لقد بات اليوم من شبه المؤكد أن استمرار الوجود الإنساني يتوقّف على مدى قدرة المجتمعات والدول على التحاور والانفتاح وسلميّة الفعل السياسي في منأى عن لغة الحرب والقوة، وبعيداً عن كل مظاهر العنف والتطرّف. من أجل ذلك تسعى الجمعيّات والمنظمّات المؤمنة بالسلام والتسامح والعيش المشترك إلى نشر هذه الثقافة بين المسلمين وغيرهم من أتباع الأديان والطوائف والمذاهب الأخرى، وهو ما ظهر جلياً في جهود رابطة العالم الإسلامي، التي عقدت في النصف الأول من شهر أبريل/ نيسان 2015، عدداً من المؤتمرات والندوات والمناشط في كل من كمبوديا واليابان وتايوان، وذلك لمناقشة قضايا الأقليات المسلمة وتعزيز العمل الإسلامي المشترك. من أجل ذلك نتخذها اليوم في مقالنا هذا نموذجاً وعَلَماً من أعلام التسامح والسلام.
منذ عقدين من الزمن، تضاعف الحديث والنقاش عن مواجهة الممارسات الإرهابية التي تستمدّ شرعيّة فعلها من الدين الإسلامي الحنيف، والتي أخذت مسميات وأشكالاً متعددة، ووجدت خاصة في مطلع الألفية الثالثة نوعاً من التأييد عند البعض، بل وربما الدعم المادي واللوجيستي من البعض الآخر، أفراداً كانوا أو جماعات أو دولاً. وهو ما تنامى أكثر فأكثر بعد العام 2011 وأخذ مجرى آخر عصف بوحدة الصف الإسلامي، فتأجّجت نيران الفتن والاقتتال الطائفي بين المسلمين. وقد اقتضى ذلك تحركات على العديد من الواجهات، لعل من بينها وأقربها إلى أذهان العامة والشباب تلك الحوارات والملتقيات التي يقع تنظيمها في مختلف بقاع العالم، وليس آخرها ما نظّمته رابطة العالم الإسلامي في كمبوديا واليابان وتايوان، حيث عقدت ندوة «الإسلام ورسالة السلام والتسامح»، بالتعاون مع الجمعية الإسلامية في كمبوديا.
وقد دعت الرابطة نخبة من العلماء والأئمة والدعاة وأساتذة الجامعات للمشاركة في هذه الندوة، وناقشت ثلاثة محاور: «السلام والتسامح في الإسلام.. منهج ورسالة»؛ و»المسلمون والتسامح.. مشاهد ومقاصد»؛ و»حاجة المجتمعات إلى السلام والتسامح.. الواقع والمأمول». وتناولت الندوة مفهوم السلام والتسامح في الإسلام، وأثر الإسلام في تحقيق السلام العالمي، من خلال تعزيز التعايش السلمي، وإشاعة التراحم بين الناس، ونبذ العنف والتطرف بكل صوره ومظاهره. كما أكّد المتداخلون على أهمية الحوار الهادف بين أتباع الأديان والثقافات لمواجهة المشكلات، وتحقيق السلام بين مكونات المجتمعات الإنسانية، وتعزيز جهود المؤسسات الدينية والثقافية في ذلك.
وكانت جهود دول شبه جزيرة الهند الصينية (كمبوديا- فيتنام - لاوس) في التعريف بالإسلام بما هو دين التسامح والتعايش السلمي في المجتمع والحرص على وحدته محلّ تقدير الجميع خلال الندوة. ودعت رابطة العالم الإسلامي مسلمي هذه الدول إلى المزيد من الالتزام بالقيم الإسلامية في التعامل مع المكونات الثقافية المختلفة، ومشاركة مواطنيهم مسيرة البناء، والتعاون معهم في تحقيق المصالح الوطنية، وهو ما يساهم إيجابياً في نشر رسالة التسامح في الإسلام. كما أكّدت على أهمية استمرار الروح الإيجابية التي كان عليها المسلمون طوال القرون الماضية، في حسن التعامل مع الآخرين والتعايش معهم.
كما نظّمت رابطة العالم الإسلامي في العاصمة اليابانية طوكيو، في أبريل الماضي أيضاً، مؤتمراً بعنوان «البحث عن رؤى مشتركة للسلام»، لمناقشة قضايا الحوار بين المسلمين وقادة الأديان في اليابان، وذلك بالتعاون مع الجمعية الإسلامية في اليابان. وقد ناقش المشاركون في المؤتمر قضايا «الأديان والسلام»؛ و»الاختلاف الديني وثقافة الكراهية»؛ و»القيم الدينية والتحديات المشتركة»؛ و»الخطة المستقبلية».
وفي العاصمة التايوانية (تايبيه)، أقامت رابطة العالم الإسلامي مؤتمراً حول قضايا «الأقليات والتحديات المعاصرة»، ناقشت خلاله أربعة محاور: «الأقليات وصراع الهوية»؛ و»تحديات الأقليات المسلمة»؛ و»مسلمو الأقليات.. الحقوق والواجبات»؛ و»الأقليات وخصوصية الفتوى».
وتسعى رابطة العالم الإسلامي من خلال هذه المبادرات والجهود المحمودة إلى التصدي للإرهاب؛ فقد أكّد الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي عبدالله بن عبدالمحسن التركي، أنّ «محاربة الفكر المتطرف لا يكون بنشر ثقافة التخويف من الإسلام والربط بينه وبين الإرهاب، لأن ذلك يعد تعدياً يستهدف أمة الإسلام وحضارتها ومكوّناتها، وهو ظلم فادح لأكثر من مليار ونصف مليار من المسلمين يعاقبون بجريرة حفنة من المنتسبين إليه جهلوا أحكامه».
وتؤكد رابطة العالم الإسلامي أنّ إعداد الأئمة وتأهيل المدرسين، والعمل على ترشيد مناهج الدعوة الإسلامية، وربطها بمنهج الإسلام في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وحثّ مؤسسات الدعوة في كل دول العالم على نشر ثقافة التسامح والتعايش السلمي بين مكوّنات المجتمع هو السبيل الحقيقي والكفيل بإنهاء حالة الخوف من الإسلام التي انتشرت لا في الدول الأوروبية فقط بل وحتى في أرجاء الدول العربية المسلمة، بسبب حالة الاقتتال بين المسلمين وموجات الإرهاب هنا وهناك والتي لم نشهد لها نظيراً بين المسلمين منذ قرون.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 4707 - الإثنين 27 يوليو 2015م الموافق 11 شوال 1436هـ
رابطة العالم الاسلامي
لمثل هذه المنظمات دور كبير في نشر ثقافة السلام
بين الدعوة والتطبيق
لا بد من مساعدة الدول الإسلامية الفقيرة للقضاء على الارهاب