كشف تقرير مصري عن سعي تنظيم داعش المتطرف إلى استقطاب قيادات أمنية وعسكرية واستخباراتية للانضمام تحت رايته. وذكر التقرير الذي أعده مرصد الفتاوى التكفيرية بدار الإفتاء في مصر، أن «التنظيم يسعى لمحاولة التأثير على بعض هذه القيادات لتقديم الدعم اللوجستي إلى (داعش) لكي تتحول لمرحلة جديدة، وهي القدرة على التأثير في تغيير الأوضاع السياسية»، حسبما أفادت صحيفة الشرق الأوسط اليوم الجمعة (24 يوليو/ تموز 2015).
وقال ، مستشار مفتي مصر إبراهيم نجم لـ«الشرق الأوسط»، إن «التقرير يؤكد أن هذه القيادات التي يسعى لها (داعش) هي من عدد من الدول العربية، خاصة من سوريا والعراق واليمن»، لافتا إلى أن «هذه الشخصيات، التي تحدث عنها التقرير وتم رصدها، لا توجد في الخدمة حاليا، بل قيادات سابقة، ويتم استقطابهم للحصول على المعلومات والخبرات الأمنية والعسكرية الكبيرة المتوفرة لديهم».
وكانت دار الإفتاء قد أنشأت مرصدا لفتاوى التكفير والآراء المتشددة للرد عليها بطريقة علمية منضبطة قصد مواجهة الإرهاب الذي يجتاح العالم، وقد أشارت الدار في تقريرها، الذي أطلقت عليه «إرهابيون: قراءة تحليلية في فكر الجماعات الإرهابية» أن «أولوية (داعش) في الوقت الراهن هي اتباع سياسة مد النفوذ، واكتساب أكبر قدر من الأراضي لبسط سيطرتها عليها، حتى لو جاء ذلك على حساب قتال التنظيمات الأخرى، التي قد تتلاقى معها في بعض الغايات، وهذا ما ظهر جليا في محاربة (داعش) لبعض الفصائل والكتائب الأخرى؛ لأنها تتصور نفسها دولة قائمة بذاتها، وقد اتضح ذلك في الحالة السورية».
وبهذا الخصوص قال مستشار مفتي مصر، إن «التقرير يكشف عن استراتيجية عمل (داعش) لتقوية صفوفها، والتي تقوم على تحقيق مجموعة من الأهداف التي تفرض بها قوتها؛ ومنها استقطاب مقاتلين من الأجانب، وليس من العرب، وذلك بفضل سهولة تجنيدهم واستخدام أوراقهم الثبوتية وسهولة تنقلهم؛ ومنها أيضا إعداد أطر بالدول العربية قادرة على القيام بأعمال انتحارية بعيدا عن أرض معاركها بهدف تحقيق أكبر قدر من الفوضى داخل أراضي باقي الدول المستقرة، وإشغالها عن محاربة (داعش)، وقد يقدم هذا مبررا لما يحدث في مصر في الآونة الأخيرة».
من جانبه، لم يستبعد اللواء طلعت مسلم، الخبير الأمني والاستراتيجي بمصر قيام «داعش» بضم قيادات عسكرية وأمنية سابقة تحت لوائه، بقوله: «إنها تبحث عن المعلومات والخبرة لتأكيد سيطرتها على مساحات أكبر خلال الفترة المقبلة». وأضاف موضحا: «لابد من التدخل لمنع (داعش) من استكمال هذا المخطط، الذي قد يكلف المنطقة العربية كثيرا، وخاصة أن هذه الشخصيات مدربة وتمتلك الخبرة ومعلومات خطيرة حول عدد من الدول، بحكم عمل هذه القيادات في مواقع حساسة ومهمة».
وأكد تقرير دار الإفتاء أيضا، أن «من أسباب قوة (داعش) هو عنصر التمويل، الذي يعد سابقة في تاريخ التنظيمات المتطرفة، إذ لم يحظَ أي تنظيم آخر بهذا الدعم من قبل لافتقاده بيئة تمويلية خاصة به؛ وتهريب النفط وتجارة الرهائن يعدان من أبرز عائدات التنظيم، بعد أن بسط (داعش) نفوذه على مناطق النفط والغاز التي تغطي كافة نفقاته، والتي تباع في دول مجاورة وبأسعار تنافسية وتشجيعية، في الوقت الذي تقيد فيه القوانين الدولية لمكافحة تمويل مثل هذه التنظيمات المتطرفة، وبالتالي فإن هذه التنظيمات تضمن لنفسها تفوقا استراتيجيا على أرض الواقع».
كما لفت التقرير إلى أن الأمر لم يعد يقف عند بيع النفط للحصول على الأموال الخاصة بالتنظيم، بل تطور إلى تعدد روافد التمويل من خلال عمليات الخطف وطلب الفدية للحصول على الأموال، ولجوء «داعش» إلى وسائل تحويل الأموال التي يصعب ملاحقتها قانونيا، خاصة في البلدان الإسلامية، والتي يمكنهم الحصول عليها باستخدام وسطاء من دول مجاورة.. لذلك فإن هذا الدعم المادي الضخم ضمن لها القوة التي تجعلها تمكث فترة كبيرة أمام التحالفات الدولية؛ لكن بمجرد انقطاع هذه الدعم وتجفيف منابعه يمكن القضاء عليهم في وقت قصير جدا، حسب واضعي التقرير.
ولمح مصدر أمني مصري لـ«الشرق الأوسط» أمس، إلى أن «الإغراء المادي هو الذي يدفع بعض هذه القيادات الأمنية والاستخباراتية في هذه الدول للانضمام إلى (داعش)، وليس الاقتناع بأهداف ومبادئ التنظيم وأغراضه التوسعية».
وأطلقت دار الإفتاء على «داعش» اسم «دولة المنشقين عن (القاعدة) في العراق والشام»، في حملة دولية أعلنتها منتصف أغسطس (آب) الماضي، كما دشنت الدار صفحة على «فيسبوك» للرد على شبهات التنظيم، وأفتت بأن ما يقوم به «داعش» من ترويع للآمنين وتدمير للممتلكات العامة والخاصة ونهبها، لا يمت للإسلام بصلة.
وكشف التقرير المصري عن أن تلك التنظيمات تعتمد في تحقيق مكاسبها وبسط سيطرتها على بعض المدن والبلدان على اللعب على وتر الصراعات والنزاعات الآيديولوجية والطائفية والمذهبية؛ بل والعشائرية، والتي كانت سببا في سيطرتها على مساحات كبيرة من الأراضي السورية والعراقية من خلال تنظيم داعش؛ بل إن ذلك ضمن له حرية الاتصال والتواصل بين المناطق التي يسيطر عليها، وشكل جغرافية سياسية خاصة به للانطلاق لدول أخرى لا تقل أهمية عن تلك التي تقع تحت سيطرته؛ وقد ترجم ذلك من خلال العمليات النوعية التي تمثلت في تفجير المساجد الشيعية والكنائس والمعابد والأضرحة والمقامات وغيرها.