كثيرون كتبوا عن الدولة الريعية، وخصوصاً بصفاتها المميزة في الخليج العربي، حيث شاءت الصدف أن تعوم على بحر من النفط والغاز في منطقة شديدة التخلف، وموارد زراعية شحيحة، وقلة من السكان.
لكن ذلك تغيّر كثيراً في العقدين الماضيين، وذلك لعدة أسباب ترتب عليها تحوّل الدولة الريعية الخليجية إلى دولة غنائمية قمعية يعود ذلك لعدة أسباب رصدها علماء الاقتصاد والاجتماع؛ من أهمها أنه في منطقة الخليج حدث تطوير وتحديث المجتمع ووعي النخبة والجهور عموماً بحقوقه السياسية والاقتصادية، ورفض مقايضة هذه الحقوق بالمكرمات، ورفض وضعية الرعية والإصرار على قيم المواطنة وما يترتب عليها من حقوق وواجبات. ورافق هذه العملية تطوير الدولة لأجهزة القمع وآليات الإخضاع والضغوط السياسية والاقتصادية.
العامل الثاني هو الزيادة الهائلة في السكان من مواطنين ووافدين، لم تشهد أية منطقة في العالم مثيلاً لها؛ ما ولّد ضغوطاً على الموارد وخدمات الدولة وعطاياها، ومن ذلك إقطاعات الأراضي والوظائف الحكومية المريحة والمكرمات وغيرها.
أما العامل الثالث فيتمثل في الاندماج في العولمة، والذي يقتضى الامتثال لمتطلبات منظمات التجارة العالمية بما تقتضيه من إلغاء الامتيازات والاستثناءات في كثير من القطاعات وفتحها أمام المنافسة الدولية، وعدم الاقتصار على الشركاء في العقود الحكومية واحتكار التجارة والوكالات وغيرها.
وهناك عامل آخر وهو أن الجيل الأول من الحكام في بداية عهد النفط في الخليج، كانوا قريبين من الناس بل وعاشوا في أوساطهم، ولذا فإن تفاعلهم مع الناس وتلمس متطلباتهم وتلبيتها وإن بمنطق المكرمات كان ملموساً، لكنه مع تعاقب الأجيال، باتت هناك فجوة حالياً تفصل عن مواطنيهم وشعوبهم، وتحول البيروقراطية والدواوينية، دون تلمس متطلباتهم وتلبيتها. عدا عن أن طريقة المجالس المفتوحة سابقاً لم يعد ممكناً حالياً، فهي تتطلب آليات الدولة الديمقراطية الحديثة الغائبة. لهذه الأسباب وغيرها، حدثت تحولات عميقة وواسعة في طبيعة وآليات ودور الدولة، من دولة ريعية يفيء ريعها على أوسع نطاق من المواطنين مع وجود التمايزات، إلى دولة تحتكر السلطة والثروة فيها فئة أضيق بكثير، فيما تزداد ثراءً ونفوذاً، فيما يزداد تهميش المواطنين وحرمانهم من العديد من الامتيازات التي كانوا يتمتعون بها سابقاً.
وفي ظل التطور الهائل والتحديث للمجتمع، أضحى المجتمع الخليجي متمتعاً بمستويات تعليمية وكفاءات مهنية ووعي سياسي واطلاع على تجارب الشعوب الأخرى التي سبقتنا للديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. وعلى رغم وجود تيارات تكفيرية متطرفة رعتها الأنظمة وتعهدتها حتى انقلب السحر على الساحر، فإن الوعي العام والقيم السائدة بين أبناء الخليج، هو ضرورة إحداث تغييرات إصلاحية عميقة على بنية الدولة وآلياتها ووظائفها تحفظ للأسر الحاكمة دورها، وفي الوقت ذاته تضمن مشاركة الشعوب السياسية واحترام إرادتها، والتمتع بخيرات بلدانها، وضمان التنمية المستدامة وتنويع الاقتصاد، وتوطيد العدالة والحقوق والسلم الأهلي، واستقرار المنطقة، والإسهام عربياً ودولياً بشكل إيجابي فاعل يتناسب مع إمكانياتها كبديل عن التبعية للغرب، والإسهام في الفوضى غير الخلاقة.
ولكن الأمر ليس بالتمنيات، فقد أوضاع المنطقة أنها عصية على الإصلاح الحقيقي، وأنها لا تتمتع بسعة أفق أو تفكير استراتيجي بعيد المدى لضمان المستقبل. لا أدري هل تنتظر منطقتنا المزيد من الكوارث التي أضحت في دارنا مثل الكارثة اليمنية، وموجة الإرهاب والتكفير، عدا ما هو في جوارنا. ولا أدري ماذا تنتظر الأنظمة للتوصل للاستنتاجات الصحيحة ومعالجة تداعيات الاتفاق النووي الإيراني الذي وحّد أعداء الأمس حول المصالح المشتركة.
إن احتكار السلطة والثروة، وما يوفر ذلك من إمكانيات تبدو مطلقة لتكريس الأمر الواقع، قابل للتغيير والإصلاح، خصوصاً أن أمامنا تجربة ليبيا، إذاً فلنختصر طريق الآلام والدمار، بالإصلاح الحقيقي الشامل.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 4706 - الأحد 26 يوليو 2015م الموافق 10 شوال 1436هـ
اذا
اذا السلطة ماتتبع شرع الله فى المعاملة لن يكون هناك اصلاح الاصلاح بتباع شرع اله هاده هو الحل والله ياخد الحق
التعلم من الأخطاء...
في البدء نشكر الأخ الكريم على هذا المقال الذي يدعو إلى إختصار الآلام والدمار إلى الحقوق المدنية.
ونلفت الجميع إن الأخطاء قد تنتج من أمور عدة, مثل خطأ في صياغة الأهداف , التقييم , الحوار , المهام و صيانة النفس (السلوك) ...
رائع
تسلم موضوع جدا ممتاز
الاصلاح الحقيقي الشامل
بداية مقلاتك هادفه للغاية ونشم منها رائحة الوطنية الحقة . واما عن الاصلاح الحقيقي الشامل فهذا هو المخرج للازمات وهو يحتاج الى رجال شجعان ليس فى قاموسهم "القبيلة ، والطائفة ،والعائله " بل فى قاموسهم "الوطن والمواطنة " .