يعتقد كل ولوع بالكتب أن الكتب تُفسّر الحياة، يقول، ألبرتو مانغويل، كازانوفا الكتب وأشهر المتولِّهين بالقراءة في العالم، لكنني أعرف كثيرين يحاولون الهروب منها إلى الكتب، حيث الهدوء هرباً من الصخب والخيال الخلّاق عوض بؤس الواقع وشناعته، وحيث الدفء والحكمة والتأمل.
لا شيء أكثر متعة من رحلة شيقة مع كتاب جميل تقرأه مختاراً وتمكث فيه بغير اختيار، لأن جمالية نصه يستحوذ على عقلك وخيالك ويسيطر على مشاعرك، لكني وجدتُ محمد حامد الأحمري في كتابه الشيّق (مذكرات قارئ) رغم اعترافه من أن القرّاء يأتون للكتب بحثاً عن القوة، أو المعرفة أو المتعة، أو العلاج؛ إلا أنّه يحذرنا فيقول: «إن الكتب قد تسجنك بقيودها وقد تسلبك القوة وأنت تتوهم أنها تعطيك، فالكتب تسلب الكثير من خلق الفطرة ومواهبها، كالبراءة والتذكر والملاحظة المطلقة قبل ورورد العلوم، وقد تهوي بك بعض المعرفة في مغاور الجهل، بما تزعمه لك الكتب من علم قد لا يكون إلا معرفة ناقصة، وقد تفتح لك الكتب باباً للشقاء!».
والحق أن الكتب كائن وديع، وصديقٌ لا يُملّ وصاحبٌ لا يجفو وفوق ذلك هي مُعلِّمٌ متواضع يجيبك إذا دعوته من غير منٍّ وأذى ويؤنسك حين يعزّ النديم، ولو كان الأحمري مقتنعاً بما أورده لما كتب مذكراته المشحونة بعبارات الغزل المكشوف للكتب والمكتبة والقراءة فيما يقرب من خمسمئة صفحة!
المعرفة قوة لاشك، والقوة تعني تزايد الإحساس بالمسئولية، وعن ذلك أفاضت قريحة أبو الطيب الشعرية في كلام يقترب من الحكمة:
وذو العَقلِ يَشقَى في النّعيمِ بعَقْلِهِ
وَأخو الجَهالَةِ في الشّقاوَةِ يَنعَمُ
لكنه (نعيم) في قبال (شقاء) على كل حال، وكان نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذلِّ الجهل أبداً». فالجهل ذُل وإن استشعر صاحبه الكمال وظن واهماً أنه يتقلب في نِعَمٍ موفورة.
ومن طرائف الحياة الفكرية في أميركا اليوم، أن الكتب التي كان يقرؤها الرئيس ترتفع اسمها في سوق المبيعات، وتحظى باهتمام القراء والصحافة، فحظ المؤلف والناشر جميل إن رأى أحد الكتب بيد الرئيس، أو قال إنه يقرأ الكتاب الفلاني. وإذا ذهب لإجازة نهاية الأسبوع اصطحب معه عدداً من الكتب، ومرة أخذ معه اثني عشر كتاباً في إجازة قصيرة. ولطالما تره حينما لا يكون في وضع رسمي يصطحب كتاباً يقرؤه، أو الإنجيل في صباح الأحد. وكان لنا شيء من ذلك في حضارة الإسلام أيام العباسيين والفاطميين عندما كانت مهابة القصور الرئاسية لا تكتمل إلاّ بمكتبة عامرة بنفائس المخطوطات ولا يتم عزّ السيادة وشرفها إلا بنخبة من أصفى العقول يختصها الخليفة لترجمة تراث فارس الفني وتراث اليونان العلمي.
وعندي صديق ذو قابليات ذهنية واسعة، كلما أرد أن يتعلم شيئاً قرر تعليمه! وكثيراً ما يجيد التعلّم ويبرع في التعليم، وقد علمني أن قطار الطموح لا يتوقف وأن التخصص يفيدك ويعلي معرفتك لكن الاهتمامات الرافدة ستغني تخصصك مهما كانت بعيدة عن ميدانك.
واستشعار النقص في أمر ما يدفع المرء أحياناً إلى مجابهته بإصرار وعناد؛ فعندما لحن الفارسي سيبويه (ت 180 هـ/ 796م) في مجلس شيخه حمّاد لحناً شائناً كان ذلك دافعاً له في دراسة علم النحو حتى غدا إماماً فيه، وكان أن وضع كتابه «الكتاب» الذي يُعدّ أول وأهم كتاب في قواعد العربية.
ومما يروى عن محمود شاكر (ت 1997م) أحد رواد تحقيق التراث العربي والإسلامي أنه رسب في امتحان اللغة العربية، فتوجه لها وأخلص الاهتمام بها حتى تجاوز في إدراكه لروح العربية ونصوصها كل الذين نعرفهم في العصور المتأخرة.
وكان الروائي المغربي الكبير محمد شكري (ت 2003م) الذي لم يكن يتكلم العربية لأن لغته الأم كانت هي الأمازيغية، انتشل نفسه من القاع الاجتماعي لحظة قرر أن يتعلم القراءة والكتابة وهو ابن العشرين!! فحمله طموحه بعيداً عن العالم السفلي وواقع التسكع والتهريب والسجون الذي كان غارقاً فيه قبل أن يعمل في سلك التعليم، ويتفرغ بعدها للكتابة الأدبية التي جلبت له نجاحاً باهراً وشهرة واسعة.
ومهما يكن من أمر، فإن القرّاء هم طلاب علم وحكمة، والحكمة هي ضالة المؤمن حيثما وجدها فهو أحق بها.
إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"العدد 4700 - الإثنين 20 يوليو 2015م الموافق 04 شوال 1436هـ
الكتب عمود الحكمة
لا حياة لمن لا يقرأ ولا ممات لمن لا يقرأ فمن لا يقرأ كأنما هو حياً وعقله مدفون
قابليات ذهنية واسعة
مما تعلمته من القراءة و الحياة ، أنك عندما تعمد الى تعليم ما تعلمته تكون أكثر المستفيدين ، نعم فعندما تقرأ كتابا ثم تعمل على إعطاء الآخرين من حولك خلاصة ما قرأت ، فإن للتعلمات ترسخ عندك ، لهذا ظهرت اليوم برامج رائعة لمشاركة القرّاء الآخرين رأيك حول ما قرأت ، ومن أمثلة ذلك أندية القراءة التي باتت تستقطب شرائح مختلفة من محبي القراءة في مختلف المجالات .
ما تقرأ
لعل المقولة الاصدق التي تنطبق مع بعض التغيير " قل لي كا تقرأ اقول لك من انت"
لم يسقط كتاب من يدي
منذ نععومة اظفاري وانا اعشق الكتب والمجلات واحب رائحة الكتب وتجذبني المكتبه ونسال الله التوفيق لجميغ
هذا جميل
هذا جميل.. كثّر الله من امثالك في شعب البحرين
ومن يقرأ اليوم؟!
اصبحت ثقافة اغلب الناس ثقافة انترنت وجرائد وصحف..او دراسة هنا وهناك تنتهي ويتربع بعدها واضعا رجلا فوق اخرى...
القارئ الحقيقي الذواق ذو الثقافة والبحث عن الحكمة والفائدة هو واحد من كل مئة شخص وغالبا لا ينجو من شر التسعة والتسعين الباقين
عافاك الله ومقالك رائع