أكد وزير المالية الشيخ احمد بن محمد آل خليفة أن أداء البحرين الاقتصادي ايجابي وواعد ولديه قدرة تنافسية عالية، قدرة أتاحت للناتج الإجمالي المحلي أن يقفز من 3.4 مليار دينار بحريني عام 2000 إلى 12.8 مليار دينار عام 2014، وأن ينوع من تركيبته القطاعية بحيث يتقلص إسهام قطاع النفط والغاز من 44% عام 2000 إلى 21% عام 2014.
وقال وزير المالية في حوار شامل مع وكالة أنباء البحرين حول الصورة العامة للاقتصاد الوطني في الوقت الراهن إن البحرين انتبهت مبكرا إلى أهمية المضي في سياسات التنويع الاقتصادي ونموذجنا ليس نتاج الصدفة، مشددا على ان سياساتنا الاقتصادية قادرة على التعامل مع التحدي المرتبط بالدين العام والعجز المالي، وان اقتصادنا الوطني يحافظ على معدلات نمو إيجابية منذ عام 2000.
وكشف وزير المالية أن إجمالي قيمة المشاريع المقرة في إطار برنامج التنمية الخليجي بلغ 6 مليار دولار، وان هناك تصور اقتصادي متكامل للمستقبل وقدرة كاملة على التعامل مع التحديات، كما اكد انه لا مساس بمكتسبات المواطنين ، وان هناك التزام مطلق بالبعد الاجتماعي للسياسات المالية المعتمدة.
ما هو تقييمكم للصورة العامة للاقتصاد الوطني في الوقت الحالي؟
بصفة عامة أستطيع أن أؤكد أن الأداء الاقتصادي لمملكة البحرين على امتداد السنوات الأخيرة كان وما يزال أداء إيجابياً واعداً ويتمتع بقدرة تنافسية عالية، قدرة أتاحت للناتج الإجمالي المحلي أن يقفز من 3.4 مليار دينار بحريني عام 2000 إلى 12.8 مليار دينار عام 2014، وأن ينوع من تركيبته القطاعية بحيث يتقلص إسهام قطاع النفط والغاز من 44% عام 2000 إلى 21% عام 2014، وأن يحافظ على تحقيق معدلات نمو إيجابية بلغت 4.9% في المتوسط على امتداد السنوات منذ عام 2000 وحتى اليوم، هذا إلى جانب تحقيق معدل قياسي لنسبة تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة مقارنة بالناتج الإجمالي المحلي إلى 54%، أي أكثر من ضعف متوسط المعدلات السائدة في المنطقة.
أما الإنجاز الأخر الذي يعد مبعث اعتزاز للاقتصاد البحريني ولنا جميعاً فهو الإبقاء على نسب متدنية للبطالة بلغت 4.8% عام 2013 و3.8% عام 2014، وذلك من خلال عملية إصلاح وإعادة هيكلة شاملة لسوق العمل قوامها تحسين تنافسية الموظف والعامل البحريني وتشجيع توطين الوظائف وزيادة جودتها وعوائدها.
وقد تم التعبير عن هذا التوجه عملياً عبر سن تشريعات تم بموجبها إنشاء هيئة تنظيم سوق العمل وصندوق العمل تمكين ، وتلا ذلك إلغاء نظام الكفيل عام 2008 والمضي في تدريب وتأهيل البحرينيين لشغل وظائف ذات قيمة مضافة عالية وأجور مجزية.
كما أصدرت البحرين في ذات العام قانون التأمين ضد التعطل الذي يقضي بصرف رواتب للعاطلين عن العمل قبل حصولهم على أي وظيفة عبر آلية يتم تمويلها بنسبة 1% من أجر كل عامل وموظف، هذا إلى جانب تدشين برامج تستهدف تأهيل خريجي الجامعات العاطلين عن العمل.
ما هي القطاعات التي تمثل أعمدة أساسية لاقتصاد البحرين؟
النموذج الاقتصادي البحريني الحالي ليس وليد اليوم ولا نتاج الصدفة، أنه محصلة لعمل مستمر وجهد دؤوب يرجع إلى الستينات من القرن الماضي عندما تنبهت المملكة في مرحلة مبكرة إلى أهمية المضي في سياسات التنويع الاقتصادي وعدم الاعتماد على قطاع النفط والغاز كرافد واحد للنمو بالنظر إلى محدودية هذا المورد الحيوي وقابليته للنضوب.
من هنا تم أرساء دعائم المكانة المتفردة للمملكة كمركز متقدم للخدمات المالية والمصرفية وخدمات الأعمال في المنطقة، وتم إطلاق مشاريع رائدة في تغطي نطاقاً واسعاً من الأنشطة الاقتصادية أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر شركة المنيوم البحرين "ألبا" التي تمثل أحد أهم المشاريع الصناعية في المنطقة وأحد أبرز مصاهر الالمنيوم على مستوى العالم، وشركة الخليج لصناعة البتروكيماويات (جيبك) كصرح في مجال تصدير منتجات الأسمدة والبتروكيماويات عالية الجودة إلى مختلف انحاء العالم، والشركة العربية لبناء وإصلاح السفن (أسري)، وشركة البحرين للاتصالات السلكية واللاسلكية والعديد من الصروح التي أصبحت اسماؤها رموزاً لسياسات اقتصادية يقظة وواعية.
والجدير بالتسجيل هنا أن هذه الصروح لم تكتف يوماً بما تم تحقيقه بل دأبت على الدخول في عمليات تحديث وتطوير مستمرة لرفع الكفاءة وتوسيع نطاق أنشطتها بأقصى درجة ممكنة، ومن أمثلة ذلك التحديث المستمر لشركة المنيوم البحرين "ألبا" والترتيبات الخاصة بخط الصهر السادس، ومشروع تحديث مصفاة البحرين التي تديرها شركة نفط البحرين "بابكو" والذي يهدف إلى زيادة الطاقة التكريرية للمصفاة ورفع كفاءة استخدام الطاقة في المملكة بوجه عام.
وكيف ترون دور الصناعات الصغيرة والمتوسطة في هذا السياق؟
استمرار الاهتمام بدعم ومساندة الصناعات الصغيرة والمتوسطة يمثل توجهاً حكومياً ثابتاً ويعكس فلسفة أساسية مفادها أن هذه النوعية من المشاريع تعد محركاً اساسياً لعجلة النشاط الاقتصادي وقاطرة لحفز القدرات الإبداعية والأفكار الخلاقة للأجيال الجديدة من رواد الأعمال.
من هنا كان تدشين العديد من المبادرات والبرامج التي تصب في هذا الاتجاه سواء على مستوى المشاريع الأكبر حجماً عبر بنك البحرين للتنمية وصندوق العمل "تمكين"، أو المشاريع متناهية الصغر عبر بنك الأسرة وبنك الإبداع، بحيث يتم تزويد رواد الأعمال بمنظومة متكاملة من وسائل الدعم والمساندة، بما في ذلك التمويل بأسعار فائدة تنافسية وفترات سداد طويلة المدى، والتدريب والتأهيل، والمشورة الفنية، ومتابعة التنفيذ، وخدمات حاضنات الأعمال، كما لا يفوتني التنويه ببرامج تشجيع رائدات الأعمال التي يعدها المجلس الأعلى للمرأة.
صاحب إعداد الميزانية جدل كبير .. هل تحدثوننا عن محصلة هذا الماراثون الطويل والشاق؟
عملية إعداد الميزانية العامة للدولة للسنتين الماليتين 2015 و2016 كانت بالفعل أقرب إلى هذا التعبير الرياضي الذي تضمنه السؤال ولكنني لا اعتبرها عملية شاقة بل جهداً بناء يهدف إلى التجسيد والتنفيذ العملي للبرامج والأولويات الأساسية لبرنامج عمل الحكومة بمحاوره المختلفة سواء على مستوى الأبعاد السيادية والاستراتيجية أو المجتمعية أو الاقتصادية، وهي عملية لا يمكن أن تستكمل مقوماتها بغير تشاور وتعاون وتنسيق مستمر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وصولاً إلى كل ما يحقق المصلحة العليا للوطن والمواطن.
أما التحدي الحقيقي فتمثل في العمل على تحقيق معادلة مفادها تحقيق التوازن بين تكريس الانضباط المالي كسمة مميزة لكافة الجوانب المتعلقة بالإنفاق الحكومي والسياسات المالية المعتمدة من ناحية، وتهيئة البيئة المواتية لزيادة معدلات النمو الاقتصادي من ناحية أخرى.
ومن هنا كان المضي في ضبط الزيادة في مستويات وأوجه الانفاق الحكومي، الأمر الذي انعكس في تراجع متوسط الزيادة السنوية في المصروفات العامة من 11% خلال السنوات المالية 2009 – 2014 إلى 2% في ميزانية السنتين الماليتين 2015 و2016.
ويصاحب ذلك بصورة موازية دعم القطاعات المحفزة للنمو الاقتصادي سواء على مستوى القطاعات الاقتصادية القائمة أو باستحداث فرص اقتصادية اخرى من شانها تحقيق قيمة مضافة عالية وإيجاد فرص عمل جديدة ومجزية.
إلى أي مدى وصلت عملية تنفيذ برنامج التنمية الخليجي؟
بداية اسمح لي أن أكرر التنويه بهذه المبادرة الكريمة من قبل أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بتخصيص 10 مليارات دولار لتمويل مشاريع التنمية في مملكة البحرين على مدى 10 سنوات ودورها كقوة دافعة لمسيرة التنمية في المملكة ومكملة للمشاريع المدرجة في الميزانية العامة للدولة، وكتعبير عملي عن الروابط الأخوية الوثيقة التي تجمع بين الأسرة الخليجية، كما أود أن أنوه بالدور المحوري للجنة الوزارية للإعمار والبنية التحتية برئاسة معالي الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة نائب رئيس الوزراء في إدارة برنامج التنمية الخليجي والإشراف على تنفيذه.
وبصفة عامة فقد بلغت قيمة المشاريع التي تم الالتزام بتنفيذها حتى الآن بين المملكة والدول الشقيقة المانحة في إطار البرنامج ما يقرب من 6 مليار دولار أمريكي، موزعة على 8 قطاعات أساسية هي الإسكان (2.5 مليار دولار)، والكهرباء والماء (1.3 مليار دولار)، والأشغال (948 مليون دولار)، والصناعة (32 مليون دولار)، والمواصلات (831 مليون دولار)، والتعليم (85 مليون دولار)، والصحة (211 مليون دولار)، والتنمية الاجتماعية (62 مليون دولار).
ومن أهم هذه المشاريع عدد من المشاريع الإسكانية تشمل مشروع المدينة الشمالية ومشروع شرق الحد ومشروع المحافظة الجنوبية، ومشروع الشيخ جابر الأحمد الصباح (تقاطعي ألبا والنويدرات) وتمويل جانب من المرحلة الرابعة من توسعة محطة توبلي، وتمويل جانب من مشروع تطوير شبكات نقل الكهرباء جهد 400 كيلو فولت، ومجمع الإعاقة الشامل، ومركز غسيل الكلى بالرفاع، ومركز العناية للإقامة الطويلة بالمحرق، ومركز القلب، و6 مدارس جديدة للبنين والبنات في مختلف المراحل التعليمية، وأعمال دفان شرق سترة، ومشروع توسعة مطار البحرين الدولي، وكلها كما ترى مشاريع من شأنها إحداث نقلة نوعية في جودة الحياة اليومية للمواطنين وتطوير مجمل مرافق المملكة.
أما أحدث الخطوات التي تم اتخاذها في هذا المجال فكانت التوقيع في منتصف شهر يونيو الماضي على 4 اتفاقيات منح مع الصندوق السعودي للتنمية بقيمة إجمالية 670 مليون دولار أمريكي في إطار بدء تنفيذ المرحلة الثانية من المنحة المقدمة من المملكة العربية السعودية الشقيقة ضمن البرنامج، وشملت هذه الاتفاقيات تمويل بناء عدد 1247 وحدة سكنية في مشروع الرملي بقيمة إجمالية 150 مليون دولار، وتمويل مشروع شارع البحرين الشمالي (جسر البسيتين) بقيمة إجمالية 250 مليون دولار، وتمويل مشروع تطوير شبكات نقل الكهرباء لجهد 66 و220 كيلو فولت بقيمة إجمالية 200 مليون دولار، وتمويل مشروع تطوير شبكات نقل المياه لمشاريع الإسكان في المحافظة الجنوبية وشرق الحد بقيمة إجمالية 70 مليون دولار.
وأخيراً وسط تعليقات وآراء كثيرة حول التحدي الذي يمثله عجز الموازنة والدين العام، كيف ترون قدرة الاقتصاد الوطني على التعامل مع التحديات الحالية أو المستقبلية؟
اقتصاد المملكة مزود بكافة العوامل التي تمكنه من البقاء والمنافسة والتعامل مع كافة صور التحديات، فهو اقتصاد حر وديناميكي ومتنوع يجمع بين موقع جغرافي متميز، وعمالة وطنية مؤهلة، وبنية أساسية متطورة، وتشريعات ونظم إشرافية ورقابية تكفل استقرار القطاع المالي وسلامته.
كل هذه العوامل مكنت هذا الاقتصاد من التعامل مع تحديات صعبة فيما سبق كالأحداث المؤسفة التي مرت بها البلاد عام 2011 وقبلها الأزمة المالية العالمية عام 2008 وتداعياتها، وأكسبته الخبرة والحرفية اللازمة التي تبقيه يقظاً ومتنبهاً لأية تطورات أو مستجدات على الطريق.
في هذا الإطار فإنني أؤكد أن السياسات الاقتصادية لحكومة المملكة قادرة تماماً على التعامل مع التحدي المرتبط بالدين العام والعجز المالي من خلال تصور متكامل يشمل حزمة من الإجراءات والتدابير ومنها إعطاء الأولوية لعدد من القطاعات التي ستمثل روافد إضافية للاقتصاد الوطني خلال المرحلة القادمة وهي السياحة، والقطاع اللوجستي، والقطاع المصرفي، وقطاع خدمات الأعمال، وتسهيل وصول الخدمات إلى المستثمرين، والتحوط لتداعيات التراجع الملحوظ في أسعار النفط في الأسواق العالمية من خلال ضبط الانفاق الحكومي وتحقيق أفضل استغلال للموارد المالية المتاحة.
هذا مع إعطاء أولوية قصوى لعدم المساس بأي حال من الأحوال بالمكتسبات الاجتماعية التي حصل عليها المواطنون خلال السنوات الماضية، والتأكيد على الالتزام المطلق بالبعد الاجتماعي للسياسات المالية المعتمدة من خلال العديد من التشريعات والبرامج والإجراءات التي تصب في مد مظلة الحماية الاجتماعية وتهيئة سبل العيش الكريم لكافة المواطنين خاصة فيما يتعلق بالشرائح ذات الدخل المحدود.
ويبقى أخيراً أن أؤكد أن السياسات المالية والاقتصادية المعتمدة تكفل المضي قدماً في مسيرة البناء والتنمية الذي تقطع فيها المملكة خطوات جديدة يوماً بعد يوم بفضل قيادة حكيمة واعية لا تدخر وسعاً في دعم الاقتصاد الوطني بكافة الصور الممكنة.
احم احم
احنا كاسبين شي حتى اتحافظون عليه