خلال ثلاثينيات القرن الماضي وفي خضم الكفاح ضد الاحتلال طالبت نخبة من الوطنيين بالاحتفال بعيد العرش في عهد جلالة المغفور له محمد الخامس كمبادرة داعمة لمشروعية الحكم وإشارة للتعلق بالعرش ضامن استمرارية الدولة والوحدة الوطنية. وقد رضخت الحماية لمطلب الاحتفال الذي أقر اعتباراً من 1934 بكل ما حمله من رمزية واضحة.
إن نظام الملكية الذي ترسخ على امتداد أزيد من ستة عشر قرن بدءاً بممالك الأمازيغ قبل الميلاد والأسر المتعاقبة منذ حكم الأدارسة في العام 788 شكّل عاملاً أساسياً في وحدة المغاربة وحصناً منيعاً ضد الغزاة لحماية حرمة البلاد وسيادتها مما كان له الأثر العميق في انبثاق الدولة - الأمة التي مكنت المغرب من المحافظة على شخصيته القانونية وهويته الحضارية.
ومن هنا، فإنّ الاحتفال بعيد العرش هو تأكيد لرابطة الوفاء والبيعة التي حاولت سلطات الاحتلال ضرب مقوماتها يائسة بلجوئها للتفرقة بين مكونات الشعب المغربي.
وفي هذا السياق، شكلت المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي والإسباني شمالاً وجنوباً حلقة جوهرية في هذا المسار الذي بلغ ذروته بالتطاول على رمز الشرعية ونفي الملك محمد الخامس إلى مدغشقر في 1953 بمعية أفراد أسرته الشريفة مما مهّد لبزوغ عهد الحرية وبناء المغرب المستقل بقيادته ومن بعده جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراهما.
واليوم، يقدم جلالة الملك محمد السادس نموذجاً لملكية - مواطنة جعلت من الملكية تاجاً فوق رؤوس جميع المغاربة معتزين بجهود جلالته من أجل توطيد الوحدة الترابية وترسيخ الديمقراطية التشاركية وتكريس الحريات والحقوق السياسية بتلازم مع الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وبناء دعائم مجتمع متضامن لا إقصاء فيه من خلال «المبادرة الوطنية التنمية البشرية» التي تستهدف محاربة الفقر والهشاشة وتشجيع الأنشطة المدرة للدخل في انسجام مع الأهداف الإنمائية للألفية. إن هذه الإصلاحات المقدامة كرست الاختيارات المنفتحة للمغرب وأعطت زخماً قوياً للتنمية الشاملة عبر مشاريع كبرى في مجال التجهيزات التحتية ومخططات في مختلف القطاعات الإنتاجية كالفلاحة والصناعة والطاقة والسياحة والطاقة المتجددة.
وعلى الصعيد الخارجي، كرست نفس الرؤية التضامنية لجلالة الملك حرص المغرب الثابت في الدفاع عن الشرعية ومحاربة الإرهاب والقضايا العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والقدس الشريف التي يرأس العاهل الكريم لجنتها الدائمة التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ومن منطلق انتمائه الإفريقي الأصيل أضحى المغرب بامتياز شريكاً استراتيجياً لدول إفريقية عديدة خاصة جنوب الصحراء مما دعم الصلات التاريخية العريقة مع إفريقيا بما فيها البعد الروحي عبر الاستفادة من التجربة المغربية في مجال تدبير الشأن الديني بتكوين الخطباء والأئمة الأفارقة والذي ستضفي عليه «مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة» المحدثة مؤخراً مزيداً من النجاعة والإشعاع بما يكرس الرسالة المشرقة للمغرب في نشر قيم الدين الإسلامي الحنيف.
والثابت أن هذه الإصلاحات دعمت الوضع المتقدم للمغرب مع الفضاء الأوروبي وأكسبته ثقة مختلف الشركاء، دولاً وتكتلات، عبر العالم وفي مقدمتها مجلس التعاون لدول الخليج العربية تمشياً مع «خارطة الطريق» 2013 - 2018.
وفي هذا الصدد، فإنّ التعاون بين اتحاد الغرف الخليجية والجهات المغربية المماثلة لتيسير المبادلات والاستثمارات يعد قوة دافعة لهذه الشراكة الطموحة.
ونحن نحتفل بالذكرى المجيدة لتربع صاحب الجلالة الملك محمد السادس على عرش أسلافه المنعمين، نشيد بالطابع النموذجي للعلاقات المغربية - البحرينية متطلعين في إطار الروابط الأخوية القائمة على التضامن والتشاور والالتزام بقواعد القانون الدولي وخاصة احترام سيادة الدول واختياراتها ورفض التدخلات الأجنبية ووفق مقاربة متجددة ومبتكرة تفسح المجال لتعاون أكثر حيوية وتنوعاً وشمولية معرباً عن أسمى عبارات الشكر والتقدير للقيادة الرشيدة لرعايتها الكريمة أفراد الجالية المغربية ودعمها الدائم للسفارة المغربية لتسهيل أداء مهامها الدبلوماسية في أحسن الظروف.
إقرأ أيضا لـ "أحمد رشيد الخطابي"العدد 4708 - الثلثاء 28 يوليو 2015م الموافق 12 شوال 1436هـ