العدد 4697 - الجمعة 17 يوليو 2015م الموافق 01 شوال 1436هـ

القطان: الأعياد شُرِّعت في الإسلام لتقوية العلاقات...والمرء لا يعيش بهجتها إلا بالحب

الشيخ عدنان القطان
الشيخ عدنان القطان

الجفير - محرر الشئون المحلية 

17 يوليو 2015

قال إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، الشيخ عدنان القطان، إن الأعياد شُرِّعت في ديننا الإسلامي لتقويةِ أواصِر المحبة، وتزكيةِ مشاعر المودة، وتوثيق أواصِر العلاقات، ولهذا كان من شعائر العيد: التجمُّل باللباس، والتوسعة على الأهل والأولاد بالهدايا والأُعطيات واللهو المُباح، وتبادُل التهاني بين الأقارب والأرحام والأصدقاء وأبناء الوطن والمقيمين فيه، وما يتخلَّل ذلك من مظاهر الأُلفة والبهجة والسرور».

ورأى القطان، في خطبته يوم أمس الجمعة (17 يوليو/ تموز 2015) أن المرء لا يعيش بهجةَ العيد وفرحته إلا بالحبِّ، بالحبِّ يكون التواصُل وتنسجِم اللُّحمة الوطنية، ويصدُق التكافُل، ويتحقَّق التعاوُن، والحبُّ هو الذي يحفظ العلاقات الإنسانية، ويُوثِّق الروابط الأخوية».

وأضاف «هذا عيدُكم أهل الإسلام، إذا تحقَّق فيه الحبُّ زالَ من النفوس الاكتئاب والانقباض؛ ذلكم أن الإنسان روحٌ تسمو، وعقلٌ يدرِك، وقلبٌ يُحبُّ، وجسمٌ يتحرَّك. الحبُّ عواطف، ومشاعر، وسلوك، وإعلان، الحبُّ شعورٌ فِطريٌّ إنسانيٌّ نبيلٌ يُبرِزُه ويُظهِرُه سلامةُ الصدر من الغلِّ والغشِّ والحسد والكراهية والبغضاء».

وتابع «يكفي في الحب منزلةً أن كل إنسانٍ يودُّ أن يكون محبوباً ويكرهُ أن يكون مبغوضاً، والحديثُ عن الحبِّ جميلٌ وطويلٌ ومُمتدٌّ ومُتسِعٌ، وهمومُنا وغمومُنا ومآسينا على كثرتها وثِقَلها لا ينبغي أن تكون مانعاً عن الحديث عن الحبِّ وإعلان الحبِّ وإظهار المحبة».

وتساءل: «إذا لم يكن الحديثُ عن الحبِّ في يومِ العيد؛ فمتى يكونُ الحديثُ؟ وهل العيدُ إلا الحبُّ؟ وهل الحبُّ الصادقُ إلا عيدٌ يتكرَّرُ كل لحظةٍ».

وأكد أنه «لا يوجد دينٌ يحثُّ أتباعَه على المحبة والتحابُب والتوادِّ مثلُ دينِ الإسلام، لقد جاءت كلمة الحبِّ والمحبَّة في كتاب الله أكثر من ثمانين مرة؛ بل إن من حِكَم ديننا ولطائف تعاليمه أن أمرَنا بإعلان الحبِّ وعدم كتمانه؛ فقد قال نبيُّنا محمدٌ (ص): (إذا أحبَّ المرء أخاه فليُخبِره أنه يُحبُّه).

وأشار إلى أن «مشاعرُ الحب الصادق في الإنسان لها شأنٌ عجيبٌ؛ فهي ممتدةٌ إلى كل ما يقعُ تحت مشاعره ونظره واتصاله وعلاقاته؛ من حبِّه لربه، وحبِّه لنبيِّه، وحبِّه لدينه ومُعتقَده، وحبِّه لنفسه، وحبِّه لوالديه وزوجته وأولاده، وإخوانه وأصدقائه، وحبِّ الناس أجمعين، وحبِّ وطنه ومُمتلكاته، وحبِّ ما حوله مما خلقَه الله في هذه الحياة الدنيا وبثَّه فيها من طبيعةٍ وموجوداتٍ جامدةٍ ومُتحرِّكة بجمالها وألوانها وروائحها ومناظِرها وزينتها».

وأوضح أن «أعلى حبٍّ وأعظمه حبُّ الله جل جلاله الذي منحَ نعمةَ الوجود والإمداد، والهُدى والرشاد والإسعاد، ثم حبُّ الحبيب المُصطفى (ص)، وسيلةِ الخلق إلى ربهم، أجرى الله على يديه هدايةَ البشرية... حبُّ الله له صلاتُنا ونُسكُنا ومحيانا ومماتُنا، هو أهل التقوى وهو أهلُ المغفرة، وحبُّ رسول الله (ص)، هو قُدوتنا وأسوتنا وحبيبُنا وشفيعُنا، وكلُّ مُصابٍ بعده جلَل. ثم يأتي بعد حبِّ الله وحبِّ رسولِه بقيةُ المحبوبات التي فطرَ الله الناسَ عليها، وهي دائرةٌ واسعةٌ عندنا أهل الإسلام؛ من حبِّ الوالدَيْن والأولاد والأزواج والأهل والعشيرة والقريبِ والغريبِ والأوطان والمُمتلكات والأشياء، وسائر المحبوبات.

واعتبر أن «دائرةُ البُغض والكُره محصورةٌ في الشيطان، وأعداء الدين والمُحادِّين لله ورسوله (ص).

وذكر أن «من دائرة الحبِّ الواسِعة: الحبُّ الخاصُّ المقرون بالرحمة نحو اليتامى والمساكين والأرامل والطبقات المُستضعفة ومن يحتاج إلى مزيدِ عطفٍ وحنانٍ، من ذوي كلِّ كبد رطبةٍ، والمسلمُ يحبُّ الحيوانات ويعطِفُ عليها، ويُحسِنُ إليها، ويحبُّ الزينةَ والمناظرَ البهيجة ويستمتِعُ بها».

وأردف قائلاً: «أما حبُّ الأوطان والتعلُّق بها فيكفي في ذلك قولُ الحبيب المُصطفى في مكة شرَّفها الله: (والله إنكِ لأحبُّ البِقاع إلى الله، ولولا أني أُخرِجتُ منكِ ما خرجتُ)، وقال: (اللهم حبِّب إلينا المدينةَ كما حبَّبتَ إلينا مكةَ)... والقتالُ من أجل الأوطان هو قتالٌ في سبيل الله.

وأضاف «الناسُ إذا تحابُّوا تواصَلوا، وإذا تواصَلوا تعاونوا، وإذا تعاونوا عمِلوا، وإذا عمِلوا عمَرُوا، وإذا عمَرُوا بُورِك لهم، وكمال اللذَّة تابعٌ لكمال المحبة، فأعظمُ الناس لذَّةً بالشيء أكثرُهم محبَّةً له، ومن يُرِد الكمالَ فليُعوِّد نفسَه محبَّةَ الناس، والتودُّد إليهم، والتحنُّن عليهم، والرأفةَ والرحمة بهم، فالناسُ مخلوقون من نفسٍ واحدةٍ، وإذا كان الناسُ كلُّهم من نفسٍ واحدةٍ فحقٌّ عليهم أن يكونوا مُتحابِّين مُتوادِّين».

وبيّن القطان أن «الحبُّ الصادقُ يجعل المُرَّ حلواً، والكدرَ صفاءً، وهو الذي يُلينُ الحديدَ، ويُذيبُ الحجر، وبه تنقلِبُ المِحَنُ مِنَحاً، والابتلاءاتُ نِعَماً.

ولقد جاء في ديننا الإسلامي من التوجيهات والتعليمات ما ينشر المحبَّة ويبسُطها، فوجَّه إلى أخلاقيَّاتٍ ومسالك وتصرُّفاتٍ تغرِسُ المحبَّةَ في النفوس، فقال (ص): (تهادَوا تحابُّوا)، وقال: (لا تحقِرنَّ من المعروف شيئاً ولو أن تلقَى أخاكَ بوجهٍ طلقٍ)، (وتبسُّمُك في وجهِ أخيك صدقة)، والتهنئةُ بالمسرَّات، والبشارةُ بالمحبوبات من الرزق بالولد والزواج ونحوه، وزيارة المريض، وتشييع الجنائز، وإفشاءُ السلام، وتنفيسُ الكروب، وسترُ العيوب، ومن يسَّرَ على مُعسِرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن سترَ مسلماً سترَه الله في الدنيا والآخرة، وقضاءُ الحوائج؛ فمن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته.

وحذر من فقدان الحب، بقوله: «فقدانُ الحبِّ شيءٌ مُخيفٌ ينقلُ الإنسانَ إلى مرتبة الحيوان الذي لا تُحرِّكه إلا غرائِزُه، وأنانيَّتُه، ومطالِبُه الشخصية، ومن الغلط الفاحِش والمُنكر العظيم في هذا العصر بثقافته وإعلامه: ربطُ الحبِّ بالمعاني الساقطة، والمُسلسلات والأفلام الهابِطة، والأغاني الآثِمة، والتمثيليات الفاضِحة، والعلاقات المُحرَّمة. مسَخوا الحبَّ إلى علاقاتٍ آثِمة، وعلاقاتٍ قصيرةٍ محدودةٍ، حبٌّ يلُوكُه الإعلامُ الهابِط، ومعاذ الله أن يُحارِبَ الإسلام الغرائِزَ والفِطَر أو يكبِتَها، ولكنَّه يُنظِّمُها ويُهذِّبُها ويسلُك بها مسالكَ الصلاح والإمتاع والانتفاع والابتهاج».

ونوّه إلى أن «من السوء والبَذاء أن يُغرسَ في عقول الأطفال والناشئة أن الحبَّ ما هو إلا علاقاتٌ مُحرَّمة، وأكاذيبُ خادِعة».

وخلص إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، إلى أنه «لا يسعَدُ بالعيد من عقَّ والدَيه وحُرِم الرضا في هذا اليوم المُبارك السعيد، ولا يسعَدُ بالعيد من يحسُد الناسَ على ما آتاهم الله من فضله، وليس العيدُ لخائنٍ غشَّاشٍ يسعَى بالفساد بين الأنام؛ كيف يفرحُ بالعيد من أضاعَ أموالَه في مَلاهٍ مُحرَّمة وفسوقٍ وفجور، ليس له من العيدِ إلا مظاهِره، وليس له من الحظِّ إلا عواثِرُه».

العدد 4697 - الجمعة 17 يوليو 2015م الموافق 01 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً