينهي عزلة إيران ويعيد دمجها في المجتمع الدولي من أوسع الأبواب كي تلتحق بركب الاقتصاد العالمي وبما يقوي نفوذها الإقليمي. إلا أن ذلك مقرونٌ بشروط ليست هينة، وبعضها يتعلق بمستوى التوازنات بين قوى الداخل والسلوك الإيراني الإقليمي وتحالفاته التي يطالب صقور الغرب والولايات المتحدة بتغييره حيال حلفاء أميركا في المنطقة، وعلى رأسهم «إسرائيل» طبعاً، وهذا يثير سؤالاً كرّره المحللون عمّا إذا كان لدى إيران قدرة على التحول من الموقع المعادي للولايات المتحدة إلى موقع آخر، خصوصاً مع تعالي الآراء الإصلاحية والبراغماتية الإيرانية التي تحدّث بعضها عن ضرورة تغيير السلوك تجاه دولة العدو الصهيوني، وبما يتلاءم والمصالح الوطنية.
في هذا الصدد يشير محمد اللباد من «السفير» إلى أن «تغيير السلوك لا يعني بالضرورة الاعتراف بـ(إسرائيل) أو التبادل الدبلوماسي معها، وإنّما تهميشها في الخطاب السياسي الإيراني؛ ليصبح سلوكها شبيهاً بالسلوك الماليزي أو الأندونيسي أو الباكستاني».
واللافت أيضاً رسالة الرئيس الأميركي باراك أوباما في «نيويورك تايمز» بشأن استعداده التخلي عن هدف تغيير النظام الإيراني إذ ما حدث تغيير في إيران «إذا ما أراد آية الله خامنئي رؤية إيران تدخل ثانيةً إلى أسرة الأمم، فيتعيّن أن تحدث تغييرات... على الإيرانيين تغيير سلوكياتهم بشكل أوسع إذا ما أرادوا أن يكونوا جزءاً من الاقتصاد العالمي». ماذا يعني هذا؟ إنه يعني بوضوح، مقايضة دمج إيران في مؤسسات العولمة وأسواقها مقابل تخليها عن سياساتها الخارجية التي يعتبرونها «إرهاباً» يضرب الاستقرار الإقليمي، فضلاً عن نشاطها النووي. ولهذا بالطبع أكلاف كبرى اقتصادية وسياسية يستوجب التطرق إليها عند مقاربة انتصارات النووي.
السيادة في مهب الريح
يتدفق الحديث بشأن موقع القوة الذي بدأت تشغله إيران بعد الاتفاق، خصوصاً مع بدء زيارات قادة غربيين لعقد صفقات تجارية واقتصادية متعلقة بمشاريع البنى التحتية والمؤسسات الصناعة وشركات الطيران وقطع الغيار والاتصالات وغيرها. بيد أن هناك من يعتقدون بأن الاتفاق مسّ العمود الفقري للسيادة والاستقلال الإيراني في مجال حقها بالتطوير النووي، خصوصاً بعد وضع مكونات برنامجها النووي تحت رقابة دولية، الأمر الذي سيمهد لخروقات بسبب صرامة وشمولية نظام الرقابة والتفتيش الذي سيتواصل لمدة 10-25 سنة. كما نص الاتفاق على رفع الخلاف حول اعتراض إيران لأي تفتيش من اللجان إلى اللجنة الدولية، وهذا يضع أعباء إلزامية عليها بقبول التفتيش خلال 24 يوماً، إضافةً إلى تحديات تكشفها تصريحات مسئولين أميركيين تشير إلى إن «الاتفاق النووي مع إيران سيعزّز الخيارات العسكرية المحتملة للولايات المتحدة إذا انتهكت إيران الاتفاق»؛ وتأكيد وزير الخارجية الأميركي جون كيري بأن «الاتفاق يمنح العالم الخارجي أفضل نظام تفتيش على الإطلاق، وإن رصد الأمم المتحدة سيستمر لمدة 20 عاماً»، مضيفاً بأنه أصبحت لديه قدرة غير مسبوقة لرؤية ما يفعله الإيرانيون».
إيران الرسمية، المتشددة منها والمعتدلة، رفضت التفسيرات السابقة، وأبدى المرشد تحفظه وحذره وعدم وثوقه بأميركا التي ستبقى عدواً، وإنه لن يتم مفاوضتها حول ملفات المنطقة والتخلّي عن الأصدقاء والحلفاء. أما الرئيس حسن روحاني فرآى أن مصادقة مجلس الأمن على القرار 2231 يعني اعترافه بحق إيران في التخصيب، وبالتالي فتوقيع الاتفاق بالنسبة له حدث قلّ نظيره في تاريخ إيران. فيما صرح كبير المفاوضين الإيرانيين بأن بلاده لن تقبل إعادة فرض العقوبات بعد 10 سنوات، وأية محاولة لذلك تعني انتهاكاً ومخالفة للاتفاق، فيما قال قائد القوى الجوية في الجيش بأنه لن يسمح بتفتيش المراكز العسكرية.
المشهد النهائي لم يكتمل بعد، والمخاضات لا تزال في شدة تفاعلاتها وتأثرها بتطور المعادلات السياسية والعسكرية في الشرق الأوسط وبالتحالفات الدولية، وبموقف المحافظين الذين يديرون زمام الاقتصاد الإيراني بما يقع تحت تصرفهم من امتيازات قد تتأثر سلباً وتتصارع جراء منافسة الاستثمارات القادمة أو من نظام الرقابة الصارم، والمقصود هنا المؤسسات الاقتصادية والمالية والصناعية التي يديرها الحرس الثوري، وعليهم تزايد الضغوط على النظام لاعتماد الإصلاحات السياسية وإطلاق الحقوق والحريات.
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 4708 - الثلثاء 28 يوليو 2015م الموافق 12 شوال 1436هـ
نبارك لايران الاتفاق النووي
ولكل مجتهد نصيب الايرانيين شعب بطبيعته صبور والحروب التي فرضة عليه اصبح اكثر اصرارا على طلب حقوقه ونتمنى لخليجنا مشاركة دول المنطقه وبما فيها ايران اقتصاديا وسياسيا بما لها مصالح لجميع الاطراف24525