الإرهاب البيئي كظاهرة غير حضارية وأداة تدمير شاملة وبعيدة المدى على البيئة والإنسان، يصنفها المختصون في علم الجريمة بأنها جريمة ضد الإنسانية. وعلى الرغم من أنها تجسّد في جوهرها مظهراً لأنماط السلوك البشري إلا أنها تمثل ظاهرة سلبية ومصدر خطر على الإنسان والبيئة، وتتعارض مع أهداف ومبادئ التنمية المستدامة.
ليس هناك خلاف بين المختصين في العلوم التربوية والاجتماعية على أن السلوك غير الأخلاقي والإرهاب بمختلف أشكاله وصوره، هو منهج عقيم، ومرض سرطاني يتفاعل في العقول والنفوس المريضة، وهو حالة تجسد كل معاني الشر وتجلياته التدميرية، ويمثل وجوده ظاهرة تؤكد حالة اللاتوازن وانعدام الاستقرار المجتمعي والسياسي، وهو أيضا يشكل جرثومة خطيرة وعاملاً فاسداً موغلاً في السلبية، يتسبب وجوده في الإخلال بالتوازن الطبيعي لجميع اتجاهات وأنماط العلاقات الإنسانية بمختلف تجلياتها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
ويمثل الإرهاب البيئي أحد الإفرازات الرئيسة لغياب مفاهيم القيم الأخلاقية للأفراد والجماعات والدول، في ممارساتها وعلاقتها بمكونات النظام البيئي. وهي كذلك منتج سلبي للسياسات غير الرشيدة في إدارة العلاقة مع معالم النظم البيئية من جانب، وفي تنظيم العلاقات الإنسانية من جانب آخر. ويبرز ذلك بشكل أكثر أثراً في مفاهيم حل الخلافات الدولية والوطنية والعرقية، وذلك الاتجاه العقائدي الأعرج والأهوج، والذي يشكّل في جوهره وأدائه سلاحاً فعالاً وتكتيكاً عسكرياً في إدارة الحروب، يمثل نهج الإرهاب البيئي في عمق اتجاهاته، ووسيلة مهمة للدفاع والهجوم، في آن واحد. وهو العامل الخطير الذي يتسبب في حدوث التدهور البيئي، وانقراض الأنواع في بيئات المناطق التي تكون عرضة ومسرحاً لذلك النهج المدمر والخطير على أمن الإنسانية ومستقبل بقائها.
إن أكثر الظواهر حضوراً وفاعلية في التدمير الشامل التي تجسد سمات ومفاصل نهج الإرهاب البيئي، تتمركز في افتعال بؤر الحروب الشاملة والمدمرة، وهي تتمحور في ثلاثة اتجاهات رئيسة، حيث يتمثل الاتجاه الأول في نهج الإبادة الشاملة للجماعات العرقية، والتجمعات البشرية، وقتل المدنيين الأبرياء، والتشويه الوراثي لبعض الأجناس البشرية؛ فيما يتمحور الاتجاه الثاني في نهج الإبادة المتعمدة للبيئات الطبيعية، وأنظمتها الرئيسة الضرورية للحياة؛ ويبرز الاتجاه الثالث في التدمير المتعمد للمعالم والبنى الرئيسة التاريخية والثقافية والحضارية والاقتصادية والمعرفية والعلمية والتعليمية، ويجري ذلك عبر استخدام البيئة في التكتيكات العسكرية واستخدام أسلحة الدمار الشامل، وإدخال المواد السامة الخطيرة على صحة وسلامة الإنسان إلى المحيط البيئي، والقيام بالعمليات العسكرية العشوائية المرتكزة على منهج الإبادة والتدمير الشامل.
المجتمع البشري تعرض لمجموعة من الوسائل التدميرية لبيئاته الطبيعية، تمثلت في سياسة الأرض المحروقة التي جرى اعتمادها في الاستراتيجيات العسكرية لبعض الدول، وتم في سياقها استخدام الأسلحة النووية لتحقيق مكاسب عسكرية، وكذلك استخدام الأسلحة البيولوجية التي تسببت في حرق وإبادة حقول الأرز والمزارع والغابات الفيتنامية بما فيها من مجتمعات بشرية وأنظمة بيئية، إلى جانب الوسائل الحديثة التي جرى اعتمادها في العمليات الحربية باستخدام الموارد النفطية عن طريق تفريغها في المياه البحرية وحرق الآبار النفطية للحدّ من القدرات العسكرية للدول المتحاربة.
ويزداد الأمر خطورةً في المرحلة المعاصرة مع التطور المتسارع للأسلحة الفتّاكة، وتزايد بؤر الحروب العدائية في العديد من المناطق في العالم، إلى جانب تصاعد قدرات المنظمات الإرهابية الدولية وسهولة امتلاكها لأسلحة الدمار الشامل، الجرثومية والكيماوية والبيولوجية والغازات السامة بمختلف أنواعها ومكوناتها، والتي يمكن في حال استخدامها التسبب بتدمير بشري وبيئي شامل وبعيد المدى.
إن تلك الحقائق والمعطيات تشكّل القوة الفعلية التي دفعت البشرية في وقت مبكر إلى السعي بجدية لوضع قواعد متينة، تمثلت في إقرار منظومة من الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تشخّص قواعدها ومبادئها الاتجاهات المنهجية لمعالجة وردع ما يمكن أن يترتب على ذلك الواقع من مخاطر لزعزعة استقرار وأمن المجتمعات البشرية، وذلك في سياق الحرص الموجّه لتأسيس نهج عقلاني لنمط العلاقة الإنسانية، وللتأكيد على نهجها الهادف إلى تبني سياسة جديدة أكثر فائدةً وملاءمةً لظروف التطور الحضاري للمجتمعات البشرية، مرتكزةً في ذلك على القواعد الأخلاقية والإنسانية في العلاقات الدولية، والعمل على تأسيس منهج تاريخي جديد أكثر عقلانية في ملامسة القضايا المرتبطة بأمن البشرية، ودحض كل وسائل الإرهاب.
ومن الطبيعي أن يكون لذلك التوجه بما يتضمنه من إجراءات قانونية وسياسات دولية مؤسسة في أهدافها الإنسانية والبيئية، أثره الإيجابي في تعضيد نهج السلوك البشري الرشيد وإنجاز أهداف التنمية المستدامة. بيد أنه وعلى النقيض من ذلك، سعت بعض الأطراف الدولية إلى العمل على تقويض دعائم التوازن في نظام العلاقات الإنسانية، عبر سلسلة مترابطة من الإجراءات السياسية والاقتصادية والعسكرية، كرّست بموجبها واقع الخلاف في العلاقة بين عناصر المجتمع الدولي، وعملت في سياق سعيها لتثبيت قواعد نهجها في السيطرة على موارد وخيرات الشعوب الضعيفة، إلى استخدام سياسة الفرقة والتفريق، ومختلف وسائل التدمير والإرهاب البيئي.
المجتمع الدولي في ظل تصاعد وتائر مخاطر الإرهاب البيئي، بحاجةٍ إلى التفتيش عن بدائل أكثر فاعلية في الارتقاء بسياسات الدول في تنظيم علاقاتها وتفعيل ما يمتلكه المجتمع الدولي من منظومة قانونية ومعاير دولية لتغيير الحالة المأساوية لواقع الأمن البشري.
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 4703 - الخميس 23 يوليو 2015م الموافق 07 شوال 1436هـ