رغم الحرب على الإرهاب وبشكل مفاجئ أصبح للنساء في العراق دور أكبر في الحياة المهنية وتولي مناصب مهمة.
وأصبح للكثير منهن استقلالية في الحياة أكثر من ذي قبل. أسباب اجتماعية وسياسية دفعت المرأة العراقية نحو مناصب قيادية.
"أنا ربما أول سيدة في هذا المنصب، لكنني لست الأخيرة". تقول كوثر علوش بثقة وهي جالسة في غرفة عملها الضخمة في مبنى أمانة بغداد. منضدة خشبية كبيرة، مقاعد جلدية، مجسمات زجاجية ضخمة، ونافورة من الحجر تخرج صوتا هادئا في الغرفة الواسعة. منذ شهر مارس/ أذار الماضي وكوثر علوش أمينا للعاصمة بغداد. أول سيدة في هذا المنصب في تاريخ العراق الحديث وفي المنطقة عموما. ولم تتولّ سيدة منصباً كهذا في العاصمة في أي بلد عربي أيضا.
عينت علوش من قبل رئيس الوزراء حيدر العبادي. وفي شهر فبراير/ شباط الماضي قال العبادي أمام البرلمان: "أقدم لبغداد سيدة مستقلة". وفيما يتم انتخاب محافظي المدن العراقية في انتخابات محلية، يكون تعيين أمين محافظة بغداد حقا لرئيس الوزراء. العبادي صرح خلال تعيينه في منصبه أنه سيعزز دور المرأة في العراق. تعيين المهندسة كوثر علوش أمينا للعاصمة بغداد، يشير إلى جدية العبادي في رغبته بتغيير سيطرة الرجال على المناصب الكبيرة في العراق. "أريد أن أثبت للجميع، أن النساء يصلحن لهذا المنصب". تقول كوثر علوش، وتضيف :"بعدي نساء أخريات".
المرأة والمهنة
في الواقع يلتقي المرء في كل مكان بالعاصمة العراقية نساء في مناصب قيادية. فمدير مؤسسة المدى، إحدى كبريات المؤسسات الإعلامية، سيدة. رئيس قسم اللغة الألمانية في جامعة بغداد سيدة أيضا. وفي واحد من أفخم فنادق بغداد تدير سيدة قسم الاستقبال. هناك سيدات في منصب مدير عام في الوزارات وفي السفارات العراقية بالخارج. في البرلمان عشرات السيدات، في العراق سيدات أعمال، طبيبات، مهندسات، ومحاميات وصحفيات. لكن لاتوجد سائقات سيارات أجرة أو باصات نقل. وكذلك في ورش البناء لا يرى المرء مهندسات أو معماريات إلا في مناصب متقدمة. 29 في المائة من المناصب في الوزارات تشغلها سيدات فقط. ومحافظو المدن العراقية من الرجال، عدا العاصمة بغداد.
ثورة
في الحياة الخاصة أصبح للنساء دور أكثر استقلالية من ذي قبل، حسب منظمة ميديكال انترناشيونال غير الحكومية (IMC)، والتي تهتم بدراسة نسب الطلاق في العالم. وفي العراق ارتفعت نسبة الطلاق إلى 25 بالمائة. وفي محافظة بغداد وضواحيها ارتفعت العام الماضي حتى 50 بالمائة. والغريب حسب نتائج المنظمة، أن طلب الطلاق في أكثر الحالات يأتي من جانب النساء لا الرجال، رغم أن تبعات الطلاق تجلب مصاعب كبيرة لهن.
في مجتمع ذكوري أبوي تشبه خطوة المرأة بطلب الطلاق ثورة. يصف وسام خالد إبراهيم، الذي يدير مشروعا مهتما بالنساء في المنظمة، طلب النساء الطلاق بعد سنين من الارتباط بأنه يشبه "الخلاص".
فأغلب النساء المطلقات لن يتزوجن مجددا، بل يعشن حياة مستقلة ويعتمدن على أنفسهن. وبعضهن لا يرغبن في الزواج إطلاقا ويجدن في تطوير مسيرتهن المهنية ملاذا للهرب من سلطة الرجل. حتى أمين بغداد كوثر علوش عزباء. "الرجال العراقيون يريدون خادمة، لا شريكة حياة"، تقول سمرقند الجابري التي تعمل صحفية في الشبكة العراقية للإعلام. الجابري تبلغ من العمر 42 عاما ولم تتزوج وتقول إن أكثر النساء لا رغبة لهن بالزواج. حتى غادة العاملي التي تدير مؤسسة المدى، عزباء أيضا. فعملها اليومي يستغرق 14 ساعة، ولا يمكن لسيدة متزوجة أن تفعل ذلك.
أن تعمل النساء في العراق اليوم أكثر من ذي قبل وأن لا يلزمن المنزل قرب نهر دجلة له أسباب أخرى. من بينها أن أكثر الرجال من النخبة القديمة قد قضوا خلال الحروب التي خاضها نظام صدام حسين أو في مرحلة ما بعد سقوطه. ففي بغداد قتل أو هدد أو اختطف أو اضطر للرحيل مئات المهندسين والأطباء والمحامين والمدرسين والموظفين ورجال الأعمال. واليوم يحتاج العراق إلى نخبة جديدة تعوض الذي فقده خلال الفترة الماضية.
الحرب والدراسة
"تملك النساء تعليما عاليا ولهن فرصة عمل جيد". تقول العاملي. بينما انضم كثير من الشباب للقتال، اتجه كثير من الفتيات للدراسة. واليوم تعمل النساء بين سن 40 و50 عاما في المؤسسات، بينما يتجه الرجال للقتال وهذه المرة ضد داعش.
في مجال البناء يوضح التغيير في نمط البناء التغيير في المجتمع. فالكثير من الشقق السكنية تبنى هذه الأيام لتوفير مساكن للنساء غير المتزوجات أو للنساء المطلقات أو الأرامل. وبينما كانت القاعدة في الماضي أن المرأة المطلقة تعود لمنزل أهلها، تتجه المطلقة اليوم للسكن وحدها في شقة أو منزل وتعيل أطفالها من عملها أو من راتب يدفعه طليقها.
"هذا يدفعنا للخروج إلى الحياة وتحدي الإرهاب". تقول سمرقند الجابري. في أول سنوات الإرهاب اضطرت النساء إلى ملازمة المنزل خوفا من الإرهاب أو المتطرفين. أما اليوم، فيواجهن التحدي أكثر من ذي قبل. وتقول الجابري "يجب أن نستمر في الحياة".