العدد 4704 - الجمعة 24 يوليو 2015م الموافق 08 شوال 1436هـ

الصبان والحالوس: الحالوسة في التراث والتاريخ

من الأسماء العامة للأصداف البحرية مسمى الصبان، وهو يستخدم كاسم عام للإشارة لأي نوع من القواقع الصغيرة، وفي الوقت نفسه، يستخدم كاسم خاص يشير لنوع محدد من القواقع التي تنتمي لعائلة القواقع الزيتونية Olividae، والنوع الممثل عندنا على سواحل البحرين هو Ancilla castenea. ويعتبر هذا النوع، من أكثر أنواع القواقع شيوعاً على سواحل الخليج العربي؛ ولهذا السبب كانت من الأنواع الأكثر شهرة عند سكان الخليج العربي منذ فجر الحضارة، حيث استخدمت هذه القواقع في صناعة عقود الزينة التي عثر على العديد منها في القبور الأثرية (Kiesewetter et. al. 2000) و(Beauclir et. al. 2006). وفي البحرين عثر في أحد القبور في مقبرة كرانة الأثرية، والذي يعود للحقبة الدلمونية، على عقد صنع من هذا النوع من القواقع البحرية (Green 1994, p. 11).

الصبان، كذلك، له وجود في الذاكرة الشعبية حيث ارتبط بالألعاب الشعبية؛ حيث إن العديد من الألعاب الشعبية التي كانت تلعب بالحصى، كانت تلعب، أيضاً، بأنواع من القواقع، مثل لعبة اللگفة والصبة وغيرها. يضاف إلى ذلك، وجود ألعاب شعبية لم تكن تلعب إلا بالقواقع، ليس هذا فحسب، بل إنها ارتبطت ارتباطاً شديداً بأنواع محددة من القواقع. من هذه الألعاب لعبة الحالوسة، حيث كان سكان سواحل الخليج العربي يلعبون هذه اللعبة، بصورة أساسية، بأنواع محددة من القواقع. يذكر، أن لكل منطقة في الخليج العربي نوع محدد من القواقع تلعب به هذه اللعبة، ففي البحرين كانت تلعب بالنوع الذي يُخص باسم الصبان، السالف الذكر، أما في عمان فيلعب بنوع آخر من القواقع. وبسبب ارتباط الصبان بلعبة الحالوسة، أصبح يعرف باسم الحالوسة، وجمعها حواليس.

الحواليس ولعبة الحالوسة

يعود الفضل في توثيق هذه اللعبة في البحرين لسعيد القلاف، وذلك على حسابه على الإنستغرام (saeedalgallaf@)؛ حيث وثق وصف هذه اللعبة في البحرين كما لعبها هو شخصياً، فجاء في وصفه لهذه اللعبة أنها من الألعاب الشعبية الجماعية والتي كانت تلعب بأنواع من القواقع تسمى حواليس (مفردها حالوسة)، ويلعبها في العادة أربعة أشخاص، يجلسون حول حفر تسمى كونات (المفرد كونة) أو بيوت، وعددها 12 كونة، لكل شخص ثلاث كونات أو بيوت، وكذلك، لكل شخص ثلاثون حالوسة. يبدأ اللعب بحسب القرعة أو بحسب نطق الشخص قبل بدء اللعب بقوله «أول»، فيبدأ اللعبة بتوزيع الحالوسات العشر الأولى داخل الكونات من جهة اليمين، وعند انتهاء توزيع العشر حالوسات يأخذ حالوسات الكونة التي انتهى عندها ويوزعها داخل الكونات، إلى أن ينتهي إلى كونة بها عدد زوجي أو كونة لا يوجد بها أي حالوسة. فإذا انتهى بكونة لا يوجد بها شيء يتوقف عن اللعب، وإذا انتهى بكونة بها عدد زوجي أخذ ما بها إلى غنيمته، وإذا كانت الكونة المجاورة بها، أيضاً، عدد زوجي، فإنه يأخذ ما بها أيضاً. وهناك مصطلحات معينة تقال عندما يتم ربح أعداد زوجية من الحواليس، فعندما ينتهي بكونة بها حالوستان فإنه يقول «حارس»، وإذا كان بها أربع يقول «ربعه»، وإذا كان بها ست يقول «سدسه»، وإذا كان بها ثماني يقول «ثمنه». أما إذا كانت الكونة خالية من الحواليس، فحينها ينتهي دوره، ويقول له صاحب الكونة الفاضية متشمتاً «هوع» بمعنى أنه لا يوجد شيء تأخذه، وحينها ينتقل الدور إلى اللاعب الثاني. وعند اختلاء الكونات من الحواليس تنتهي اللعبة، وعندها تقال كلمة الانتهاء «كل من بيته عماته».

الحالوسة في اللغة والتاريخ

محلياً، أصبحت الحواليس ومفردها حالوسة، عبارة عن تسمية محلية لنوع من القواقع الصغيرة الشائعة على سواحل الخليج العربي وهي من عائلة الأصداف الزيتونية، وتسمى بلغة العلم Ancilla castenea. هذه القواقع تعرف بأسماء مختلفة على سواحل الخليج العربي، أما في البحرين فقد ارتبط اسم الحواليس بهذه الأنواع وذلك لأنها كانت تستخدم في لعبة «الحالوسة». هذا، وتعتبر لعبة الحالوسة من الألعاب القديمة جداً والتي كانت تلعب على سواحل الخليج العربي، وقد ذكرت هذه اللعبة في كتب اللغة؛ حيث ذكرها ابن سيده في المخصص في باب اللعب باسم الحوالس ووصفها أنها لعبة تلعب بالحصى (طبعة دار الكتب العلمية، ج 13، ص 18). وجاء وصف اللعبة في معجم تاج العروس (مادة حلس)، وجاء فيه:

«الحَوالِسُ: لُعبَةٌ لصِبيانِ العَرَب، وذلك أَن تُخَطَّ خمسةُ أَبياتٍ في أَرضٍ سَهلَةٍ، ويُجْمَع في كلِّ بيتٍ خَمسُ بَعَراتٍ، وبينَها خمسةُ أَبياتٍ ليس فيها شيءٌ، ثمَّ يُجَرُّ البَعْرُ إليها، كلُّ خَطٍّ منها حالِسٌ».

وقد ذكر هذه اللعبة الشاعر عبدالله بن الزبير الأسدي (من شعراء القرن السابع الميلادي)، حيث قال:

وَأَسلَمَني حِلمي فَبِتَ كَأَنَّني

أَخو حَزَنٍ يُلهيهِ ضَربُ الحَوالِسِ

أما تاريخياً، فلا نعلم بالتحديد متى بدأ سكان الخليج العربي يلعبون هذه اللعبة، إلا أنه من المؤكد أنها كانت تلعب على السواحل باستخدام القواقع البحرية. وفي دراسة آثارية حديثة نشرت عن هذه اللعبة توضح قدم هذه اللعبة؛ وذلك من خلال العثور على آثار لها في مناطق مختلفة من سواحل الخليج العربي، وآثارها عبارة عن مجموعة من الحفر محفورة في الصخر (Charpentier et. al. 2014).

يذكر أن لعبة الحالوسة ليست نمطاً واحداً، بل لها طرق مختلفة في اللعب؛ حيث يتباين عدد الحفر وعدد اللاعبين وعدد القواقع ونوعها، وكذلك، القواعد المتبعة في هذه اللعبة، وذلك بحسب المناطق المختلفة في الخليج العربي. وهناك قواسم مشتركة بينها، فجميعها تلعب بالقواقع على الساحل، كذلك، فإن مبدأها يتشابه تقريباً؛ حيث يقوم كل شخص في اللعبة بتوزيع القواقع أو الحواليس بصورة معينة بحيث ينتهي بعدد زوجي. في البحرين، كما سبق أن ذكرنا، تعتبر هذه اللعبة من الألعاب الجماعية حيث يمكن أن يلعبها أربعة أشخاص يجلسون حول الحفر والتي تسمى كونات أو بيوت، والمفرد كونة أو بيت، ويستخدم في اللعبة 120 حالوسة لكل شخص 30 حالوسة. أما في عمان فيلعبها شخصان، وهناك 28 حفرة. كذلك، فهناك ألعاب شعبية أخرى شبيهة تلعب بالحجارة وتعرف بأسماء مختلفة مثل لگدير أو لجدير. وفيما يخص لعبة الحالوسة نفسها، فقد تطورت هذه اللعبة في عمان وأصبحت تلعب بالحجارة، وبدلاً من الحفر بدأ استخدام قطعة خشبية يعمل بها ثقوب. بينما، في البحرين، فللأسف هذه اللعبة لم تتطور، بل انقرضت منذ عقود من الزمان، ولم يبقَ من يتذكرها إلا القليلون ممن تبقى من الجيل السابق.

إذاً، فالخلاصة، أن أنواعاً من القواقع البحرية ارتبطت ارتباطاً شديداً بالألعاب الشعبية، لدرجة أن القواقع نفسها أخذت مسمى اللعبة. وأفضل مثال لذلك هو ما سبق أن قدمناه هنا؛ حيث ارتبط الصبان بلعبة الحالوسة فعرفت هذه القواقع باسم الحواليس. وعلى ما جاء في كتب اللغة، فإن لعبة الحالوسة لُعبت بغير القواقع، ولا نعلم بالتحديد إذا كانت اللعبة بدأت بالقواقع أو أن القواقع استخدمت كبديل. هذا وهناك ألعاب شعبية أخرى كانت تلعب بأدوات مختلفة، كالحصى، واستبدلت بأنواع من القواقع كلعبة الصبة واللگفة. كما أن هناك ألعاباً شعبية أخرى ارتبطت مسمياتها بأنواع من القواقع والتي كانت بديلة لأدوات أخرى، وهذا ما سنتناوله في الحلقة القادمة.

العدد 4704 - الجمعة 24 يوليو 2015م الموافق 08 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً