العدد 4707 - الإثنين 27 يوليو 2015م الموافق 11 شوال 1436هـ

بيت بلا أبواب ولا شبابيك

عصمت الموسوي

كاتبة بحرينية

ذهبت فاطمة، وهي سيدة تركية مسلمة ومطلقة إلى بيت الزوجية في غياب زوجها، فاقتلعت أبواب البيت ونوافذه بمساعدة عدد من العمال ووضعتها في سيارات شحن على مرأى ومسمع من الناس والجيران، ومضت بها بعيداً تاركةً بيتها الزوجي السابق بلا أبواب ولا نوافذ.

حين عاد الزوج لم يصدّق ما فعلته فاطمة، فسارع إلى الشكوى عليها لدى الشرطة متهماً إياها بتخريب وهدم وسرقة منزله وجعله بيتاً غير صالح للسكن والمعيشة. فاطمة قالت للشرطة: أنا لم أفعل شيئاً سوى أخذ حصّتي من هذا البيت الذي ساهمت في بنائه، ودفعت قيمة أبوابه وشبابيكه.

قد يكون زوج فاطمة محقاً، فالبيت الذي تمتلك فاطمة جزءًا يسيراً منه لم يعد صالحاً للسكن بهذه الحالة، بل هو مشرع ومفتوح على الخارج وللمارة والدخلاء وغير آمن وغير محصّن، لكن فاطمة أيضاً لها الحق في استعادة أغراضها خصوصاً حين تمتلك أدلة الإثبات. وهي معادلة عويصة قد يعجز قاضي الشرع عن إثبات من هو المحقّ والمخطئ فيها؟

قصة فاطمة تشكّل نموذجاً للبيت الشرقي المسلم، وعندما تُدفع النساء دفعاً إلى انتزاع حقوقهن خارج أطر القوانين التي تحمي الرجل القوي في المجتمعات الأبوية الذكورية المصمّمة على مقاسه وشروطه ورغباته، وتستهين بالطرف الأضعف؛ أو حين تخرج النساء والزوجات من بيت الزوجية بعد نشوب الخلافات واختلال العلاقة والطلاق خاليات الوفاض بلا مأوى ولا ملاذ، ويتنصل الأزواج من مسئولياتهم والتزاماتهم تجاه شريكة العمر الزوجي وأم الأبناء.

القصة تمثل أيضاً، نموذجاً للوطن الشرقي العربي الغارق منذ زمن طويل في فكره الديكتاتوري ومفاهيمه القديمة وأطره البالية والمنغلق على ذاته، متيقناً أن هذا الفكر صالح لكل زمان ومكان. لذا يغوص عميقاً في أزماته واستبداده القديم المتجذّر ولا يجرؤ على التغيير.

البيت الشرقي الصغير والبيت الكبير كلاهما يقوم على الأسس والمبادئ نفسها. الزوج الذي يستعين بمنطق القوة والنفوذ وما منحه المجتمع من حقوق وقوانين وتسهيلات وتسامح وغفران. هل وجدتم مجتمعاً عربياً يناصح أو يستهجن أو يعادي زوجاً ظلم زوجته أو بطش بها أو اقتص من حقوقها؟ فالزوج الشرقي الذي لا يرى الزوجة شريكة حياة بل وعاء إنجاب وأماً راعية لأبنائه الذين يحملون اسمه، حسبها أن تكون عبدةً ذليلةً مطيعةً وخاضعة ومستجيبة له، وحين ينقضي دورها تستبدل بغيرها وتطرد من جنته.

زوج فاطمة ورب البيت تصرف بشكل معتاد، فلم يجد غضاضةً ولا إشكالاً ولا عيباً في طرد طليقته وتجريدها من حقوقها وتشريدها ربما هي وأبناءها، ونفض يديه من أية مسئوليات مادية ومالية وأخلاقية ودينية تجاهها، واستبدالها بأخرى غيرها واستخدام بيتها أو «بيتهم المشترك» لبدء حياة جديدة.

فاطمة أو الزوجة التي تعتبرها الدساتير الشرقية والعربية عماد الأسرة وأساس المجتمع، وتكفل لها مساواتها بالرجل في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتسنّ الخطط لتمكينها، لا تجد لها نصيراً عادلاً ومنصفاً في لحظات الصراع والاختلافات (التي ينتصر فيها القوي)، لا من منظور زوجي ولا ديني ولا إنساني.

تصرف فاطمة لا يشكّل «حيلة الضعيف في مواجهة القوي» فحسب، إنما هو ينطلق من وحي غريزة المرأة الأنثوية الفطرية الحقيقية التي يمتلكها كل كائن حي عند تعرضه للخطر الماحق، وحين لا يجد معيناً ولا نصيراً. لقد حشرها الزوج القوي ورب الأسرة وحاميها، في زاوية صعبة، فكان أن عبّرت عن ذاتها المقهورة بإحداث التغيير القسري الانتقامي الموجع للآخر. لقد جازفت وغامرت وسلكت طريقاً غير مألوفة لاستعادة حقها المضيّع، وفق منطق «عليّ وعلى أعدائي».

إن البيوت كما الأوطان، لا تقوم على جدران وأسوار وأبواب وشبابيك فحسب، إنما تحرسها المفاهيم والأفكار الإنسانية التي ترتكز على الشراكة والعدل والمودة والرحمة... ودونها فإن الجميع خسران.

إقرأ أيضا لـ "عصمت الموسوي"

العدد 4707 - الإثنين 27 يوليو 2015م الموافق 11 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 8:06 ص

      نصيحة لكل المقدمين على الزواج

      لا تثقوا في القلوب فهي تتغير ووثقوا كل المصروفات فكم من زوجة ساهمت مع زوجها في بناء بيتها وكل مرتبها ينصرف على البيت وبعدين تطلع من المولد بلا حُمُّص اتركوا عنكم المثاليات

    • زائر 6 | 4:26 ص

      ..

      هذا ذكاءوقوة ايضا. تعرف هذه المرأة ان البيت بلا ابواب وبلا شبابيك هو ليس ببيت.
      هناء بوحجي

    • زائر 5 | 3:09 ص

      لا غرابة

      عندما يغيب الدين، او عندما لا يتحول الى سلوك عملي يسير متبعية، فإن هذا الامر الفظ من هذا الكائن الحي، غير مستبعد الوقوع.

    • زائر 4 | 2:37 ص

      احم احم

      اشلون راح ايكون الوضع لو ان فاطمة قسمت البيت وبنت جدار فاصل هل راح يحتار القضاء من جديد كما احتار في قضية الابواب والنوافذ ؟
      لكن ماذا لو كان البيت الشرقي او اي بيت في العالم يضلل ويستر فقط على الزوج وبقت الزوجة تائه تسكن في وطنها بالايجار هل لما يمنحه المجتمع من حقوق وقوانين من قيمة ؟ وهي بامكانها ان تبني بيت ان لم تتسع الارض ففي البحر ممكن ان تبني ؟ ايهما ذا قيمة طيات من الكتب والشعارت والقوانين والحقوق ؟ او بيت تعيش فيه ويستر عليك
      يا ايها المواطن العربي تركوا عنكم الشعارات والابواب المغلقة

    • زائر 3 | 12:53 ص

      ليس في البحرين

      ربما تكون المرأة مظلومة في بعض بلاد الشرق، ولكن ليس في البحرين التي يقف فيها المجتمع والقانون والأعراف مع المرأة دائمًا وإن كانت على خطأ.

    • زائر 8 زائر 3 | 7:57 ص

      الحلقه الاضعف

      يا عزيزي المراه والطفل هم الحلقه الاضعف لا تملك المال لشراء المنزل الرجل ياويها هي وابنائها ولا تستطيع بقيام الاعمال الذي يقوم بها الرجل هناك قيود اجتماعيه والتزامات حسب شخصية المراءه والمفروض كل من يحترم امه واخته وبنته يحترم زوجته وام عياله والانصاف الرجل للمراءه يدل على حسن الشيمه وكرم اخلاقه والا فهو لئيم وصعب المعشر

    • زائر 2 | 11:05 م

      البيوت كا الأوطان.

      صحيح كلامك يا سيدتي، القصة اللتي جأتي بها هي عين الصواب، قصه هادفه فهي تحكي حال وطننا الجريح اللذي فيه حق الضعيف مضيع.و الولاء فيه يفصل على مقاس المصالح الخاصه.

    • زائر 1 | 10:34 م

      سيرة اهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله منار هدى

      يروى أنه دخل رسول الله (ص) بيت الزهراء (س) فوجد أمير المؤمنين عليا يساعد السيدة الزهراء فقال الرسول حديثا طويلا فيه: (ما من رجل يعين امرأته في بيتها إلاّ كان له بكل شعرة على بدنه عبادة سنة، صيام نهارها وقيام ليلها).
      المشكلة فينا أننا ندعي الإسلام وتركنا اللب وأخذنا القشور. والأدمر بعد اللي ترك حتى القشور و راح ياخذ من براون و غرين و جورج و فوكوياما!
      صرنا أمة منافقة وما ألوم غير المسلم البسيط عندما يشمئز من الإسلام بسبب النفاق الصارخ لدى المسلمين.

اقرأ ايضاً