العدد 4704 - الجمعة 24 يوليو 2015م الموافق 08 شوال 1436هـ

قصة: النادي

في هذه المؤسسة نشأ وبين جدرانها ترعرع. تعلّق بأهدابها وعشقها حتى الثمالة. فيها ارتبط بزملاء قريته وفيها تعلّم مختلف الألعاب ابتداء من الكيرم والدومنة وانتهاء بتنس الطاولة، لعبته الأثيرة التي تنافس فيها مع أقرانه الصغار وأجادها.

لم يكن بارعاً في كرة القدم وآثر تركها بعد تعرضه لإصابة في يده إثر احتكاك بلاعب آخر. لكنه كان يتابع مبارياتها بشغف ويفتتن بها ويذهب مع أصدقائه، وأحياناً بمفرده، عبر الحافلات، إلى ستاد المحرّق لمتابعة الفريق الذي يؤازره، فريق العربي، ومشاهدة نجمه الملقب بثعلب الحورة وهو يصول ويجول في الملاعب ساحراً الجمهور بأهدافه العجيبة. لكن هذا التأييد والمؤازرة تحوّلا لصالح نادي قريته الذي يحرز الانتصارات تلو الانتصارات ويصعد إلى مصاف الدرجة الأولى، ثم الممتازة.

بيد أن اهتمامه بالثقافة كان أكبر من الرياضة حيث اشترك مع مجموعة من الشباب الطموحين في تحرير مجلة مطبوعة على الآلة الكاتبة، وشارك قبل ذلك في صغره في النشاط الفنّي لناديه أيّام الأعياد ككورس في الحفلات الغنائية التي كان يقيمها.

في تلك الفترة كان هناك نزاع داخل هذه المؤسسة بين فئتين، الأولى ذات التوجهات الدينية المطالبة بحصر الأنشطة على الدينية فقط وإلغاء الألعاب الداخلية وتحريمها، والفئة الثانية المتأثرة غالباً بالأفكار الناصرية والمنفتحة على فنون العصر، والمتعاطية للسياسة بقدر معقول. الفئة الأولى كانت توصم الثانية بالشيوعية رغم أنه لا أحد من أعضائها يفقه هذا المصطلح، بينما تطلق الفئة الثانية على الأولى صفة «الرجعية» وهي صفة مبالغ فيها. ويحتدم الصراع بين الفئتين أثناء الانتخابات السنوية، فأحياناً تفوز الفئة الأولى وأحياناً تفوز الثانية.

بعد الأحداث العاصفة التي شهدتها البلاد، ابتعدت الفئة الأولى عن الساحة وصاحب ذلك عُزُوف كبير من الشباب عن الإقبال على النادي، لكن حبه للعمل التطوعي ورغبته في خدمة بلده جعلاه يواصل المسيرة، فأصبح أول الأمر أميناً للمكتبة يشرف على إثرائها بمختلف الكتب والصحف ويشرف على الإعارة، وقام بتحرير مجلة حائطية تتضمن مقالات ثقافية ورياضية، يكتب أغلبها بنفسه ويجمع البعض الآخر من الأعضاء، ثم تطوّر النشاط إلى إقامة أمسيات أدبية ومحاضرات لكبار الشعراء والمثقفين.

كانت إدارة النادي منحازة إلى الأنشطة الرياضية وتنفق المبالغ الباذخة عليها في الوقت الذي تبخل على النشاط الثقافي ولا تمدّه إلا بالقليل. ويتذكر أنه في إطار التحضير لأمسية للشعر الشعبي، يشارك فيها الشاعران علي عبدالله خليفة وعبدالرحمن رفيع، طالب بتصوير الأمسية بالفيديو، وطلب تزيين الصالة ببعض اللوحات الفنية، وأمام تماطل الإدارة وضيق الوقت، قام بشراء عدد من اللوحات من حسابه الخاص وتثبيتها في الصالة، واستقدم أحد الأصدقاء لتصوير الأمسية مقابل مبلغ زهيد.

وبعد تقديم الأمسية ونجاحها ناقشت الإدارة تصرّفه ووجهت اللوم عليه.

هذا القرار كان له أثر بالغ على نفسيته، فبدلاً من تقدير عمله ومكافأته، يجازى بهذا الموقف المجحف. فقرر الانسحاب نهائياً من النادي وعدم ارتياده إلى الأبد.

بعد فترة ليست بالقصيرة عرض أصدقاؤه حل المشكلة وإعادة المياه إلى مجاريها، لكنه أصرّ على أن تقدم الإدارة رسالة اعتذار إليه بالإضافة إلى دفع المبالغ التي صرفها. ورفضت الإدارة الاعتذار فيما وافقت على الشرط الثاني.

بعد ذلك حاول عدد من الزملاء والمقربين التوسط لإعادته لكنه كان يرفض دائماً.

مع مرور السنوات وجمود النشاط الثقافي، وانحسار الشباب عن العمل التطوعي، وحدوث عدد من المستجدات، ازداد حنينه واشتياقه لهذه المؤسسة، إلا أنه ظل صامداً. وفي أحد الأيام اتصل به ابن عمه، الذي يكن له الكثير من الاحترام، وطلب منه العودة إلى عرينه القديم قائلاً إن غالبية الإدارة السابقة ابتعدت عن النادي وإن الإدارة الجديدة ترغب في تعزيز النشاط الثقافي، وإنه خير من يتحمل هذه المسئولية. فوعده بالتفكير في الموضوع والرد عليه.

درس الأمر مليّاً وكان يراوده الشعور بأهمية الثقافة وحب العمل التطوعي الذي لايزال يجري في عروقه. وأن خدمة منطقته يجب أن تعلو فوق الخلافات والأمور الشخصية، وقرر أن يبدأ صفحة جديدة.

العدد 4704 - الجمعة 24 يوليو 2015م الموافق 08 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً